قضايا وآراء

تفعيل النقد الادبي.. مقارنة بين القراءات النقدية التي تناولت نص: بابا .. بابل

 للتوفر على رؤية نقدية موضوعية حول النص المذكور، وسنبدأ في مرحلة لاحقة بالحصول على شهادات من لدن ادبائنا (السيدات والسادة) بشان ذات الدراسات النقدية لتأكيد موضوعيتها وحياديتها، ومن اجل تفعيل النقد الادبي اكثر.... التحرير

 

تفعيل النقد الادبي

بصرف النظر عما أذا كانت  النصوص التي تنشر  في المواقع الألكترونية تحمل حدا معقولا من  صدقية الابداع ومقوماته.. فأن عددا من الظواهر الادبية تفرض نفسها بإلحاح شديد وتلفت النظر اليها بوضوح أشد خارج سياق رضانا وقبولنا او سخطنا ورفضنا..منها شيوع ظاهرة القراءة العابرة المتعجلة.. مصحوبة أحيانا بتعليقات قد تمت او لاتمت للأدب بصلة..  وثمة مواقع تثبت القراءات لكل نص.. وعدد المعلقين.. وقد يحظى نص متوسط الجودة بقراءات تفوق بكثير نص  رصين يستحق اهتمام كبار الاكاديميين.. ولا يخفى التأثير المحبط لمثل تلك الظواهر..وقد تمر العديد من النصوص الفذة دون أن يلتفت اليها أحد..وتمر كقطرة ماء تائهة في محيط من الكتابات المتباينة الجودة..بل الرديئة أحيانا.. وأرجو أن يلتمس الاخوة والاخوات الكتاب والقراء لي العذر إن أسرفت في توكيد هذه الظاهرة..والتي تحاول صحيفة المثقف وبجهود صبورة مثابرة من الاستاذ ماجد الغرباوي تجاوز سلبياتها الموضوعية المفروضة على الواقع الادبي الراهن..

أتصل الاستاذ ماجد بعدد من النقاد المرموقين وهوعلى دراية بمعاناتهم وإنشغالاتهم وهمومهم عارضا عليهم مشروعه النبيل منطلقا من حميتهم وحرصهم على ارتقاء المنجز الابداعي العربي والانساني.. داعيا اياهم  للمساهمة بما يسمى (النقد  لنصوص مختارة شهريا..).. ويتم أختيار هذه النصوص من قبل جمهرة من الشعراء والكتاب والنقاد .. ويقدم النص بقراءة اولية ..  تتبعه نقود أخرى. تتجاوز النقد الاوغسطي وكل مافيه من خصام وشحناء ..

 وقد كان الاختيار في البدء نص.. بابا.. بابل للشاعر العراقي صالح الطائي..

وهذا ألاختيارلم يأت جزافا بل إستجابة لأراء نخبة من الادباء ومتذوقي الادب..

 أتصل ـكما قلتـ الاستاذ ماجد بنخبة من النقاد.. وكنت من جهتي كقاريء قد باركت هذه المحاولة وهي لما تزل فكرة وحسب..فعرض علي أن اكون أحد المساهمين. في إنضاج الفكرة..فأعتذرت بعدم الاختصاص..فلست سوى هاو محب للأدب..لا أملك عدة  النقاد ولا أدواتهم..لكن الاستاذ بكرمه  أستقبل كتاباتي بتقدير عال..مما شجعني على تقديم نص الاستاذ الشاعر الطائي .. بقراءة إنطباعية حاولت جهدإمكاني أن أقترب من مقاصد الشاعر وإنفعالاته..

 وجملته الشعرية.. وتشفيراتها..وتكثيفه للصور..وكنت أعلم علم يقين ان المهمة أصعب من قدرتي فأعتذرت بأن  قراءتي إنطباعية بحتة عارضا على الاخوة النقاد أن يسددوا خطانا بملاحظاتهم ودراساتهم .. وكنت قد أخبرت الاستاذ ماجد اننا إن حصلنا على دراسة  إكاديمية واحدة للنص الواحد  تكون رسالة المثقف قد إنجزت بجدارة.. اما اذا تجاوزت الدراسات ذلك نكون قد عبرنا الى الضفاف الاخرى.. اعني ضفاف الطمأنينة ان المحاولة قد أعطت ثمارها اليانعة..

 وبالفعل أستجاب الدكتور البروفسور عبد الرضا علي لدعوة الاستاذ ماجد الغرباوي وتفضل مشكورا بتقديم دراسة رصينة متأنية للنص..

أشر الدكتور منذ البداية ظاهرة مؤسفة في الوسط الادبي هي الخشية على النقد الموضوعي من الضياع في متاهة الخوف من القطيعة بين طرفي المعادلة (الشاعر والناقد) أو( الكاتب والناقد)..وكأن النقد لايعني سوى الاشادة ..وثمة من يريد من الناقد أن يذكر ماله وحسب اما ان تطرق الى ماعليه فأن القطيعة واردة..

 وأنتقل الدكتور الى النص الذي راه مكتنزا بلوحات الفزع (الشاعر الطائي تشكيلي ايضا.)..والفجيعة وكأن القيامة قامت وساعة الحشر قد أزفت..وأورد مجموعة من الصور الشعرية.. والمفردات.. والجمل الشعرية التي تؤكد تلك الرؤيا..لقد كان الشاعر ذكيا في تصوير ماجرى في مدينة بابل (الحلة)..وكان قريبا من حقيقة موضوعية أن الشعر نبوءة ورؤيا لا كلاما موزونا وقافية وحسب..وكان ثمة اطناب في رصد صور الفجيعة لكن الناقد الدكتور يشفع له من خلال تأكيده ان كل ذلك ورد على لسان طفلة..على نحو صراخ مكبوت.وخيال الطفل خيال جامح..ان تكرار نداء الطفلة .. بابا بابا..كان  بمثابة وخز أبرالابناء (تورية عن الامة).. في جسد الاباء (تورية عن قادة الامة)..ونبه الناقد ان الشاعر تعمد وضع النقاط بين المنادى بابا..  والمندوب بابل.. فيما يسمى نداء الندبة.. فكأن الطفلة تصرخ بابا الزم بابل... انتبه لبابل..

 ثم التفت الدكتور عبد الرضا الى أسلوب القصيدة التي مازجت بين التفعيلة وقصيدة النثروأستعماله ايقاع الخبب المخبون والخبب المضمر..وكما داخل الشاعر بين الايقاعات داخل ايضا  في التفعيلة..

 وهكذا حظي نص الشاعر الطائي بدراسة أكاديمية رصينة يندر ان تحصل عليها نصوص كثيرة لاتقل عنه جودة.. تنشر في الصحف والمواقع.. وبذلك قدم الدكتور عبد الرضا علي خدمة جليلة  للنقد الادبي الراهن  ولمتذوقي الادب قبل الشاعر..

 وجاء الباحث العراقي الكاتب صالح الطائي والذي يتطابق اسمه ولقبه مع اسم الشاعر ولقبه.. فتناول النص من زاوية أخرى.. منطلقا من فكرة الموت التي تعملقت على مستوى العالم كله وأكتسبت معان جديدة بين مايسمى بالموت الرحيم والموت الجماعي والموت المجاني.. وصور الدمار الشامل تنقلها الفضائيات كخبر عادي.. وما يسمى بصناعة الموت وقتل الشعوب.. واتخذ الباحث من نص الشاعر وسيلة للحديث عن جنون العالم.. معرجا على العراق الذي يقتل شعبه يوميا لعقود مضت من السنين. لذلك  ووفق رؤية الباحث ان الامر كان يسيرا على الشاعر وهو بالاصل فنان تشكيلي من رسم صور الفجيعة والدمار في ارض ابائه بابل.. وكان طرح الاستاذ الباحث استنكاريا.

 لما يجري.. تاركا دراسة النص أدبيا لمن سبقه اعني الاستاذ الدكتور عبد الرضا..

 وكان حضور الشاعرة جوزيه حلو مميزا.. فكانت مساهمتها تعبر بدقة عما  يمكن أن نسميه بنقد الشاعر للشاعر..فتعمدت في قراءتها أن تتذوق النص تذوق شاعرة خبرت حلاوة المفردة وإيماءاتها وأستنشقت عبير الجملة الشعرية الاخاذة لكن النص  الذي أمامها نص مأزوم تتخلله صور الدمار..  بيد أنها انتبهت الى ما انتبه اليه الشاعر أن ثمة أمل أكيد..فبعد رائحة البارود لا بد ان يأتي عطر الوردة..ورأت في الوردة رمز سلام مفترض.. لكنه آت.. ورأت ان الشاعر قد كثف الصور بشكل غريب.. موح.. فبدلا من ذكر الحقيقة الموضوعية ان في الكون وردا.. ذكر ان في الوردة كون..والشعر كما ترى جوزيه سر من اسرار الكون..كما الوردة..

 وركزت على حقيقة ان الشاعر الطائي أعتمد على التضاد المعنوي ليبتعد عما هو مألوف  وكان تلقائيا في ذلك.. لا متعمدا كما رأى قبلها الدكتور الجليل عبد الرضا..ولم يغب عنها تماهي الشعر بالتشكيل. كما رأى اغلب الدارسين للنص..وتماهي الواقعي بالسريالي..

 وهكذا كانت تلك رحلة ممتعة مثمرة قرأ فيها النص قراءات متباينة في زواياها متفقة في جوهرها.. وكانت دراسة الدكتور عبد الرضا علي حجر الزاوية التي استندت اليها كل القراءات . إضافة للقصيدة بالطبع..

ترى هل يمكن  لنص اخر من نصوص المثقف الشعرية والسردية  أن يحصل على حظوظ مماثلة.هذا الشهر؟؟. ذلك سؤال سيجيب عليه الاستاذ الغرباوي  والاساتذة الكتاب والشعراء والنقاد..  والسيدات ايضا من أديباتنا الرائعات. وهذه المرة تعمدت تقديم الرجال على النساء توكيدا لتوقيرنا لنون النسوة..وعبورا للتقاليد المملة..!!

 

 للاطلاع على الدراسات

http://www.almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=14562&Itemid=120

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1425 السبت 12/06/2010)

 

في المثقف اليوم