قضايا وآراء

بقاليات العروض الثقافية / فائز الحداد

وباستطاعته امتلاك مفاتيح الكتابة المعاصرة وفتح مغاليق الحداثة باستسهال النثر المشعّرن دون أن يعي شروط القصيدة في اللغة والموضوع وما يتصل بها من تقنيات في التورية والترميز والبناء، وقبل هذا وتلك ادراك وعي الشعر باستهدافه للجمال .. إذ الشعر وحده من « صيّر الفكرة لصالح الجمال »، وعمل على تجميل وعورة اللغة باطلاق نوافذها صوب جنائن شتى . ‏ الغريب .. إن الشعر أبتلي بحشد كبير من الوافدين إليه من الاهتمامات الكتابية الأخرى، بحيث من عرف كأكاديمي أو صحفي، وغيره من كان ناقداً أو قاصاً أو ربما كاتب عرائض سابقا، ما إن شاء من حرفة الكتابة والنشر حتى أخذ بالتجريب والتخريب على حد سواء، ليكتب ما يتصوره شعراً.. والشعر عنه بمسافة مئة سنة ضوئية، وأن المستهجن في أفاعيل هؤلاء.. أن بعض من يحتفى به بصدور كتاب له أو بإحالته على المعاش أو فوزه بأجمل نظارة مقعّرة، يتنكر الى صفته السابقة ويهجوها أيما هجاء لأنها«سرقته» من الشعر واكلت من «جرفه» الشعري ولولاها لأصبح «أبا ذمّام المستبنيء الطوطمي»، وحاز على«جائزة بوش الحذائية » في الضحك على ذقون الغلابة؟!! ‏ لقد وقع بيدي قبل أيام«إصدار شعري» لطبيب عراقي راحل وهو اختصاصي كبير، قدم له ناقد عراقي كبير أيضاً هو د. عناد غزوان الذي عرف عنه حصافته ومنزلته الكتابية في مجال النقد منهجاً وتقنية،.. وللحقيقة التاريخية اقول: قد استغربت كثيراً بقدر غرائبية التقديم وما انطوى عليه من مدح لـ«إسفاف لغوي ونثري» هزيل وضعيف إلى حد التندر والضحك، وبهذا قد أوقع الراحل د. عناد غزوان نفسه وطبيبنا الاختصاصي في ورطة ادعاء الشعر من ليس له هذه«الطاقة» لامن قريب ولا من بعيد. ‏ وعلى شاكلة هذه الحالة هناك حالات وصور متعددة«المزايا» اللابداعية، يقدمها اكاديميون ونقاد بل وشعراء حتى، مهولون ومنظرون ومؤولون لشيء لا يستحق إلا لأصابع النيران وعلب المخلفات.. ألاتباً للحداثة إن كان يمتطيها كل من هب ودب وجاءها من فاشلون من كل حدب وصوب.. آخذين بنظر الاعتبار: أن الحداثة لم تقف على أرجلها عربياً لحد الآن أمام الاتهامات الظالمة التي توجه اليها من«احزاب المعا رضة المحافظة» ومن ظل أسير«حداثة الشكل لا النص» دون النظر إلى مقدار الشعرية في ميزان الحكم الفردي والجمعي على حد سواء. العيب في تقديري ليس عند من«تشاعر» فحسب بل عند من«تناقد» أيضاً، وإلا أين هي النقدية إزاء هذا الكم الهائل من النشر المحسوب على الشعر ظلماً وبهتاناً؟!!. وأين هي من تبريز النماذج الكبيرة لشعراء حقيقيين ولم يكتبه عنها إلا القليل والقليل جداً؟. ‏ إن الوجه الآخر لـ«شعراء الغفلة» هم من كانوا في دائرة القرار المؤسساتي ودائرة القرار الثقافي بشكل خاص، فقد أصدر هؤلاء مئات الكتب وقدم لكتبهم نقاد افتراضيون، ماتوا برحيلهم فكم أمات هؤلاء من المواهب الحقيقية بحرمانهم من الاصدار والنشر؟!.. ‏ وكان نصيب ما أصدروا ما تستحقه سعراً كورقه الرديء النشري. على أرصفة الخردة، إذ اشتريت من إحدى بسطات«البرامكة» بدمشق «كتاباً شعرياً» لمتشاعر عراقي كبير وقع بـ«225» صفحة بسعر 10 ليرات فيا «لرخص الشعر»، في زمن اللاشعر!! ‏ بينما لا تجد اصدارات شعرائنا الرموز إلا آخذة مكانتها الطبيعية سعراً ومكانة في الاعتبار والقراءة، ويقيناً أن اصدارات«شعراء الغفلة» هي أكثر كلفة وأفضل طباعة وتوزيعها من سواها، ولكن الحقيقة الشعرية هي الابقى بمقدارها بعيداً عن الاشكال والانماط وحبر الطبع وشكل الأغلفة وما يلتحق بها«فنياً» في التقديم والاخراج والدعاية والاعلان التي غالباً ما يحرم منها زملائي«الصعاليك» الذين هم كحالي يتعذر عليهم الاصدار الشعري إلا بالكاد«المسطري» والذي لا يخرج من«عنق الزجاجة» إلا بعد فاقة وعوز. ‏ إننا كناس وقبل أن نكون شعراء نعنى بالحداثة الشعرية، أمامنا مشكلة مزدوجة الترادف والتقاطع، ففي الزمن الذي نشترط فيه وجودنا«القلق» نفترض وجود آخر في حافلة الانتظار القرائي وليس هناك من حافلة ولا«شوفير» بل غالب رحلات الشعر وجولاتها ليس لنا مكان أو مقعد فيها فكيف سنرقى إلى المنابر لننال حقنا ونثبت وجودنا بالاسم والهوية وفصيلة الدم!! أجل فلأن ظاهرة«أنشر لعمك الذي يشيل همك» من أبرز ظواهر«الحوار الثقافي العائلي» على«الطريقة الامريكية» في تعميم الثقافة الديمقراطية الجديد وفق منهج«أطفئ الضوء والحق بي » إلى آخر النفق. ‏ وهذا هو حال الحداثة بين نارين«نار الداخل المتشدد ونار الوافد المهدد»، ولله در حال النص الشعري العربي الحداثوي من اتون دعاته وجحيم معارضيه. ‏ ‏

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1457 الاربعاء 14/07/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم