قضايا وآراء

كيف يُستاصل العنف والقمع في الفكر السياسي العراقي / عماد علي

توارثنا السمات التي ثبتت حالها على اخلاقياتنا والتي انبثقت من الافكار والعقائد الخاصة بنا او تواردناها من المحيط مستندين على المثاليات والاساطير والخرافات ومن ثم الاديان وافرعها.

استناد الفرد على فرض ما يؤمن به باية وسيلة كانت ومهما خلف من الماسي يخلق هذه الصفات وتفرز منها الافعال التي تؤدي الى منع الاخر من الاعتراض والاختلاف، ووهو يفكر في محوه من الوجود، محاولة الفرد واصراره على الالتزام عقلا وممارسة وايمانا بما يؤمن كيفما كان ويرفض ما هو النابع من الاخر يبني الارضية المناسبة لنفي الاخر فكرا وكيانا ووجودا، ولهذا برزت في اللغات العراقية مجموعة من المصطلحات والمفاهيم المتعددة التي تضمن في جوهرها  هذه النظرة المتعمقة في الفكر الاحادي الاتجاه والتعامل مع ايمان الذات بشكل مطلق بما يفكر وان كان على الخطا اصلا دون ان يعلم.

اي وهو يفكر فيجب ان يفكر ويفعل ويتصرف الاخر كما هو والا فهو مخالف ويتهم بشتى النعوت ابتداءا من العمالة والفساد والخيانة ويمارس بحقه كافة العقوبات الارضية والسماوية وباية وسيلة كانت.

هذه السياسة التي لا يمكن ان تعرف بالسياسة العلمية الحقيقية، وهي التي تسيطر على فكر المجتمع العراقي بنسبة كبيرة جدا ومنهم النخبة والقيادات واصحاب القرار ومنذ القدم، ولم تتغير الاوضاع مهما اختلفت الافكار والايديولوجيات في المراحل المختلفة من تاريخ الشعب العراقي ، ويمكن ان نقول انها اصبحت صفة ملتصقة بالثقافة العامة والكلتور الخاص في المنطقة بشكل عام  لاسبابها المختلفة كما يدلنا الواقع الذي نعيش.

لو عدنا قليلا ومنذ الفتوحات الاسلامية وما جرى على ارض الرافدين ، نستدل السبب ويمكن ان حينئذ ان يزول العجب لما نشاهد اليوم من الممارسات المستندة على الافكار والايديولوجيات المثالية والمستقوية باقوال ونصوص شتى، ومستهدِفة، لضمان المصالح المتنوعة اصلا للمتنفذين قبل اي شيء اخر. وهذا ما خلق واقعا وبنى اساسا متينا للعنف وانغرز في عمق العقلية التي تامر بما ينفي الفكر الانساني لهذه المجتمعات، ولم تزل تعاني منه المنطقة حتى يومنا هذا، ولم تمحيه اية محاولة مستندة على الحداثة والانسانية واحترام الاخر ووجوب الاختلاف وعدم نفي المعارض ، لتجذره في عمق الفكر والاعتقاد والنظرة العامة للشعب عموما.

ان ما نشاهده في هذه المراحل الحديثة وما حدثت من التغييرات في السلطات والحكومات والطريقة التي اجري التغيير بها لم نلمس اية محاولة خالية من هذه الافعال والافكار، والدليل هو الاعتماد الكلي على الانقلابات والثورات  الدموية والقتل والقمع بانواعه مرة بعد اخرى ، مما خلق واقعا يتسم بهذه السمات وحتى في فكر وتصرف وسلوك الفرد البسيط في مثل هذه المجتمعات، وهذا ما نلمسه في تعاملات افراد المجتمع المبتلى بهذه الصفات الشريرة في كيانه في ممارسةحياته اليومية دون ان يعلم مدى تضرره بها وسلبياتها على معيشته وممارساته الذاتية الخاصة ، او يفعلها متقصدا وهو يعلم كما هو حال المجتمع العراقي في امور اخرى.

اما كيفية اعادة النظر فيما نحن فيه، والاستحضار لبدء الخطوة الاولى للتغيير الشامل الكامل في الفكر والعقلية والممارسة التي اعتاد عليها الشعب ، نحتاج الى برامج مستندة على الدراسات والبحوث العلمية الدقيقة التي تقيٌم سلوك الفرد والمجتمع بشكل حيادي وبواقعية وفي مقدمتها ما الفها الدكتور المبدع علي الوردي من الناحية الاجتماعية ، وكيفية اتخاذ اساليب واليات بسياسات واقعية حديثة من اجل التاثير التدريجي وبمراحل متتالية على الثقافة العامة والعقلية والفكر الذي استورث هذه المعتقدات والتصق بنا من العهود الغابرة، ومن اجل التغيير وتطبيق الحداثة من جيل لاخر، والاهم ان تنطلق اية فكرة من الايمان بالانسانية ومميزاتها الايجابية .

 اما كيفية العمل والوسائل والاليات المطلوبة فتحتاج للجهات المختلفة المعنية بحياة الشعب، منها والاهم الاسلوب السياسي وممارسة السلطة التي لا زالت تتسم بما موجود في الاحزاب السياسية قاطبة بما ترسب فينا من الصفات البالية، والبدء من الذات فردا ومجتمعا واحزابا وتيارات ليعمم بشكل سلس على الجميع تلقائيا دون فرض . ومن ثم التربية والتعليم والمؤسسات المدنية التي من واجباتها التخطيط والنفيذ واظهار الصفات التي تنفي تلك التي اعتدنا عليها في الخطاب العام، وهنا يفيد النفي فقط، وللسلطة والاعلام الدور الرئيسي في تخفيف حدة مؤثرات هذه التوجهات ومن ثم العمل على بنيان الكيان الحداثوي المستند على الصفات المعتدلة في ممارسة الحياة واعتبار الانسان هو الهدف ومن ثم العدالة والمساواة واحترام الاخر فكرا وتنفيذا كي نتمكن من دفع عجلة الحياة الحرة الكريمة لهذا الشعب بشكل صحيح نحو الامام، ويجب ان تزال وتُستاصل هذه المفاهيم والمصطلحات من قاموس التعاملات الفرد والمجتمع في كل مكان، وهذا صعب التحقيق ولكنه غير مستحيل. والاهم هو تغيير العقلية ومن ثم الواقع وبناء الارضية لما هو الحديث والمفيد وهذا ما يحتاج لجهد استثنائي من قبل الجميع، وبتغيير العقلية والواقع سيتغير الفكر السياسي الذي يجب ان يعتمد على ما موجود على الارض، ويمكن التاثير على العقلية قبل تغيير الواقع ايضا ولكن بنسب معينة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1457 الاربعاء 14/07/2010)

 

في المثقف اليوم