قضايا وآراء

الإطار والصورة: العناصر الأساسية في رسوم الفنان التشكيلي علي رشيد

- التناظر: ليس هناك في معظم لوحاته هذه الخاصية، فهو يقسم المساحة داخل الإطار إلى أجزاء غير متساوية، ثم إلى أجزاء من ثلاثة أو أربعة، ويبدو أن هذا الإنحياز في التوزيع (ألوان وأشكال) يعبر عن مضمون خاص في الرؤية. فهل هو انحراف عن المعدل أم أنه خروج ضد مبدأ الوسطية الذي يروج له منطق كولونيالي معاكس ومحافظ.

- الموضعية: فالعين تلاحظ في جزء من لوحاته التشكيل المقلوب للصورة، حيث أن الألوان التي ترمز إلى السماء وعناصرها تحتل الجزء الأدنى من القماشة، بينما تأخذ الأرض ومكوناتها الجزء العلوي . أضف لذلك الشعارات والعبارات المكتوبة بشكل القهقرى.

إن هذا السلوك المعكوس لا يعزز من الانحراف غير المتناظر فقط، ولكنه يترك المجال مفتوحا لعدد من التكهنات الباطنية، وهي من غير شك عبارة عن مشاعر مجردة تأتي من خلف المؤسسة وبنيتها وتحاول أن تتبرأ من الترويج للمفاهيم الشهيرة كالشهادة ويوم الدينونة والثواب والعقاب وغيره. وإنها تعكس نوعا من التصوف السوريالي المستورد للتعبير عن اللاشعور وعن المعنى الغريب لنظرية فرويد في خصاء الرجل وقضيبية المرأة. وبمدلول منفتح، للتعبير عن التشوهات الفادحة التي لحقت بالإنسان والبشرية بعد الحرب . ألم تقسم حرب عام 1945 العالم إلى معسكرين، وأليست هي المسؤولة عن هذا الخراب النفسي وعن الدمار الشامل في مجال الأخلاق . ثم أخيرا ألم تكن هي التي حجبت العدالة عن نصف العالم، وأفرطت في استثمار القانون واللاهوت في نصفه المقابل.

- الطلاء . تعتمد لوحات علي رشيد على كمية الألوان، وهذه إشارة إلى عمقها أو سماكتها . فهي أحيانا تضاريس مرتفعة ثم تباشر بالانحدار. إن هذه الطبوغرافيا التي ترمي بثقلها على سمك الطبقة من الطلاء تبدو أقرب إلى التعبير النفسي ليس حول تجريد المشاعر ولا حول انطباعياتها، ولكن تخصيصا عن تراكمها. إن لوحات علي رشيد دعوة إلى التراكم وإلى تقدير الأثر المتبقي للمشاعر الغامضة فوق شاشة تجحف بحق العالم والمجتمع.

- الطبيعة . واالمقصود بها طبيعة العلاقات بين الأصل والظل، ثم جميع التشكيلات الثانوية المتوفرة على مسرح الحياة والعالم. ويبدو أن المسافة هنا تدين للتصوف التنسكي بعدة شروط، ومنها إضفاء الغموض على عناصر الصدارة مثل الوجوه والأجساد والتي تأخذ رمز دائرة ومثلث وهلم جرا... مع إلقاء مزيد من النور على الخلفيات الصغيرة كالطوابع والأختام والأرصفة والأجزاء البشرية ... إلخ.

- و يبقى في النهاية ما يسميه فوكو بنثر العالم. فمع أن اللوحات تتألف من أشكال من غير صور، ومن دلالات ليس لها انطباع محدد، تترك أمام العين مجموعة من البقايا أو الآثار المعاصرة والتي تدل على القيمة المهدورة للجنس والعرق والثقافة، وعلى أهمية الاغتراب والتشيؤ في هذا العالم الضيق والخانق.

و لهذه القراءة بقية، وبودي أن أدع الباب مفتوحا للمختصين بالفن التشكيلي لتحديد موقع الأستاذ الفنان علي رشيد من الساحة الفنية بموضوعية وتجرد، وشكرا.

 

- للإطلاع على لوحات الفنان علي رشيد والمعارض التي اشترك بها يمكن العودة إلى موقعه الإلكتروني، أو إلى مجلة (إلى) الإلكترونية التي تشرف عليها شركة كروس أوفير في هولندا، بماسترخت.

 

2010

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1427 الاثنين 14/06/2010)

 

في المثقف اليوم