قضايا وآراء

أسئلة الشعر.. اسئلة الوجود .. قراءة إنطباعية في قصيدة الشاعرة فواغي القاسمي فصل من رواية حي البنفسج / سلام كاظم فرج

الذي افتتح القصيدة على ابواب من الاحاسيس الرهيبة بالنهاية ... واللاجدوى.. ومرارة تلك النهايات المعفرة بغبار  السراب.. والوهم..

 

 ثمة ثلاثيات دقيقة في قصيدة الشاعرة كأنها معادلات جبرية او  جمل موسيقية مترابطة  متصاعدة كسمفونية مصغرة.. (غبار .. سراب.. وهم..)

 لكنني رأيت أن ادخل عالم القصيدة من نهايتها.. توكيدا لذلك الاحساس الرهيب الذي غمرني.. الاحساس بالنهاية.. نهاية الفرد.. ونهاية الكون.. بكل ما يحمل من جمال وموسيقى.. وقد زخرت القصيدة كما الوجود بذلك الجمال وتلك الموسيقى.. باعتماد نمط شعري متاح للكثيرين لكنه ممتنع عن  الجميع ....فلغة فواغي الشعرية لايملك ناصيتها إلاها. (أتحدث هنا عن  قصيدة التفعيلة  والقافية الشائعة..)..

 لنر المقطع الاخير الذي جاء بمثابة الضربة الاخيرة للحن الموسيقي..

 على الفجر الذي أضحى..

 شريدا في صحارى الوقت.. مرتقبا..

 يرتبني كما النسرين..

 يغسل كل اوجاعي..

 ويعصر ملح اسئلتي..

........

......

 

 (فجر.. أضحى.. في صحارى الوقت..!!) هنا الثلاثية تتكرر.. فالفجر اضحى مرتقبا.. لكنه شريد.. في  الزمن.. ثلاثية بين الازمنة.. يوحدها ترقب ..

 ترقب لفجر ات.. سيرتب  كل ما تبعثر.. ويغسل كل الاوجاع.. ويعصر الاسئلة.. لكنه فجر شريد.. تلك الدائرة المفرغة توثق مقدرة فذة على تلوين ايقاعات الاحاسيس.. (أحاسيس الشاعرة.. وأحاسيس المتلقي..) ان ثمة عبثا ولا جدوى  تحيلنا الى سفر الجامعة التلمودي ان كل شيء باطل وقبض ريح.. ولا جديد تحت الشمس. لقد أتعبت الشاعرة الاسئلة وأتعبتها..مذ دخلت القصيدة ذلك الدخول المبهر الغامض. الفلسفي.

 فراشات ستأكل بعد أزمنتي..

 وحثو الريح في الغيمات يملؤها..

 غبارا من سراب الوهم..

............

 

.....ثم تدخل الى عالم جميل لكنه حزين.. فالالحان يسكنها عبير الزهر.. كأنها تصف نصها.. حيث تثور من ألق فواغيه.. التي تحيلك الى انواع من الزهر الرقيق ..وثمة ربيع وثمة شذا.. لكن كل ذلك مرهون بتلك الفراشات التي ستأكل .. كل الازمنة..

 تعالج الشاعرة القاسمي بطريقة غريبة فذة سرمدية الاشكال الدنيوية..لكن هذه السرمدية مهددة بنهاية اخيرة.. وهي إذ تتوسل المجاز.. تصل الى ما يمكن ان نسميه بذور الامكانات لخلود ما.. كنباتات اعتني  بها في مشتل كوني..هائل..

(كما النسرين يرتبني..) هو اللاموت دون كينونة ابدية بتعبير البروفسور فرانك كرمود..

 هل الشعر هو نفسه فن إثارة الذائقة وتغييرها على الدوام؟؟ ام هو الفن الخالد كتمثال فينوس..

 هل ثمة خلود للأفكار..ان لم تكن من خلال قصيدة جميلة.. تنهل من الرومانس والحزن الشفيف لكي توصل رسالتها الفلسفية؟؟

 هل كان ازرا باوند يقرأ قصيدة فواغي القاسمي حين قال (الشعر هو قنطور.. (كائن إفتراضي نصفه فرس ونصفه الاخر إنسان..) فالنثر يصيب الهدف بسهمه.. لكن الشعر يصيب الهدف نفسه من على ظهر حصان..)؟؟؟

هل كانت الشاعرة تزاوج بين الانساني الفردي (مصير الفرد) وبين المفاهيمي الخالد (مصير الوجود كله ..)؟؟

 يقول روبرت بينبسكي..أن أحدى مسؤولياتنا كشعراء هي القيام بوساطة بين الموتى وبين من لم يولدوا بعد!!

 ثمة علاقة جدلية بين الشاعر وبين ثقافته.. وكان نص الشاعرة يزخر بالفكر. الممتد منذ  سقراط الى يومنا هذا.. حافل بالاسئلة.. يعتذر عن الاجوبة.. حافل بالموسيقى والجمال.. وتلك اهم مقومات القصيدة..

 

للاطلاع:

فصل من رواية حي البنفسج

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1454 الاحد 11/07/2010)

 

في المثقف اليوم