قضايا وآراء

وقف الأسلمة المزعومة طريق نحو القمة

توسعت قاعدة الغربيين المنتمين للعقيدة الإسلامية في غضون السنوات القليلة المنصرمة.

هذه المسألة قد تبدو شأنا داخليا لا علاقة للإسلام به ظاهرا ولكنها في الواقع تؤشر حقيقة صراع الأفكار القائم اليوم بين الثقافات المتناقضة والحضارات المتنافسة، كما تبين أن العالم تحول حقيقة إلى قرية صغيرة يؤثر ما يحدث في طرفها القصي على طرفها الأقصى وكأنه حدث فيه فعلا، وأن كل ما يدور في أي جزء من العالم بات على تماس مع كل أجزاء العالم الأخرى ولذا يراقب العالم المتحضر اليوم كل حراك في القارات الخمس وكأنه حراك داخلي يعنيه شخصيا بينما لا تلتفت البلدان النامية والمتأخرة لما يحدث حتى في بلادها مما وسع الهوة الفاصلة بين الجانبين حتى بات من المستحيل على شعوبنا التفكير بعبورها، ومع توسع الهوة وعدم اهتمامنا بعلاج هذا التوسع والبحث عن مناطق ضيقة للعبور ستتأثر سنن التواصل بيننا وبينهم فتبقى بلداننا رازحة تحت سطوة التخلف والدكتاتورية والخمول والجهل بينما يتقدمون هم بتسارع مهول، ويبقى التحرك العدائي لبعض أحزابهم ذا أثر كبير على صراع الداخل.

 ومن هذا المنطلق تجد العرب والمسلمين منشغلين بقضاياهم الداخلية التي تتسم بالعدوانية والدموية غالبا دون البحث عن سبب تنامي التوجه المعادي للإسلام في بعض دول العالم المتحضر لدرجة أن السياسيين في تلك الدول باتوا يراهنون على الفوز في الانتخابات النيابية في بلدانهم تساوقا مع درجة معاداتهم للإسلام وعقيدته، ومن أمثلة ذلك ما حدث في الانتخابات النيابية الهولندية الأخيرة، حيث ضاعف حزب الحرية الهولندي المتطرف المعادي للإسلام بزعامة (خيرت فيلدرز) عدد مقاعده في البرلمان  من 9 إلى 24 مقعدا ليس لأنه نجح في تطوير الخدمات المقدمة للشعب الهولندي ولا لأنه نجح في بث ثقافة التسامح بين الشعوب ولكن فقط  لتمسكه بمسألة منع الهجرة الوافدة، ورفعه شعار وقف أسلمة هولندا، وحظر القرآن، وفرض ضريبة على حجاب النساء المسلمات سواء كن هولنديات أم وافدات من البلدان الإسلامية.

وفي الوقت الذي تظهر المؤشرات فيه أن تاريخ 20 شباط 2010 الذي سقطت فيه الحكومة الهولندية التي يرأسها (بالكينندي) منذ عام 2007 كان نتيجة انشقاقات حول إبقاء القوات الهولندية في أفغانستان ولا علاقة له بالعداء الغربي / الإسلامي، إلا أن ذلك لم يمنع المتطرفين الهولنديين من تكثيف حملتهم المعادية للإسلام على أمل الفوز بمقاعد نيابية جديدة وهو ما تحقق لهم فعلا. وهذا يعني أن مشاكل كثيرة سيثيرها نواب هذا الحزب قد تؤثر كثيرا على وجود المسلمين في هولندا ولربما تقوم الحكومة بترحيلهم إلى بلدانهم التي جاءوا منها فيعودون محملين بحقد كبير يسهم في إذكاء روح العداء والكره للغرب كله

إن بعض المفكرين والكتاب المسلمين يعطون لهؤلاء الحق باعتبار أن موقفهم من الآخر تحدده تصرفات الآخر نفسه وأن المتطرفين الإسلاميين بأفعالهم القبيحة أجبروا الغرب على إتباع مثل هذا النهج متناسين أن للغرب نفسه حصة كبيرة في دفع هؤلاء المتطرفين لارتكاب أعمالهم وإثارة نعرات الكره.

إن كل تلك الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب  والتي تتحدث عن حرية المعتقد والدين والتكلم والتفكير والسكن والإقامة وما شابه تتعارض كليا مع هذه المواقف العدائية التي تثير المتطرفين الإسلاميين وتدفعهم للانتقام ومعاملة الآخر بالمثل، بل وتثير المسلمين المعتدلين أيضا، بحيث تطغى ثقافة القطيعة والإقصاء على ثقافة التسامح وقبول الآخر وبذا يشترك المتطرفون الغربيون في ارتكاب هذه الجريمة النكراء التي تهدد الوجود الإنساني من خلال تخريبها للعلاقة القائمة بين المكونات العالمية لأنها تزرع القطيعة بين شعوب الأرض فيما بينها.

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1437 الخميس 24/06/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم