قضايا وآراء

شهادات نقدية (1) حول ما كتب عن نص بابا .. بابل

 

موضوع النقد لم يثر اهتمامي رغم أن فتح باب له يشجع الناقدين على الاهتمام بالنقد، فهذا المجال ليس بجديد وقد احتله لفترة من الزمن نقاد لهم اسمهم في هذا العالم مما أوصلهم الى حد الأحتكار، حتى انهم أوحوا للقارئ أن مايقولونه قد أصبح من التنزيل الذي لايشكك بصحته. وما أن يتناول أحدهم نصاً بالنقد حتى تبعه بقية أعضاء العصبة بالإسناد، فمن يجرؤ على مخالفة آلهة النقد، إلا القلة منهم؟

 

المثقف، في نقد النقد، تعكس الأدوار وتغير قوانين اللعبة؛ الناقد عادةً يقف على المنصة والكاتب يقف محاصَراً في زاوية تضيق أو تتسع حسبما يرتأيه الناقد؛ الناقد يجد نفسه المتفضِّل والمانح لمجرد التفاته الى النص حتى وإن حمل المعول في يده. المثقف في هذا السبق "نقد النقد" يضع الناقد في الزاوية، وهذا لاينقص من قدر الناقد وإنما يعطيه قضمة مما كان يلقمه لغيره، حلوا أو مرا عليه أن يتقبله لأنه منه وإليه.

 

أعود الى الموضوع الذي أثار فتح هذا الباب والذي افتتحه الأديب سلام كاظم فرج بمقاله المختصرــ بتعمد ــ لافتتاح هذا الباب ودعوة الآخرين لدخوله، وهو بعنوان " تفعيل النقد الأدبي.. مداولة بين القراءات النقدية التي تناولت نص بابا بابل.." وفيه يلقي نظرة سريعة على ماجاء في كل نقد.

 

 قرأت المقال وتركت تعليقا ً وكان ملاحظة لشيء لفت نظري في في موضوع النقد لنص "بابا ..بابل" . أول شيء اننا في كثير من الأحيان نقرأ عناوين ونمر عليها مرور الكرام واحياناً نقرأ البعض منها على عجل وأحياناً يستوقفنا نص فنعيد قراءته. ومعظم النصوص لا تحظي حتى بقراءة أما لضيق الوقت الذي نخصصه للقراءة في موقع معين أو لأننا لاندخل الموقع كل يوم فتمر النصوص وتذهب الى الأرشيف دون أن نلتفت لها حتي يشير اليها أحد الأصدقاء.

 

حين نشر الإقتراح المتعلق بالنقد وترشيح النصوص للنقد لم أكن متحمسة له وذلك لاعتقادي أن النص الذي يلفت نظر الناقد يحظى بنقده وأن الدعوة للنقد وترشيح نص للنقد لن يجني سوى المزيد من تعليقات المجاملة المبالغ فيها وأن الأقتراح فيه دعوة مبطنة للكف عن المبالغة في المجاملات. وحين سارع الأديب سامي العامري الى ترشيح نص "بابا .... بابل" قلت اقرأ النص فلابد ان يكون للعامري وجهة نظر فترشيحه النص لايأتي من فراغ فالعامري دقيق في قراءاته وإن كان في الفترة الأخيرة قد انقاد الى بعض المجاملات ولكنه لايقول غير مايعتقده وقد وجه الكثير من الإنتقادات البناءة فيما قبل فهو لايجامل فيما لايقبل المجاملة،

 

أول مالفت نظري العنوان "بابا بابل" خطر ببالي ان الكلمتين غير متجانستين المنادي بابل مؤنث فلا يصح مناداة المدينة بنداء بابا المذكر ... ومازلت غير مقتنعة بالتبرير الذي قدمه الشاعر بعد أن أعطاه الناقد الأستاذ عبد الرضا علي الإشارة الخضراء لتمريره ,لا أظن الناقد نفسه مقتنعا كل الاقتناع بذلك التبرير ولكنه أعطى الشاعر مخرجاً.

ولست هنا في مجال نقد النص ولكني في نقد النقد..

 الأستاذ عبد الرضا علي ناقد اكاديمي يشهد له بالمعرفة النقدية والأدبية واللغوية. فلا يدهشني جودة نقده وتركيزه على الجوانب العروضية. ولكن لدي مآخذ على نقده.

 

بدأ الأستاذ عبد الرضا علي بالإشارة الى كونه مدعواً لتقديم نقده من قبل الأستاذ الغرباوي وكأنه يقول "أخاك مجبر لا مخيّر... فاعذرني إن جاملت!" لا يحتاج الناقد الى تقديم اسباب او شرح الظروف المحيطة به لان القارئ يهمه فحوى النقد والناقد لا يحتاج الى دعوة او تبرير.

وهذه ليست بداية موفقة للنقد... عذراً استاذنا لصراحتي، انا فقط اعطي انطباعاتي مادمت قد اعطيت الفرصة لنقد النقد.

 

النقطة الثانية قوله انه يتجنب النقد خوفاً من رد الفعل إن كان نقده يحوي بالإضافة لما للشاعر ماعليه. فهو هنا اشار الى أنه لن يقول إلا ما يرضي الشاعر خوفاً من سخطه. وبذا أعطى الفكرة أو الإنطباع أن نقده لن يكون متوازناً. وقد يكون هذا وراء ايجاد المخرج الذي استند عليه الشاعر لتبرير العنوان فيما بعد.

 

في موضوع التفعيلات والبحور لا يمكن لأحد أن يضاهي الأستاذ عبد الرضا علي في هذا المجال وقد اعطانا كعادته درساً ثقافياً في التقطيع وتحديد البحور وهذا مايشكر عليه ولكنه اطنب.

 

اما تفسيراته الأخرى وشروحه فهي رأي الناقد الذي قد نتفق معه أو نختلف ,,, ولكني لاحظت خطواته الحذرة خوفاً من الإنزلاق .. كان كمن يمشي على البيض حين يقرب نقطة اختلاف او تبيان خطأ.

 

ويبقى الأستاذ عبد الرضا علي ناقداً نطمح الى قراءة نقده البناء، ويبقى متفرداُ في اسلوبه.

 

الأستاذ الباحث صالح الطائي ذكر ان النقد الأدبي ليس ساحته ولكن كما يظهر دخله ليكون عاملا محفزا في دفع عجلة النقد، فعبّر عما يجيش في نفسه من مشاعر أثارها النص، ولا شك أنه كان صادقا في التعبير عن ذلك فالنص يثير الشجون.

 

... ولكن ما لفت نظري هو ماكتبته الشاعرة جوزيه حلو لأني ما عرفتها ناقدة؛ قرأت لها بعض النصوص وبعض التعليقات وفيها تكثر الأقتباس من أقوال الآخرين، احياناً حد الإرباك، ولكنها حاذقة جداً في الاقتباس وهذه قابلية اشهد لها التفرد فيها، ولكني ما عرفت ان لها قابلية النقد حتى قرأت ماكتبته في نقد بابا بابل... ولعلها نقطة تحول أو تطور فقد كان فيه نضج الناقد ابتعد نقدها عن التخصصية في شرح البحور لأنه خاج اختصاصها وركز على التذوق والمقارنة وبهذا كان مكملاً لما جاء في نقد الأستاذ عبد الرضا علي.

 

دخلت جوزيه حلو الساحة وكأنها فارس يمتطي صهوة جواد أشهب يدخل ساحة ويثير الغبار ليذهل الحاضرين حتى يتساءلوا من هذا الفارس؟

 

رغم أن الكثيرين قد نصبوا أنفسهم ناقدين دون إلمام بأصول النقد أو حتى أصول اللغة، ألا انهم لم يدخلوا هذا الدخول الواثق. وسواء اتفقنا مع ما جاء في مقطوعتها النقدية ام اختلفنا، فإننا ولا شك لقد شهدنا فيها مولد ناقدة تلفت النظر بدخولها، فكما ساهمت في اثراء البحت في النص ساهم النص في دخولها عالم النقد الصعب. لقد كانت شجاعة في اقتحام هذا الحقل الملئ بالأشواك والألغام وخرجت منه سالمة.

 

وأخيرأ اقول أن جهود الأستاذ الأديب سلام كاظم فرج في هذا المضمار واضحة جلية وله كل الشكر والتقدير كما للناقدين وللشاعر صالح الطائي، ولكن كل الشكر للشاعر سامي العامري الذي كان الدفة والموجة والشراع والقبطان لكل الأحداث والتطورات التي احاطت بنقد النص ونقد النقد.

 

حرير وذهب (إنعام)

الولايات المتحدة

http://goldenpoems.wetpaint.com/

 

..........................

للاطلاع على ملف القراءات النقدية:

http://www.almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=14562&Itemid=120

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1427 الاثنين 14/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم