قضايا وآراء

كأس العالم وسيكولوجيا الطبيعة البشرية.. والعراقية

 بأرجلهم في نشاط يعتمد على مهارة وليس فيه ما يعدّ منجزا" بشريا" يتسم بالابداع،وليس فيه نظافة واناقة وجمال العاب رياضية أخرى كالجمناستك؟

أقول هذا وانا نفسي انشدّ واستمتع بها. وأرى أن الذي جعلها بهذا التفرّد أسباب سيكولوجية تخص الطبيعة البشرية وما ورثته من تاريخها الذي يعود  لمرحلة الصيد قبل ملايين السنين. فما بين مباراة كرة القدم وعملية الصيد شبه كبير. فالصياد يجري وراء الطريده، ينفعل، ويصوّب، ويسدد، وأن صادها جرى له احتفال واستقبل استقبال المنتصر. والآلية السيكولوجية نفسها تعمل في لاعب كرة القدم والجمهور. وهذا يعني أن حاجة الانسان الى "التغلّب" وقهر الخصم قديمة في الطبيعة البشرية، والفرق حصل في طريقة التعبير عنها التي تطورت من الصيد الى المصارعة الحرّة..الى كرة القدم التي اخضعها التطور المدني لقوانين تضبط الصراع.

والسبب الثاني يرتبط أيضا" بحاجة متأصلة بالطبيعة البشرية هي نزعة الانسان الى الصراع مع الآخرين، الذي تطور الى صراع بين الدول. وفيها أيضا" شبه كبير بين ساحة الحرب وساحة اللعب. ففي الاولى جيشان يتقاتلان من اجل فوز احدهما وهزيمة الآخر، وهذا ما يحصل في كرة القدم..حتى رفع الاعلام!. وبهذا الاختراع سجّلت كرة القدم فضلا على البشرية بأن نقلت الصراعات بين الدول من ساحات الحروب الى ساحات كرة القدم، وان كانت احيانا" سببا في تأجيجها.

والسبب الثالث هو حاجة الانسان الى التماهي بـ "المنتصر". ونعني بالتماهي تمثّل الشخص صفة من الآخر ليتحول كليا" أو جزئيا على غراره، وهي هنا الفوز على الخصم والشعور بالزهو وتوكيد الذات الفردية والجمعية التي توحّد الجماهير بصيغة الـ "نحن" وقولها: "غلبناهم، هزمناهم" وتفريغ للعنف وتنفيس للعدوان المكبوت.

والسبب الرابع، أن الحياة مملة وأن الدماغ يحتاج الى تنشيط، وأن كرة القدم بما فيها من ترقّب وتوتّر وصراخ، تزيح عن الدماغ انشغاله اليومي بالهموم، وتنعشه بما تحدثه فيه من انفعالات وايعازات بافراز هرمونات منشّطة.(ابتكرت حديثا" العاب السبايدر والمقص وسكة  الموت لاحداث صدمة تجدد النشاط).

واللافت أن العراقيين ينفردون بأسباب اضافية خاصة بهم. فقد حصلت ظاهرة غريبة لمتابعتهم قبل اسابيع مباريات برشلونه والريال، لدرجة أن بائع لبن وزع اللبن مجانا" بفوز فريقه الريال!برغم أنه من "البياع!". وطاف شوارع مدينة ببغداد موكب دراجات هوائية لمناسبة فوز فريقهم برشلونه!.ووعد مدرس رياضيات باقامة دورة مجانية للطلبة اذا فاز الريال.وانطلقت العيارات النارية بسماء بغداد لحظة احرز الريال هدفا"، فيما هلهلت بمكان آخر حين ردّ برشلونه بهدف. ولا يعود ذلك لغياب المنافسة الحقيقية بين الفرق الرياضية العراقية كما يرى رياضيون، انما السبب الحقيقي هو توالي الخيبات على العراقيين وتكرر الاحباطات التي تولّد لدى الجماهير المحرومة حاجة البحث عما يشفي غليلها وتمنّي مجيء "البطل المخلّص"..فضلا" عن أن مشاهدة مباريات كأس العالم تفعل في المضنوك ما يفعله المخدّر في المحبط الهارب اليه من واقع خشن..فكيف بالمواطن العراقي اذا كان رئيس جمهوريته ورئيس وزرائه يتقاضيان 150 مليون دينار شهريا! فيما هو يكدح "والعشا خبّاز "..وفي طرق ملغومة بالموت!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1427 الاثنين 14/06/2010)

 

في المثقف اليوم