تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

الشاعر أسعد الدندشلي .. لم يفلح يوما ً بتبديده السواد من فلسطين / قاسم ماضي

يلاحقه فيض متوالي قد نما في جسده وعقله بشكل غريب وشفاف،وهو يتذكر ذلك الرمد في قلبه وعقله من جراء حبه لتلك الارض التي لامسها المحتلون والاوغاد،لم تغويه السهرات والليالي الحمراء في منفانا وتثني مخيلته اي سخونة فظل محبا ً وهويصوب قصائده لتلك الحبيبة التي تلاحقه في احلامه مثل اسراب الطيور التي تحلق عالية في سماء الله الواسعة .وهوبذلك يجتاز ازقة ونوافذ ويخترق الاشجار، ومن شدة تمسكه بالارض والانسان الفلسطيني فهو يلون روحه بضياء يرطب صدره فتنسل من ذاكرته العاجة بالصور قطرات الماء الرخية لتلامس تلك الصور الحية المنسلة في عمق الارض.

عبق الثرى وزفرة الغضب / المشوية على لهب العهد / يمكنك أن لا تعرف أني صاحب / تلك الأرض!وأني أحمل في قلبي منها ضفيرة/ عششت فيها الجبال وصقوره / وطعامي نعناع وخبز

 

فهو يخلق مخلوقات الدندشلي الموحشة داخل الإطار الانساني حتى يكسر الرتابة وهو بهذا يفيق من حلمه حاملا ً رسالته المعبرة عن التوق الى الحرية / الحب / السلام / التأمل .ومن خلال تلك المخلوقات تشكل وحدات داخل اللغة .وبما أن الشعر هو تجارب إنسانية تستمر عبر القرون . ولابد أن يكون لها إطارأً شعريا ً وأسلوبا ً وليس هناك سلطان على نص الشاعر .وأن مفرداته متولدة ومستنبتة من طبيعة تجدد وتطور حياتنا اليومية ! ولم يكن في يوم ما أسير حالات مبهمة ! ولم يتحرك قلمه ُ ليخط لنا قصائد مغيمة وغائبة عن شجوننا التي طفحت وملأت الارض بالهم اليومي

من سخاء الدم / يهدر حجر الرحى / وزعانف الأرض تدور / في بلاد هكذا يكون / فيها وجه الصبح ! / هكذا فيها الشمس حول الصبح تدور / يرقص النهار / في اضلعي نجما / حذاري من شظاياه إن تكسر النهار.

وأن قصيدته تتخذ مظهرا ً تحليليا ً سيكلولوجيا ً، باعتباره يحمل خلفية ًعلمية بهذا المجال فهو حاصل على شهادة عليا في الطب النفسي واستاذاً في جامعات لبنان وهو يرتبط مباشرة بالمنطق السديد وهذه هي مهمته الأولى في رصد الواقع، وتجربته الشعرية لم تكن خالية من جراحات انسانية ليست مهمة وهوبذلك مفتشاً ومن خلال المفردة الشعرية في قاموسه عن معان جديدة مختلفة عن الذين سبقوه من الشعراء الفلسطينين أمثال الشاعر محمود درويش / معين بسيسو / سميح القاسم / فؤاد كحل وغيرهم وهذه المفردات ممتزجة بالإنسانية والعالم وكذلك الحياة . وهو بذلك مؤكدا ً أن كل نص من نصوصه الشعرية يمتلك دليله الخاص موغلا ً في عتمة العالم الذي يحاصره عبر هاجس الولادة والموت .

على صهوة النبض / أصنع في دجاها القمرَ / وأحيك من جراحاتي الداميات / لصخورها المطر َ/ أوجاع النكبة وما تلاها / والحق مهما بأصحابه انحدرَ / فمن الوادي السحيق تنهض اعتى السيول / مهما على جفاف قد صبر / هذا هو أنا

الم يقل الشاعر والروائي العراقي فاضل العزاوي في مخلوقاته الجميلة " إن المرء لا يترك قط عالمهُ الذي يعيش فيه " وكما لاحظ " فينو غرادوف " فإن معرفة الأسلوب الفردي للكاتب بأستقلال عن كل تقليد وعن كل عمل معاصر وفي مجموعه كنظام لغوي معرفة نظامه الاستيطيقي " فالشاعر اسدل ليل اليأس في داخله بالرغم من أن قصائده تأتي على وتيرة واحدة وفي مواجهة نصية ترصدُ الحقيقة وتثبُتها كما في قصيدة " لا أجيد العد ياقدس .... هذا عمري فاحسبيه ! " أو قصيدة " قانا .. غصن تين " أو " غزة تعرف كيف ! كل هذا الايجاز واختيار الألفاظ وبعد عن التكلف وأهتمام بالعاطفة وكذلك الخيال الذي يسبح به الشاعر من خلال قصائده التي طالما لامست وجدان المغترب العربي وهي كالريح تخترق بيوتنا الوحيدة المعتمة المطلية الحواف بحفنات من الخوف تاركة صفيراً ناحلاً شاحباً ورقيقاً كندى ارواح بعيدة تجوب أفقنا بعالم اخر . وهوالذي يشعر ومن خلال جريدته التي يشرف عليها بأن العماء الذي يراود هذا العالم المجنون المتعكز على القوة والبطش أن يتفكك جافاً حتى يفهمون ندءات الدندشلي التي تتحول في يوماً ما الى دوي كبير هائم في جسد العالم .

أشرب أجفاني / أقتات من ملح صخري / أشعر بالغثيان من رائحة النفط / افقد فقرات من عمود ظهري / وطأتها سنابك خيل عربي / ترك خلفه بعض عباءة / بعض ترس، وعصا رمح مقطوع الراس / لا تسأل كيف !

 

      قاسم ماضي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1453 السبت 10/07/2010)

 

في المثقف اليوم