قضايا وآراء

أسئلة الوالد المحتار وجوابها

 

 الأستاذ الوالد المحتار أشرف المقداد المحترم

بداية أرى أن تقرأ مداخلة صديقي الشاعر الأديب سلام كاظم على موضوعك بتأن، وتدقق فيها بعناية فستجد في الأقل أن ليس هناك بين المثقفين من يؤمن بحد السكاكين للرد على صاحب رأي مهما كان غريبا لأن حد السكاكين هو ثقافة من لا ثقافة له أما المثقف والمسلم العقائدي فيؤمنون بالحوار القائم على الدليل العلمي الصحيح. فضلا عن مداخلة الأستاذ صادق العلي التي أراها نصيحة جديرة بالتقدير.

أنا من جانبي أرى أن كونك مسلما بالوراثة ليس معناه أنك مسلم بالعقيدة، الإسلام ميز بين (أسلمنا وآمنا) وجعل لكل منهما حدودا فالمسلم ليس بالضرورة أن يكون مؤمنا وأنت كما يبدو من حديثك مسلم غير مؤمن. وهذا لا بأس به تبعا للظروف التي يمر بها الإنسان فالإيمان نزلة لا يمكن لأي كان أن يرقى إليها.

ثقافة إقامة الحد بلا مبرر تكاد تشبه ثقافة قتل المخالف لأنه مخالف وهي ثقافة ليس لها مكان في الإسلام الحقيقي ولكنها محسوبة على الإسلام لأن أغلب المؤمنين بها يدعون أنهم مسلمون.

أن تقول: (أنا ظليت مدافعا مستميتا عن هذا الدين بحكم ولائي) يعني أنك تعي هويتك العقائدية فطريا والولاء كان يحركك حينما تشعر بالمنافسة أو بتهديد لهويتك، وهذا يعيدنا لمربع المؤمن والمسلم ولا بأس به أيضا لأن مجرد شعور الإنسان بوجود رابط بينه وبين هويته يعني أن للهوية أثرا عليه

أنا معك في أن الدفاع عن الممارسات القذرة والوحشية أمر مخالف للنزعة الإنسانية ولكن ليس بالضرورة أن تتلفع بعباءة الإسلام لتبدو إنسانيا فالفكر الحر أيا كانت عقيدته يجب أن يرفض هذه الممارسات.

قد تتعجب إذا عرفت أن الإسلام الحقيقي يرفض أن لا تفي لزوجتك بالعقد الذي عقدته معها بشأن تأثير ديانتيكما على الأولاد وكان المفروض أن تفي به حرفيا لأن الإسلام يرفض الإخلال بالعقد مهما كان ومع من كان وكان الأجدر بك أن لا تلزم نفسك بمثل هذا العقد.

كما أنه من الطبيعي جدا أن ينشأ أولادك وليس في عقولهم تصور عن الإسلام ما داموا يعيشون في هذه الأجواء  لكنك ممكن أن تطلع على أصول العقيدة الحقة لكي تجيب على الأسئلة وتبريء ذمتك دون حاجة لاستخدام العصا. إن كونك مسلما في مجتمع غير مسلم  يعني أنك معرض لمثل هذه الأسئلة ليس من أولادك فقط بل من المحيطين بك أيضا، واعتقد أن الجواب السالب مؤشر ليس في صالح الإنسان.

أما الحجاب فللإسلام فيه رأي لا يقبل النقاش تبعا لقاعدة فقهية تقول (لا اجتهاد مقابل النص) لأن هناك في العقيدة نص يوجب التحجب على الفتاة المسلمة في سن معينة محددة ولكنه طبعا ليس الحجاب المبالغ فيه مثل النقاب وما شابه وإنما يتم بستر مناطق جسد الفتاة التي تثير الشهوة والغريزة وهو نمط الحجاب الذي كان سائدا في زمن البعثة والأربعين سنة اللاحقة لها حيث كانت النساء تحجب بعض مواضع الفتنة، أما شكله المتطرف فقد ظهر مع تفشي ظاهرة الجواري والإماء في المجتمع الإسلامي أيام الدولة الأموية.

أن يختار المسلم الزواج بكتابية من أتباع دين آخر ويتعاهد معها على ترك حرية اعتناق المعتقد الديني لأولادهم دون تدخل ويعيش في بلد له قوانينه وسننه ثم يخالف القواعد ويجبر أولاده على التمسك بتعاليم الإسلام فذلك ليس بالأمر الهين وقد يكون ضرره على الإسلام أكثر من نفعه وأراك وضعت نفسك أمام خيارين لا ثالث لهما .. إما أن تجبر أولادك على التمسك بقيم الإسلام وهذا يولد لديهم رفضا وتمردا يدعمه قانون البلد وهذا يعني أنك ممكن أن تسجن وتعاقب. أو تأخذهم وتعود إلى بلاد الإسلام وهذا قد يهدد عائلتك بالتفرق ..

 إن بكاء الطفلة الأفغانية التي حجبها أهلها عنوة يعني أنها ليست مقتنعة بما يحدث ولذا أجدها سوف تلجأ مستقبلا لمراكز الإيواء الخاصة لكي تتخلص من قسر وسطوة أهلها وسوف يدعمها نظام البلد الذي تعيش فيه لكي تتمرد على قانون الحجاب.

أما اللمسة العدائية التي رصدتها لدى طفليك وزوجتك فهي رد فعل طبيعي جدا .. وأنا أستغرب لمَ لم تسألك زوجتك عن حاجة الإسلام لتحجيب الفتاة قبل هذا الوقت وسؤالها (لماذا يحتاج الإسلام لتحجيب طفلة في الثمانية) سؤال صادق وفلسفي عميق يدل على حقيقة حاجتها لمعرفة السبب وموقفك وإنكارك معرفة القانون ولجوئك لتعليلات مصطنعة وغير حقيقية  وتكرارك لكلمة (أعتقد) هو الجانب السلبي في المعادلة ولاسيما أن الأسئلة اللاحقة التي سألتها الزوجة فيها كثير من المصداقية التي تبحث عن جواب صادق.

 وفي مجتمعك الذي تعيش فيه عشرات الأمثلة على ذلك ممكن أن تكون الجواب المقنع لولدك الذي سألك (أتعني هذه البنت في الثامنة ستجلب اهتمام الرجال الجنسي لها فقط لأنها بدأت تذرف الدماء كل شهر) وكان يجب أن تقول له: أن لا علاقة للدم بالاهتمام  وهناك في المجتمع الكثير من المنحرفين الذين يتحرشون بالأطفال في مجتمعكم ولاسيما إذا كانت الطفلة جميلة ومن هذا المنطلق دعا الإسلام إلى ضرورة ستر هذا الجمال أو جزء منه بالحجاب لكي لا تقع الفتاة ضحية للمنحرفين.

أما سؤال ولدك (متى ستحجبنا إذا) ففيه دلالة كبيرة على عدم اهتمامك بموضوع تثقيفهم بالثقافة العامة وكان المفروض بك أن تعطيهم بعض التلميحات والتفسيرات قبل هذا التاريخ لكي تهيئهم للمستقبل.

ما يجب أن تعرفه أن الإسلام يفرض الحجاب على الرجال أيضا وليس فقط على النساء فمن غير المسموح للرجل أن يظهر مفاتن جسده أمام النساء حتى ولو كان يسبح في البحر لأن للمرأة كما للرجل مشاعر وأحاسيس ممكن أن تثيرها رؤية بعض أقسام جسم الرجل كما تثير الرجل رؤية بعض أقسام جسم المرأة .

مقولة (النساء ناقصات عقل ودين) تنسب للإمام علي بن أبي طالب وقال الشراح بشأنها ـ وهذه حقيقة علمية ـ أن الإمام قصد بقوله (ناقصات عقل) أن عاطفة المرأة الجياشة تسبق عقلها غالبا فهي تتصرف وفق عاطفتها أكثر من عقلها وهذه حقيقة موجودة في أغلب المجتمعات البشرية وتتساوق كثيرا مع طبيعة تكوين المرأة وتمتعها بصفة الأمومة التي هي فوق كل العواطف. أما قوله (ناقصات دين) فليس المقصود به أن دين النساء ناقص، كلا. بل المقصود به أن الواجبات الدينية التي يفرضها الإسلام على أتباعه تسقط عن النساء في حالات خاصة مثلا فرض الإسلام على المسلمين ذكورا وإناثا أن يصلوا لله في خمسة أوقات مدى الحياة لكنه استثنى المرأة من أداء الصلاة في مدة الحيض أي أن الصلاة تسقط عنها ولا تقضيها بعد ذلك ومن هنا يبدوا أن دينها ناقص وإلا فهي شريكة الرجل في كل الواجبات الدينية الأخرى. وهذا الإعفاء من أداء الصلاة جاء تكريما لها وليس انتقاصا منها. وعليه أجدك غير دقيق في قولك:  (وأتمنى أن يسامحني ابني يوم أن يعرف أن هذا حقيقة وليس مزحة) لأنك لا تعرف نوع الحقيقة وجوهرها.

 

أما قول ولدك: (نسمي هؤلاء الذين يجدون الأطفال جذابون جنسيا بمرضى عقليا والقانون يضعهم في السجون للأبد إذا عملوا بهذا الشعور فلماذا لا يعمل الإسلام بالمثل وليلغي الحجاب)

فأقول لك: كم من فتاة تعرضت للاغتصاب في بلدكم حتى مع وجود هذا القانون وهل تتصور أن اغتصاب الأطفال الذي حدث في أكثر الأماكن قدسية كما هي فضيحة اغتصاب القساوسة للأطفال في الكنائس الأيرلندية والإيطالية والألمانية والأمريكية سوف يتوقف خوفا من هذا القانون؟ وهل سيتوقف المنحرفون عن التحرش أو اغتصاب الأطفال خوفا من هذا القانون؟ إذا نحن ملزمون بتحجيب بناتنا وإجبارهن على ستر المناطق المثيرة لكي نحميهن من هؤلاء المرضى، ولا تنسى أن للاغتصاب آثار  سلبية ترافق الفتاة في كل حياتها وتحولها إلى إنسان غير سوي، والإسلام يريد من كل اتباعه أن يكونوا أسوياء

نعم لأولادك أمثلة في الملكة إليزبيث وهيلين كلارك و .و .و  لكن للمسلمين كذلك أمثلة لنساء محجبات مسلمات مجاهدات عقائديات منهن  أمهات المؤمنين خديجة وعائشة وأم سلمة . وفاطمة بنت رسول الله وزينب بنت علي بن أبي طالب وصولا إلى جميلة بوحيرد المناضلة الجزائرية. كل هؤلاء كن محجبات وكن قدوة، وفي العراق اليوم مئات الأمهات والأخوات المحجبات اللائي قمن بما يعجز الرجال عن القيام به.

أما قولك: (ومع ذلك تبقى نيوزيلاند متقدمة ومرتاحة من كل الدول الإسلامية) فقول غير دقيق لأن بلدك قد يكون استثناء لأن هناك بلدانا أخرى لا ترقى لأن تكون بعشر ما هي عليه البلدان الإسلامية. ثم  ما أدراك أن البلدان التي تتحدث عنها هي بلدان إسلامية؟ لا توجد اليوم بلدة إسلامية بمعنى الكلمة حتى وإن كانت تتسمى بالإسلام هناك بلدان سياسية تقودها القوانين الوضعية المحلية والدولية وحيز الإسلام فيها قد لا يكون أكثر من حيز الإسلام في البلدان غير الإسلامية.

ما يجب أن تعرفه أنت وزوجتك وأولادك أن هناك اليوم (إسلامات) متعددة وليس إسلاما واحدا وأن الكثير من عقائد هذه الإسلامات لا يمت للأصل الأول بصلة إلا من حيث التسمية ولذا لا يمكن أن نتصور أنها تمثل الإسلام، منع الفتاة من سياقة السيارة مثلا ليس موجودا إلا في منظومة الإسلام الوهابي السعودي أما الفتيات المسلمات في البلدان الإسلامية الأخرى فلهن الحرية بقيادة السيارة والعمل والخروج والسفر وحضور المؤتمرات والدراسة  وهذه هي الحقيقة التي يجب أن تعرفها زوجتك ومن المفروض أن تأتي بهم إلى بعض الدول الإسلامية ليروا بأعينهم هذه الحقائق.

أما مسألة أسلمة أولادك فلا يمكن أن تنجح بها وأنت تجهل الكثير عن الإسلام. ما يجب أن تعرفه هو أن الإسلام لا يؤمن باستخدام القوة لإجبار الناس على الإيمان به، ارجع إلى القرآن والسنة وستجد مئات الأمثلة على ذلك.

وختاما أجدك أيها الصديق بورطة حقيقية وتحتاج فيها إلى المساعدة ولكن يجب أن تعرف ممن تحصل على هذه المساعدة لأن هناك بين المسلمين من لا يمكن أن يخدمك بالوصول إلى الحقيقة. ولذا أفتح لك صدري وقلبي وأقول لك أني على استعداد لمساعدتك بالتعرف على بعض الحقائق الإسلامية النظيفة وغير المتحيزة وستجد حينها أن الإسلام أكبر من كل تلك الصور المشوهة التي رسمها له بعض المسلمين

 

للاطلاع على مقال الاستاذ اشرف المقداد

http://www.almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=15492:2010-06-19-13-07-54&catid=34:2009-05-21-01-45-56&Itemid=53

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1434 الاثنين 21/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم