قضايا وآراء

البطاله.. اشدّ تأثيرا" من الفساد والارهاب!

فمع ان ظاهرة الفساد المالي خطيرة، لكننا نعدّ ظاهرة البطالة اخطر، لا لكون حجم الفساد أقل كونه محصورا" بعدد من موظفي الدولة، والبطالة بالملايين، بل لأن ما ينجم عنها من اضرار يصيب  مجالات الحياة كلها: الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، فضلا" عن انها تؤدي الى الفساد وليس العكس. والبطالة هي السبب الرئيس لشيوع الجريمة.. فالذي يطرق كل السبل المشروعة ولا يجد قوت يومه، والذي جازف بحياته وانتخب عضو برلمان (2005) يتقاضى أكثر من عشرة ملايين بالشهر.. وسيارة فخمه وبيت وصار يأكل القوزي والسمك المسكوف وترك من انتخبه يأكل الخبر والكراث، فأنه يبيح لنفسه أن يسرق حين تفشل الحكومة في اقامة العدالة.. ويرى قلّة صارت مرفهه جدا".. فيما جموع العاطلين تزدحم بها الشوارع.

يحضرني فلم عربي عن رجل عاطل رغما" عنه، يقوم بسرقة السيارات، يلقى القبض عليه، وحين تسأله الشرطة عن السبب، يجيب بأنه يسرق من الاغنياء الذين لديهم ثلاث أو اربع سيارات، وان سرقة سيارة واحدة منهم لا تؤثر عليهم فيما ثمنها يعتاش به هو وعائلته ويوزع الباقي على الفقراء.

وانا شخصيا" اجريت دراسة منتصف التسعينيات ـ زمن الحصار ـ على مرتكبي سرقة السيارات في سجن ابو غريب. وحين سألتهم: لو صدر عفو وخرجتم من السجن، فماذا تفعلون؟ اجاب خمسة منهم: سنسرق أول سيارة نراها في الشارع (لأن شغل ماكو استاذ!.)

والبطالة تعني جوع وعوز أسّر بكاملها ،فتأمل الوضع النفسي والأخلاقي بين افراد أسرة تتحسر على وجبة لحم!..وكيف تكون العلاقات متوتره بين افرادها، قد تفضي الى الطلاق..بل تفضي في حالات الى السقوط الاخلاقي ، أو اللجوء الى المتاجره بالمخدرات.. التي تؤدي الى تعاطيها.

والبطالة في المجتمع بهذا الحجم الكارثي، (ولاّده) لكل الظواهر الاجتماعية والسلبية..أعني مشكلة تولّد مشكلة أخرى.فالبطالة تؤدي الى تفكك أسري،وهذا يؤدي الى سقوط اخلاقي،وهذا يفضي الى القتل غسلا" للعار..وقس على ذلك من (تفريخ) وسرعة في التكاثر كما لو كانت (ارنبا"!).

والبطالة أكثر ضررا"  وخطرا" حتى من الارهاب..بل هي أهم اسباب استمراره، فحين يشعر الفرد باليأس من فرصة عمل شريف، وحين يرى اطفاله يتضورون جوعا" وزوجته تتحسر على ثوب جديد، فيما الذي كان حاله مثل حاله وصار بالحكومة يأكل ما لذّ وطاب..فأنه يعطي ضميره اجازه،وينفذ امر من يعطيه (ورقة خضراء) لقاء زرعه عبوه في الطريق العام.

أرأيتم كيف أن البطالة أشد خطرا" من الفساد والارهاب. وعليه فأن من أولويات البرلمان الجديد قيامه بسن قوانين ولوائح تعالج البطالة والزام الحكومة بتنفيذها، وان تعمل الحكومة الجديدة على تحقيق مبدأ العدالة وطرد الفاسدين والمفسدين. ولا عذر لهما، البرلمان والحكومة، في معالجتها. فمشاريع الاعمار هائلة  والعراق بلد الخيرات المتنوعة التي تكفي لجعل نسبة البطالة ولو بحدودها في الصين..بلد المليار وربع!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1433 الاحد 20/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم