قضايا وآراء

وضع الإسلام تحت الضوء من منظور جنسي

 أطلق على صفحته اسم " العشيرة" بحجة السعي لتغيير نظرة الغربيين النمطية للإسلام. وكأن آلاف الدكاكين والمتاجر والصيدليات التي تبيع هذه المواد التي لا تحمل صفة الحلية المصنعة في دهاليز الإفتاء التجاري المظلمة عاجزة عن تغيير هذه النظرة المتحيزة!

 هذا الموضوع الذي يبدو غريبا بعض الشيء قال عن حليته "جيمس م. دورسي" في العدد الأخير من نشرة "قنطرة الحوار" في موضوع ترجمه: يوسف حجازي : (إنها صفحة تخلو من صور مثيرة لنساءٍ حسناوات ونصوص تحفز الخيال وتبيع المواد الجنسية الحلال الموافقة للشريعة الإسلامية.)

أما حلية المواد الجنسية التي يبيعها هذا المسلم المتدين فتاتي على رأي "دورسي" من كونها "تتوافق مع الشريعة الإسلامية" لماذا؟ لأن الرجل سعى للحصول على مباركة أحد الأئمة الهولنديين الذي يبلغ الخامسة والثلاثين من العمر ويعمل تقني كهرباء ويتحدث اللغة العربية بشكل أساسي. ويؤم المصلين في عدة مساجد هولندية،ويقدم المشورة في القضايا الجنسية للأزواج من أبناء الجالية المسلمة، والذي قام بإرشاده إلى أحد المشايخ في المملكة العربية السعودية، حيث (التأويل الأكثر تشددا للإسلام.) كما يقول الكاتب، فسأله عن جواز بيع المواد التي تعزز الطاقة الجنسية بحسب الشريعة الإسلامية؟ وأجابه الشيخ هاتفيًا: (هذا ليس بالشيء الجديد. ومواد كهذه تباع في مكة والمدينة المنورة، وتباع هنا الملابس المثيرة أيضًا.)

 إلى هنا يبدو الموضوع طبيعيا ولا حاجة لاستخدام (الأسلمة) لإضفاء الحلية على مواد لم تصدر من قبل فتوى بتحريمها لا في السعودية ولا في غيرها من بلدان المسلمين. ولاسيما أن الشيخ السعودي قال في فتواه: إن البائع لا يتحمل المسؤولية عن زبائنه ولا مسؤولية ما يفعلونه بما يشترونه من متجره. وإذا استخدم رجل أعزب حبوب التنشيط الجنسي في علاقةٍ خارج إطار الزواج أو استخدمها زوجان لممارسة الجنس أثناء فترة الطمث على سبيل المثال، عندها تقع المسؤولية على مرتكبي هذه المعصية وليس على التاجر) ثم أن الكاتب نفسه أضفى صفة الحلية على صفحة المتجر لمجرد أنها لم تعرض صور النساء العاريات!

أما كيف تتوافق مواد هذا المتجر مع الشريعة الإسلامية فذلك يعود لأسباب منها:

 الأول:أن صفحة العشيرة على الإنترنت (www.elasira.eu) تختلف عن متاجر مواد تقوية الطاقة الجنسية الغربية اختلافًا واضحًا، ولا توجد فيها صور مثيرة لنساءٍ حسناوات، ولا نصوصٌ مهيجة.

والثاني: أن مواد متجر الإثارة هذا الخاصة بالمحفزات الجنسية للرجال والنساء تتكون من زيوت تدليك، والمواد الدهنية الميسرة، ومواد للإثارة الجنسية وكبسولات لتحسين القدرة الجنسية وتعزيز الإثارة، كالحبوب المنشطة، والمواد الدهنية المسهلة وكلها مكونة من دهن الكاكاو والماء أو السليكون. ورغم أنها مصنعة من قبل شركة سويدية ليست مسلمة ولا علاقة لها بالأسلمة ولم تصنعها للمسلمين أنفسهم تحديدا وإنما للجميع، إلا أن ميزة  هذه الشركة أنها تُصنِّع منتجاتها من مواد عضوية طبيعية خالية من الدهون الحيوانية، وهي تباع في كل أسواق وصيدليات العالم بدون ضجة أو حديث عن علاقتها بالفكر الإسلامي أو بمجتمع المسلمين.

والثالث: أن صاحب المشروع كما يدعي ملتزم بمجموعة من القواعد مثل:

 عدم جواز العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج....

 أما استعمال الفياغرا فمقبول، لكن من وجهة النظر الإسلامية هناك تفضيل للمنشطات الطبيعية مثل زيت بزر الخشخاش أو العسل....

 كما يُفضَّل العازل الذكري عن قطع الجماع قبيل القذف، وذلك لكي تصل المرأة إلى الذروة ولا تنجر إلى استعمال عضو ذكري اصطناعي رجراج، أو إلى ممارسة الاستمناء....

 وبهذا يصبح عمله موافقا للشريعة!! وتصبح هذه المنتجات حلال ومتوافقة مع التعاليم الدينية!!

الغريب أن باقي المواد المشابهة والمصنعة كيميائيا تملأ الصيدليات المخازن والأسواق الإسلامية ولا يوجد اعتراض شرعي على استخدامها ما دامت تستخدم وفق الضوابط الشرعية، ومنه يتضح أن الرجل استغل الجانب الديني للترويج لبضاعته بغية تحقيق أرباح قد لا يتمكن من تحقيقها بالطرق العادية.

وهذا ما حدث فعلا إذ حقق الرجل من بيع  المواد الجنسية (المذبوحة على الطريقة الإسلامية) أرباحا هائلة مما دفع الكاتب "دورسي" للقول: (إن زبائنه من أتباع ديانةٍ يسود الاعتقاد بأنَّها تعادي المرأة عمومًا، وبأنها معقدةٌ جدًا في تعاملها مع المسائل المرتبطة بالجنس، ونجاحه يدل على أن تحديد أركان الأخلاق الجنسية لم يعد حكرًا على القوى المحافظة بشكلٍ مغالٍ!

أما تقبل المجتمع الهولندي لعمل هذا التاجر الماهر وعدم اعتراضه عليه رغم جذوره الإسلامية فلأن الرجل نهج السلوك الهولندي، أي لم يخرج على التقاليد والقيم الهولندية، التي هي بالتأكيد مغايرة كثيرا لنهج السلوك الإسلامي! ولأنه والقول للكاتب "دورسي": (يؤمن أن المسلمين الشباب يشقُّون طريقهم الخاص فيما يخص شؤون العقيدة، مثلهم مثل أقرانهم من أتباع الديانات الموحدة)

 النكتة المضحكة أن عدد المشترين من هذا المتجر(الإسلامي) تجاوز في الأيام الأربعة الأولى للافتتاح  الستين ألف مشتر يوميًا. والمضحك أكثر أن العقلية السياسية الغربية المتزمتة تجاه الإسلام صدقت هذه الخدعة الساذجة لا لأن خدعة الرجل انطلت عليهم وإنما لأنهم يكرهون أن يتم الترويج للفكر الإسلامي على أرضهم حتى ولو كان بواسطة المراهم المهيجة والواقي الذكوري، وعليه قرر المسؤولون عن مزود (Green Geeks) الذي فتحت صفحة المتجر عليه بعدما لاحظوا أن الموقع يلتزم بـ(الشريعة الإسلامية) غلق الصفحة بعد أربعة أيام  فقط من افتتاحها بموجب رسالة وجهوها للرجل قالوا فيها: (لا نقبل بالإخلال بشروط الاستخدام المحددة لدينا. وإذا لحق بنا ضررٌ سببه زبون، وظل هذا الزبون يتجاوز القواعد والأصول المتبعة عندنا، نقوم بفك عقد العمل الذي يربطنا به. لهذا السبب سنغلق صفحتكم. وبذلك ينتهي العقد الموقع مع كرين-كيكس، ويرجى منكم البحث عن مزودٍ بديل.)

تأتي خطوة "عبد العزيز عوراغ" متزامنة مع ظهور سلسلة من الفنانين المسلمين المعاصرين الذين التفتوا مؤخرًا إلى رسم الأجساد العارية وهو الأمر الذي لا يعترض عليه "عوراغ" ويقول عنه:"نريد أنْ نشارك في الحوار بخصوص هذا الموضوع" ويأتي أيضا بعد ظهور سلسلة من الشعراء والشاعرات المسلمين المعاصرين الذين التفتوا إلى أهمية المحفز الذي يخلقه الشعر الإيروسي لدى المتلقي والمستمع فانغمسوا في سرد قصص غرف النوم وما يدور فيها ضمن أشعارهم .

كما أن تهافت المسلمين بهذا الشكل على طلب المواد المتعلقة بالعملية الجنسية ليفوق عددهم الستين ألف مشتر يوميا من هذا المتجر وحده يؤكد أن الجنس بات الشغل الشاغل لهم ولا شغل لهم عداه!

أما الذين تفتقت أذهانهم عن هذه الأفكار التجارية البحتة التي تهدف أساسا إلى تحقيق المكاسب المادية فهم يستغلون فورة الجنس العارمة هذه لدى المسلمين ليحققوا أمانيهم ولكنهم يوغلون في أسلمة الموضوع بشكل كبير لكي تنطلي الحيلة على البسطاء ولذا نرى هذا الـ"عوراغ" التاجر الشاطر يدعي أنه لا يريد جني المال،وإنما يريد الإسهام في الحوار بين الثقافات وتغيير الصورة النمطية التي رسمها الغربيون للمرأة المسلمة تلك الصورة المأخوذة عن المرأة التي تذعن لأوامر الرجل وتعمل دائمًا في المطبخ ويتوجب عليها ارتداء البرقع، ولأن الإعلام الغربي يغطي الإسلام بشكلٍ سلبيٍ في كل مكان. وأنه ـ كما يدعي ـ يريد أنْ يضع الجوانب الإسلامية الإيجابية تحت الضوء لأنه عندما يتعلق الأمر بمسألة الجنس في الإسلام يجد المسلمون أنفسهم إزاء أحكامٍ نمطيةٍ مسبقةٍ يطلقها أتباع الديانات الأخرى. ولذا سعى بمعية مسلمين آخرين للتأسيس  لتعاملٍ أكثر انفتاحًا مع الجنس والشبق الجنسي! وطبعا ليس بالحكمة والموعظة الحسنة وتدريس آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، بل ببيع المهيجات والمنشطات الجنسية!!

 إن عمله هذا دفع الصحف الهولندية ومنها صحيفة "NRC Handelsblad" لتكتب مواضيع جديدة عن المسلمين بعيدا عن الإرهاب، ولكن ما جاء فيها لم يكن خاليا من السخرية اللاذعة والتهكم، فهذه الصحيفة قالت في موضوعها الذي تناول هذا المتجر:( القضية هنا القول بأن المتجر للمسلمين، وهذا ربط لمشروع تجاري يوجد منه آلاف في كل أنحاء العالم بالدين الإسلامي !!. لاشك أن منطق الربح والتجارة يبيح لتاجر مثل هذا، أن يروج لبضاعته كما يشاء، لكن التاجر نفسه يعتمد على رصيد ثقافي يسمح له بترويج سلعته بين زبائنه المسلمين، وهو شعورهم ووعيهم باختلافهم عن الآخرين لكونهم مسلمين فقط.) ولم يفت الصحيفة الحديث عن نجاح الرجل في دغدغة مشاعر المسلمين والهولنديين في ذات الوقت فقالت:(ومن جهة فهو يغذي الفضول لدى الهولنديين  للتطلع لهذا العالم المغلق والمجهول المحشو حتى آخره بالتابوهات والممنوعات، المسمى عالم المسلمين وبالأخص المرأة المسلمة. وبقدر الجدل الذي يثيره بسبب الفضول تتعزز فرصته للوصول لزبائن "مسلمين" أكثر.)

ولكنها لم تنس استغلال الموضوع للطعن بالإسلام حيث تقول:( خلف كل هذا تكمن ثقافة يستغلها التاجر والسياسي وغيرهما، وهي إحساس المسلمين بمبدأين الأول أن أحكام الإسلام تشمل كل حياة الإنسان، بتفاصيلها الدقيقة، والثاني وهو نتيجة - للأول - أن الأشياء ممنوعة إلا إذا أباحها الإسلام. لدرجة أنه لا يمكن مناقشة هذين المبدأين إلا تحت بند التجذيف أو على الأقل العلمنة والتغريب. يخلط المبدأ الأول بين الكمال والشمول، فكمال رسالة القرآن لا تدل لا لغويا ولا واقعيا على شمولها لتفاصيل الحياة، بدليل ما يقال باندراجه تحت بند " انتم أدرى بأمور دنياكم"، أما المبدأ الثاني – وهو نتيجة كما قلنا – فيخالف مبدأ أصوليا أساسيا، مفاده أن الأصل في الأشياء الإباحة.) وهنا عند هذا القول تحديدا تذكرت الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري (رضوان الله عليه) يوم قال لكعب الأحبار الذي تكلم بنفس أسلوب هذا الكاتب:(أتعلمنا أصول ديننا يا ابن اليهوديين؟) وأدركت أن الذي دفع كعبا للحديث مع المسلمين بتلك اللهجة هو بالضبط ما دفع هذا الكاتب للحديث عن الإسلام بهذه اللهجة.

المهم أن الصحيفة استغلت الموضوع واستمرت في سخريتها من الإسلام والمسلمين لتقول:( الجدل حول قضايا كهذه شائك وملتبس، ولكن يبقى تصور انه يمكنك أن تشتري سلعا – لأي غرض كان – بنقودك، فتساهم في تغيير صورة الآخرين عن الإسلام، فتلك فكرة لا يمكن أن تنطلي إلا على واقع يفعل كل شيء، إلا التوقف قليلا للتفكير.على كل يمكنك الآن – طبقا لنظرية تجار المواد الجنسية الإسلامية - أن تحاور جارك الهولندي عن خصائص الجنس الذي يتمتع به المسلمون، وتطمئن إلى اقتناع الهولنديين بان نساء المسلمين متنورات، وإنهن في مركز الأشياء، طالما قد دفعن نقودهن في محل بيع المواد الجنسية الإسلامية.)

وهكذا بعد أن عجز المسلمون عن إثبات حقيقة روح التسامح الموجودة في دينهم وعقيدتهم بالطرق العلمية كما كان أجدادهم يفعلون من قبل لجأوا إلى حبوب الفياغرا المصنعة على الطريقة الإسلامية ومهيجات الرغبة الجنسية والتجارة بالمواد الجنسية لتحسين صورة الإسلام البشعة في أعين الغربيين.

وتساوقا مع رأي التاجر، ورغبة في تحقيق المرابح المريحة مثل الرجل عوراغ اقترح قيام كل المؤسسات الدينية والحكومات والأحزاب الإسلامية ولاسيما مجموعة الإفتائيين الذين يحللون ذبح العراقي وتفجيره بالإسراع لفتح مثل هذه المحلات في كل مدن وقرى الدول الغربية ولا بأس أن تكون إسرائيل من ضمنها لكي نسرع عملية التغيير ونجعل الغربيين يعشقون الإسلام ولكي نضع الإسلام تحت الضوء حتى ولو كان من خلال بيع المواد الجنسية.

 واقترح أيضا أن تتغير نظرة المسلمين للجنس تبعا للنظرية العوراغية  وأن تلجأ القنوات الفضائية (صفا) و(الوصال) إلى هذه النظرية الحديثة بدل استخدام منهج التكفير والتنفير واستضافة السيد عوراغ  للحديث عن المهيجات الجنسية المصنوعة بمواصفات إسلامية بدل استضافة الشيخين عدنان عرعور و عثمان الخميس وإشغالهم عن عباداتهم بالحديث عن تكفير هذا المذهب أو ذاك من المذاهب الإسلامية ...  و.و. و.و.و. وهزلت حتى بان ...

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1421 الثلاثاء 08/06/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم