قضايا وآراء

غير أن اليوم كان الأربعاء / جليلة بن أحمد

المعروف بنضاله النقابي زمن الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسية فهو مؤلف كتاب<< العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية>> وقد عرف أيضا بدفاعه عن المرأة ومناصرته لها فهو من الأوائل الذين دعوا إلى تحريرها في كتابه << امرأتنا في الشريعة والمجتمع >> معتبرا أن لا فصل بين تحرير البلاد آنذاك وبين تحرير المرأة...وهو من أصيلي حامة قابس بالجنوب التونسي وقد تعلم بجامع الزيتونة بالعاصمة وبالمدرسة الخلدونية التي تخرج منها.و قد مارس الصحافة فنشر مقالات عديدة في الصحف التالية: "مرشد الأمة" و"الزمان"و" لسان الشعب"و"الصواب".

بفخر كبير وبحب أكبر لهذا العلم المناضل المختلف الأنشطة الإصلاحية الاجتماعية والسياسية...و بولع أعمق بالأدب شعرا ونثرا أنطلق كل عشية أربعاء وطيلة الموسم الثقافي 2009 – 2010 في اتجاه النادي الثقافي الطاهر الحداد أحمل معي نسائم طرية من قريتي القريبة من العاصمة قريتي الخضراء المشرقة الجميلة المثمرة دوما فهي هبة مجردة. تبدأ رحلتي إذن من قريتي "الجديدة" الأندلسية الذاكرة العريقة النضال في اتجاه العاصمة...أصل"باب سويقة" فتستقبلني مياه نافورتها برقرقة طروب...ثم أمر بالسوق العربي وهي سوق مسقوفة معمارها عربي أصيل إنه سوق سيدي محرز نسبة إلى الولي الصالح محرز بن خلف "سلطان المدينة "كما يسميه سكان المدينة العتيقة حيث تستقبلني روائح البخور الشذية وبسمات الباعة اللطيفة وترحابهم بالمتبضعين ودعوتهم لهم للإطلاع على ما يعرضونه من أوان وعطور وملابس وأقمشة مختلفة الألوان...في سوق سيدي محرز تطرب كل حواسك وتنتشي...

أخرج من السوق فأمر ببعض الأنهج غير المسقوفة في اتجاه النادي أحث الخطى أكاد أطوي الأرض طيا محتمية عند نزول المطر بمطريتي المزهرة وعند سطوع الشمس في أواخر الربيع بقبعة من السعف التقليدي التونسي ...أصل النادي باكرا فأنتظر رواده الذين أتعرف كل أربعاء على فرد أو أكثر من أفراده...

النادي الثقافي الطاهر الحداد هو بناية عتيقة تقع في نهج "التريبونال " – والتريبونال هي محكمة فرنسية كانت منتصبة في ذلك النهج زمن الاستعمار الفرنسي - والنادي محاط بعدة بنايات ومعالم تاريخية حية ناشطة في مجالات الثقافة كبيت الشعر والمركز الوطني للترجمة ومتحف خير الدين. لكل بناية تاريخ وحكاية تجمع بين السياسي والاجتماعي. وكل مقر من هذه المقرات ذات البعد التربوي التثقيفي هو في حد ذاته تحفة فنية رائعة البناء والتصميم وهو يعبق تاريخا وأصالة وحضارة ويتدفق نورا وعلما وفنا كلما نهلت منه راغبا في أن ترتوي تزداد تعطشا ورغبة في المزيد...ولئن كانت الأطر الثقافية المحيطة بالنادي الثقافي الطاهر الحداد مقراتها ديار أو قصور فإن الطريف أن النادي هو بناية مرممة كانت في الأصل مخزنا لأسرة تونسية عريقة. ولكن هذا المكان بعد ترميمه أصبح يوحي بالألفة هو مكان يمكنك أن تأنس إليه وهو يشجعك على الكتابة ويلهمك إبداعا...وقد انتقل النادي الثقافي الطاهر الحداد سنة 1974 إلى مقره الحالي  وقد كان مقره قرب حديقة البلفدير بالعاصمة عند تأسيسه في أوائل الستينات من القرن العشرين مع جملة من النوادي الأخرى نذكر من بينها  النادي الثقافي أبو القاسم الشابي والنادي الثقافي  علي البلهوان ...

و في النادي الثقافي الطاهر الحداد  اليوم أنشطة  ثقافية متنوعة  تديرها بعناية  الأستاذة هدى بوريال  مديرة النادي .. ولعل أقرب الأنشطة  إلى قلبي  نادي الأربعاء  الأدبي الذي  كان قد نشطه  طيلة  سنوات  تناهز  العشرين سنة   الشاعر  يوسف رزوقة . ومن هذا النادي انطلق العديد من الشعراء والأدباء الذين هم اليوم شموس الأدب والفكر في تونس من بينهم الشاعرة فاطمة بن فضيلة التي تشرف على النادي طيلة هذا الموسم الثقافي. وتنعقد جلسات النادي كل يوم أربعاء فيستضيف مرة في الشهر أديبا للحوار معه حول تجربته الأدبية أو حول آخر إصداراته وقد استضاف النادي طيلة هذا الموسم الثقافي (2009/2010 ) أسماء عربية لامعة نذكر من بينها : القاص الأردني مفلح عدوان والشاعرة المغربية مالكة عسالكما استضاف أسماء تونسية متميزة من بينها: يوسف رزوقة وسندس بكار ومنصف قلالة والشاذلي القرواشي وخالد درويش ومحمد الطاهر السعيدي وأم الخير الباروني وسليمى السرايري...في حين تنشط الو رشات بقية الأيام وهي مفتوحة للهواة وللمحترفين ويفسح فيها المجال للقراءات والنقاش والتحليل والنقد.

في نادي الأربعاء الأدبي  تعرفت خلال هذا الموسم  الثقافي  على عديد الأدباء والشعراء الذين شجعوني على الكتابة. وكنت كلما كتبت نصا جديدا أقرؤه على رواده...فأخرج أحيانا باكية إذا لم ينل نصي رضاهم مرددة:

على جميع الشعراء

شققت عصا الطاعة

على بحور الخليل

أعلنت العصيان

من عكاظ

استقلت

اعتزلت القصيدة...

أما إذا شكر رواد النادي نصي الشعري أو القصصي فأطير فرحا وأظنني ملكت الشعر وأني ملكة الشعراء... ولقد تأثرت ببعض تجارب رواد النادي ولكنني مع ذلك ظللت أكتب عن نفسي عن الحياة  عن الموت عن الإنسان في كل  حالاته ووضعياته غير آبهة بالتصنيف الأدبي لما أكتبه  فأنا موزعة بين المقالات والشعر النثري والقصة القصيرة فلا يهمني التصنيف بقدر ما يهمني أن ما أكتبه هو نصوص أتبناها بتوقيعي نصوص تخرج من قلبي ووجداني لتزرع في وجدان القارئ وتنطبع فيه فتصبح صورة للحياة في جميع مظاهرها وللحب في معاناته وفرحته وللإنسان الضاحك والباكي السعيد والحزين...فأنا أريد دائما أن أكتب عن الفرحة عن الحزن عن الناس المختلفين عن سنوات من العمر تمر دون استئذان...عن لهفة العشاق ولذة اللقاء عن حرارة العناق عن أهازيج الحب تشدوها الصبايا فتغمرني بهجة عن المحب الذي يلقي به الحب تارة في  أمواج الحزن واليأس وطورا في غمرة الأحلام عن سنوات من العمر محملة بالأمنيات اللذيذة  عن الإنسان وهو ينظر في المرآة كل يوم متسائلا: كيف لا يكون وحيدا؟... كيف يرى نفسه كل يوم أجمل وأكثر تفاؤلا وإشراقا ؟...كيف يتجاوز العثرات والكبوات؟ ... كيف يبدأ من جديد؟ ... كيف يكون كما طائر الفنيق  ينبجس من رماد الحزن ومن وجع الجرح؟...

أكتب وأنطلق إلى نادي الأربعاء الأدبي بالنادي الثقافي الطاهر الحداد فأقرأ على رواده ما أكتب في متعة كبيرة هي لذة الأدب وعبق التاريخ وسحر الحوار مع الأصدقاء...

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1451 الخميس 08/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم