قضايا وآراء

اليهود والانقلاب البلشفي / ميثم الجنابي

بقدر ما يرمي إلى تكوين رؤية عقلانية ومستقبلية عن الأقوام الصغيرة وأثرها المدمر بالنسبة لتاريخ الأمم، ودور اليهودية الصهيونية في العالم العربي الذي سوف لن ينتهي ما لم يجر حل هذه "العقدة الغريبة" بصورة تامة وشاملة. ذلك يعني أن هذا المقال يهدف من حيث الحافز والغاية إلى تأسيس رؤية عقلانية ومستقبلية عما ينبغي للقوى الاجتماعية والسياسية القيام به في العراق (والعالم العربي) تجاه النفس والمستقبل. فالفكرة "اليسارية" و"القومية" و"الوطنية" و"الإسلامية" و"الليبرالية" وغيرها، لا يمكنها ألا تكون عربية أولا وقبل كل شيء ولكن بمعايير الرؤية الثقافية وليس بمعايير الرؤية القومية الضيقة أو العرقية، تماما كما أن اليساري والقومي والمسيحي والليبرالي الفرنسي أو الانجليزي أو السويدي أو الألماني أو الروسي هو فرنسي وانجليزي وسويدي وألماني وروسي أولا وقبل كل شيء.

***

للأحداث التاريخية الجسام مقدماتها ونتائجها. ومن ثم منطقها الخاص بها. واشتراك اليهود الفعال في الحركات الثورية الروسية ونتائجها المركزّة في انقلاب (ثورة) أكتوبر 1917، لم يكن نتاجا "للثورية اليهودية" كما لم يكن مصادفة طارئة، بقدر ما كان النتيجة الطبيعية والخاصة لواقع اليهود في العالم الروسي. إذ لم يكن أمام اليهودي سوى طريق الاندماج المباشر بالمجتمع الروسي (وهي عملية غاية في التعقيد آنذاك ولحد الآن كما هو جلي في الهجرة اليهودية الى "اسرائيل بعد تفكك الاتحاد السوفيتي) أو طريق الانخراط في سلك الثورية الراديكالية (وهي العملية التي كانت بحد ذاتها أيضا الأسلوب غير المباشر للاندماج في المجتمع أو الخروج من انعزالية الغيتو).

وبغض النظر عن حوافز الطريقين الاجتماعي والثقافي المختلفة، إلا انهما أديا في حالات عديدة إلى نتائج درامية متشابهة. وإذا كان الطريق "المالي" و"الثوري" مفتوحا أمام اليهود، فان الأخير (الثوري) كان الأكثر جاذبية للأغلبية. من هنا اشتراكهم الفعال في أولى واغلب الحركات ثورية وراديكالية مثل (نارودنيا فوليا) وفي تأسيس الحلقات الماركسية الأولى وحزب (الاشتراكيين الثوريين) وكذلك فرقتي البلاشفة والمناشفة في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية التي احتلوا اغلب مراكزها القيادية. ففي (نارودنيا فوليا) كان من بين المشتركين في اغتيال القيصر الروسي عام 1881 غولدينبيرغ وديتش وزونديليفيتش وغولتمان، وجميعهم يهود. وليس مصادفة أن تبدأ في روسيا عام 1882 (في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال القيصر) أولى الهجمات الشعبية ضد اليهود (أو ما يسمى بالعرف واللغة الروسية "البغروم") بوصفه شكلا من أشكال رد الفعل الجماهيري، الذي لم يتعارض مع سياسة السلطة.

لقد كان اشتراك اليهود في الحركات السياسية المعارضة للنظام على قدر من القوة جعل السلطات القيصرية تراقبها عن كثب. فمنذ سبعينيات القرن التاسع عشر اخذ اليهود بتسلم المواقع القيادية في الحركات الثورية، كما هو الحال بالنسبة لديتش وأكسلرود في حركة (تحرير العمل)، وأوتين في حزب الاشتراكيين الثوريين، الذي حكم عليه بالإعدام لنشاطه المناهض للقيصرية. حيث اضطر للهرب إلى الخارج والعمل مع ماركس وباكونين، ولكنه رجع إلى روسيا بعد طلبه العفو من السلطة، حيث اصبح تاجرا كبيرا. ونفس الشيء يمكن قوله عن دورهم في الحركة الماركسية الروسية كما هو الحال بالنسبة لكثافة وجودهم في حزبي الاشتراكية الديمقراطية الروسية (البلاشفة والمناشفة)، مثل تروتسكي ( الاسم الاصلي برونشتين)، زينوفيف (الاسم الاصلي أبفيلباوم)، كامينيف (الاسم الاصلي روزنفيلد)، ستيكلوف (الاسم الاصلي ناخامكس)، دان (الاسم الاصلي غورفيتش)، مارتينوف (الاسم الاصلي بيكر)، كولتسوف (الاسم الاصلي غينزبورغ)، غرينيفتش (الاسم الاصلي كوهن)، ريازانوف (الاسم الاصلي غولدينداخ) وكثير غيرهم. وهي ظاهرة سجلها تيودور هرتسل نفسه في مذكراته بعد زيارته لروسيا من اجل الحصول على تأييدها لمشروعه الصهيوني. فقد حصل على تأييد جزئي استجاب لرغبة السلطة القيصرية بنزوح اليهود منها، ولكنه واجه في نفس الوقت انتقادا حادا من جانب الوزير الروسي فيته، الذي قال له، بان اليهود لا يتجاوزون الخمسة بالمائة من عدد سكان الدولة، بينما يقدمون اكثر من 50% من المعارضين للسلطة.

ولم يكن انخراط اليهود في الحركة الثورية نتاجا "للثورية اليهودية"، بقدر ما كان شكلا من أشكال الانخراط في المجتمع واحتجاجا عليه في نفس الوقت، بفعل انحصارهم في الغيتو. وهي حالة متعددة المستويات من حيث فاعليتها وتأثيرها على النفس والمجتمع (الروسي). فقد كان الاحتجاج ضد السلطة أيضا احتجاجا ضد الغيتو ونموذجه الموسع في "نطاق الإقامة" (وهي المناطق التي لا يحق لليهودي الخروج منها). إذ يفترض الخروج على السلطة والغيتو خروجا على النفس. وبما أن النفس اليهودية المتربية في تقاليد الغيتو لا تعرف نماذج اكثر إثارة من قيود اليهودية ونفسها الغضبية، لذا لم يتعد "خروجها" من حيث حوافزه وغاياته حدود التمرد وشعور المرارة اللذين لا يصنعان في افضل الأحوال اكثر من هراوة الانتقام وذهنية المؤامرة، اللتين بدورهما كانتا نتاجا لانغلاقهم الذاتي.

"فجنون المطاردة" و"مذابح اليهود" ونفسية الانتقام المكبوتة يصنعون بالضرورة خيال المؤامرة، ويغذونها بكل الصور والأساليب الغريبة. ويجعلون من هذا الخيال المريض حلما واقعيا. وليس مصادفة أن يجعل اليهود منذ القدم المجزرة التي اقترفوها ضد الأبرياء من أهل فارس، والتي دونها (كتاب أستير) عيدا روحيا ودينيا ومعنويا. بينما لم تكن "بطولتهم" هذه سوى مذبحة محبوكة من ألفها إلى يائها بذهنية المؤامرة. وبهذا المعنى يمكن النظر إلى تركزهم في قيادة الحركات الثورية، بوصفها نموذجا كلاسيكيا لتقاليد العصبية والنخبة.

فعادة ما تنظر "النخبة الثورية" إلى أحلامها كما لو أنها اصدق من يقين، بينما تعتبر اجتهادها الخاص حقيقة مطلقة. الأمر الذي يفسر دخولهم المبكر في حركة "تحرير العمل" التي كانت الحاضنة للحركات الثورية الماركسية في روسيا. ومنها خرجت الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية بشقيها البلشفي والمنشفي، ومعها تشكلت حركة الاشتراكيين الثورين بجناحيها اليساري واليميني، ومنها أيضا خرج حزب البوند اليهودي. بل حتى حالما تشكلت الحركة اللبرالية الروسية في حزب الكاديت (الدستوريين الديمقراطيين)، الذي تولى قيادته في بادئ الأمر نخبة أرستقراطية روسية مثل بترونكيفتش وراديتشف والأمير شاخنوفسكي والأمير لفوف والأمير تروبتسكوي، فانه سرعان ما تغلغل اليهود فيه ليحتلوا بعد فترة وجيزة اغلب أجهزته العملية والنشطة مثل فينافير، زيلبير، اليوس، ماندلشتام وغيسين. ووجدت هذه الحالة انعكاسها أيضا في تمثيل اليهود للحركة الثورية الروسية في الخارج، بحيث لا نعثر في مؤسسات الأممية الثانية على روسي واحد. فقد كان جميع ممثلي الحركات الاشتراكية الديمقراطية الروسية في الخارج يهودا.

 ففي أحد تقاريرها السرية للعقد الثامن من القرن الماضي تشير وزارة الخارجية الروسية إلى أن من بين 145 سياسيا مغتربا هناك (51) من اصل يهودي. أما اشتراكهم في الحركات السياسية وصعودهم إلى مراكزها القيادية فواضح في قيادة اليهود لحزب الاشتراكيين الثوريين ـ قسم الخارج ـ عبر كل من غوتس وشيشكو وليفيت ومينور وغوريفتش، اما الروسي فهو جرنوف. في حين ضم الجهاز السري للحزب طاقما آخر من اليهود أيضا، مثل: ميندل وفيتنرغ وليفي وعازييف. وينطبق هذا بالقدر ذاته تقريبا على اغلب الأحزاب الأخرى، بما في ذلك البلاشفة. وبهذا الصدد يمكن الإشارة إلى النكتة الشائعة عن ستالين الذي تنسب إليه عبارة قالها بعد توحيد البلاشفة والمناشفة عام 1906: إن من الضروري القيام بـ"بغروم" (أي مطاردة اليهود) في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية!! إضافة إلى أن اغلب العناصر الإرهابية المتمركزة في الحركات الراديكالية، مثل حزب الاشتراكيين الثوريين، كانوا من اليهود. فقد قاد المنظمات الإرهابية السرية في الحزب يهودي هو غيرشوني من عام 1901 حتى عام 1903، ومن بعده اليهودي عازييف، ثم اليهودي زيلبيربيرغ.

ولم يكن نشاط اليهود السياسي مستقلا على الدوام عن تأثير الماسونية اليهودية التي ساهمت من خلال أموالها في توتير العلاقات الخارجية والداخلية لروسيا القيصرية. وفي تقديم الأموال لكثير من الحركات السياسية المناهضة للنظام. فقد قدمت المنظمات اليهودية العالمية، على سبيل المثال، دعما ماليا لثورة 1905 الروسية الأولى، قدرت بحوالي ثمانية ملايين وسبعمائة وأربعة وأربعين ألف روبل جرى استلامها من ألمانيا (115000 جنيه إسترليني = 1150000 روبل) وإنجلترا (149341 جنيه إسترليني = 1493410 روبل) وأمريكا (240000 جنيه إسترليني = 2400000 روبل) ومن فرنسا والنمسا (370000 جنيه إسترليني = 3700000 روبل). وقد أشار الماسوني أ. دافيد في كتابه المنشور في باريس عام 1982 إلى انه عثر زمن اشتغاله في وزارة المالية الروسية على وثائق تشير إلى سعي الدولة الروسية إلى إقامة صلات مع البنوك اليهودية من اجل إقناعهم بعدم تزويد الحركات اليهودية السياسية بالأموال.

في حين أشار الكسندر برادور في مذكراته الشخصية الصادرة في باريس عام 1937 إلى أن جميع قادة الحركات اليهودية السياسية هم من الماسونية. ويتمتعون بقوة كبيرة ليس بين أوساط الحركات اليهودية فحسب، بل وبين الحركات السياسية الأخرى. وتكفي الإشارة هنا، للتدليل على صحة ذلك، إلى أن اغلب أعضاء الحكومة المؤقتة كانوا من الماسونيين، فرئاسة مجلس بتروغراد بأعضائها الثلاثة كانوا من الماسونية، وهم جغيدزه وكيرنسكي وسكوبيليف، في حين أن اثنين من اصل أربعة من سكرتارية القيادة كانوا من الماسونيين وهم غفوزدييف وسوكولوف.

لكن إذا كانت الثورات الكبرى هي نتاج تفاعل أسباب ومقدمات عديدة غاية في التعقيد فإنها تكشف أيضا عن حقيقة بسيطة قوامها واقع التأثير البالغ والحاسم أحيانا للأفكار والقيم والمفاهيم. ويمكن القول أيضا بان ثورة شباط الروسية لعام 1917(السابقة لثورة أكتوبر بعدة اشهر)  التي أطاحت بالقيصرية كانت نتاجا لنشاط الماسونية اليهودية سواء باشتراكها الفعال في القيادات السياسية للأحزاب أو من خلال مدها بالأموال. وإذا كانت هذه الحقيقة تنطبق في إطارها العام على كافة الحركات الراديكالية والثورية الروسية فان صيغ بروزها تباينت من حزب لآخر.

ولم تخل الحركة البلشفية من تأثير الماسونية اليهودية رغم ضحالة الفكرة القائلة بماسونية البلاشفة. إلا أن التأثير الموضوعي ولحد ما غير الواعي للماسونية اليهودية في الحركة البلشفية واقع لا يمكن تجاهله حتى في مسار الأفق اللاحق للدولة السوفيتية. وإذا كانت البلشفية قد حطمت في وقت لاحق الهيئة العامة للماسونية كظاهرة فكرية ـ تنظيمية ، فان فعالية تلك الهيئة تواصلت من خلال النشاط اليهودي في عصر الثورة البلشفية. وفي حين ساهمت الماسونية اليهودية في أعمال الثورة الروسية، فان الثورة (بما في ذلك البلشفية) جعلت روسيا منطقة نشاط هائل للماسونية ـ اليهودية، بعد أن ارتدت مسوح "ثورية". أما في الواقع، فان هذه الثورية لم تكن من حيث حوافزها وأساليبها سوى قوى تخريبية بسبب امتلائها بشحنة العداء للروس وروسيا وتراثها القومي الكبير.

فمن الناحية التاريخية لم تكن الثورة الروسية فعلا يهوديا، لأنه لا ثورية بالمعنى السليم للكلمة في التراث اليهودي. إذ لا يوجد في تراث اليهودية بعدا إنسانيا عاما، وذلك لان حدّ اليهودية هو نفسها فقط. لهذا جرى استغلال الثورة في روسيا، وكما حدث قبل ذلك في فرنسا عام 1789، بطريقة جعلت منها أسلوبا للتشفي والانتقام والاستحواذ. فقد استطاعت أوربا، على سبيل المثال تلافي وتحييد اثر اليهود واليهودية التخريبي في تقاليدها السياسية والثقافية بفعل تجذر وترسخ تقاليد الدولة والحقوق والمجتمع المدني وإبداعها الفكري – السياسي المستقل. أما في روسيا فقد اتخذت الحركة الثورية فيها، بسبب ضعف الدولة وضعف بنية الحقوق والعلاقات الاجتماعية إضافة إلى تعدد قومياتها وأعراقها وثقافاتها وأديانها، هيئة الحركة السرية الباطنية. مما أدى بها بالضرورة إلى أن تكون اكثر تدميرا وعنفا وتخريبا. وان تستجيب بالتالي لتقاليد ونفسية الشتات والغيتو. أي أن الظروف التاريخية المشوهة للثورة جعل من الممكن سيادة وغلبة اليهود واليهودية في الحركة الثورية الروسية.

فمن المعلوم تاريخيا، أن الحركة الثورية والديمقراطية الروسية الأولى جعلت من الحرية والأرض شعارها الأساسي. وقد كان ذلك يعني من الناحية الواقعية - الحرية للإنسان الروسي (تحرير الأقنان)، والأرض للفلاحين (المحررين). وهي حركة استقطبت بالضرورة الجماهير الروسية (الفلاحية) وغاب اليهود فيها لأنه لم يكن لهم وجود في الريف والقرى وفلاحة الأرض. وأدى ذلك بالضرورة إلى أن تكون قيادة الحركة السياسية ومفكريها ومادتها الفلاحية روسية الأصل والمنشأ والفعل. غير أن الأمر اختلف مع صعود الحركة الاشتراكية الديمقراطية، التي جعلت من البروليتاريا قوتها الطليعية والقائدة للمجتمع ككل. كما لم تكن أيديولوجيتها روسية من حيث اصلها واستجابتها للحركة التاريخية الفعلية لروسيا.

فالماركسية الروسية لم تكن حركة وطنية وقومية روسية بالمعنى الدقيق والسليم للكلمة. بل شكلت من حيث قيمها المعلنة وشعاراتها الكبرى حجابا اختبأت وراءه كل نزعات الاحتجاج والمعارضة. وبما أن اليهود واليهودية هما نموذج التطرف والتعصب الديني والعرقي، لذا اصبح دخولهم "طبيعيا"، ولحد – ما انسيابيا استجاب للحالة "الثورية" التي بلورتها تقاليد الماركسية الروسية بشكل عام وتياراتها الراديكالية بشكل خاص، أي تناغم روح الغلوّ، الذي جعل من الفكرة الاشتراكية غلافا للتعصب الفئوي الضيق، ومن مادتها "الطليعية" الجمهور الأكثر جهلا وتخلفا من الناحية الثقافية. وأدى امتزاج التخلف الثقافي "للطليعة الثورية" في روسيا مع تقاليد الثورية – الماركسية، التي تشبعت بعناصر الغلوّ والتعصب اليهودي بسبب غلبة العنصر اليهودي في قياداتها، إلى صنع سبيكة "الثورية اليهودية". ولم تكن هذه "الثورية اليهودية" في الواقع سوى حركة تخريبية وإرهاب منظم، بسبب نفسية "المغضوب عليهم"، التي تجعل من الانتقام والتشفي الأسلوب الأكثر انتشارا و"معقولية" للسلوك الفردي والجماعي والحزبي, أي كل ما كان يلازم ماهية "الشخصية اليهودية". لهذا لم يعرف اليهود في تاريخهم بعدا ثوريا (او بصورة ادق اصلاحيا انسانيا) بالمعنى الصحيح للكلمة. على العكس!

وهي ظواهر يمكن ملاحظتها بجلاء تام في فلسطين المحتلة بما في ذلك في صراعهم مع "أطفال الحجارة". حيث يقتل اليهود الأطفال وينسبون قتلهم إلى أمهاتهم، اللواتي "يرمينهم" إلى المعركة! كما يجعلون من جرائمهم المتكررة من خطف وقتل واغتيال وهدم البيوت وقطع الأشجار وقتل الحيوانات وتسميم الأرض وغيرها من الأعمال الهمجية مجرد "انتقام" على "تخريب" الفلسطينيين. وهي أعمال تستجيب لنفسية "المغضوب عليهم" تاريخيا بفعل انحرافهم الدائم عن تقاليد الحق، وتتطابق مع نماذجهم المثلى في التوراة والتلمود من قتل الأحياء والأبرياء، بحيث يتساوى في ذلك الإنسان والحيوان والحجارة. وهو سلوك يعكس في الواقع فقدان اليهودي واليهودية إلى معايير وموازين الحس الإنساني والهمّ الأخلاقي.

 

 

 

من حضيض الغيتو الى هرم الفيتو

 

كانت حياة اليهود واليهودية مجرد زمن الشتات والانغلاق. وهو زمن لا يمكنه إبداع بعد ثوري حقيقي. إضافة لذلك كانت حياة اليهود بشكل عام حياة الخنوع والخضوع للسلطات ومجاراتها ومحاباتها في اغلب ما تراه. وان زمن وجودهم في أوربا بشكل عام وفي روسيا بشكل خاص حتى نهاية القرن التاسع عشر هو نفس نموذج وجودهم قبل ألفي عام قبل ذلك. فقد كان المدافع عنهم بين الحين والآخر ليسوا هم أنفسهم، بل الملوك والأمراء والباباوات. إذ حصلوا على الحرية في فرنسا ومن بعدها في أوربا بمساعدة نابليون بونابرت. فقد كان ولا يزال اله اليهود واليهودية وغاية وجودهم ونموذجهم الأعلى هو المال والثروة وليس الحرية والحق. بل لم يفكر اليهود يوما بان يكونوا ثوارا وثوريين. على العكس! بل تبجحوا على الدوام بتمسكهم الدائم بتراث الآباء والأجداد وإلههم. ولكن حالما انتصر الانقلاب البلشفي، الذي شكل اليهود النسبة الغالبة في قيادته، حينذاك بدا الأمر كما لو انه انتصار "للثورية اليهودية". عندها اندفع وتدفق اليهود من مختلف الحركات للانضمام إلى تيار الثورة وتوظيفه بالطريقة التي جرى فيها "التأسيس" أيضا "للروح الثورية اليهودية". وهي صيغة تعكس في الواقع النفس الكلبية والتأقلم الفاضح المميزين لتاريخ اليهود واليهودية. حينذاك جرت أولى محاولات تصوير تاريخ اليهودية باعتباره تاريخ الصراع من اجل تقويض النصرانية، أما "صراعها" الحالي فهو "نضال" من اجل تقويض نظم الاستبداد. وبهذا الصدد كتب الدعائي الصهيوني الكسندر امفيتياتروف بعد ثورة أكتوبر في كراسه (اليهودية والاشتراكية) قائلا، بان المسيحية تلاقحت نظريا وعمليا عبر آراء بولص مع أخلاق النظام البرجوازي! أما اليهودية بمختلف مظاهرها فقد بقت محافظة على ذاتها. مما عرضها إلى مختلف صنوف الاضطهاد والملاحقة، لا لشيء إلا لأنها حافظت على اشتراكية المسيح فيها! وكتب فريتس عام 1921 كتابا بالألمانية تحت عنوان "الشعب اليهودي – عنصرا وثقافة" يقول فيه، "بان موسى بشر بأفكار ناضل في سبيلها بعد ألف سنة وصلب لأجلها. ثم جاء ماركس فصاغ تلك الأفكار في البيان الشيوعي عام 1848". وبالتالي إن موسى والمسيح وماركس هم "سلسلة تمثل الخصائص القومية لليهود". وكما "يعمل لاسال في ألمانيا من اجل سعادة البشرية، يعمل جيش المقاتلين الثوريين اليهود في روسيا من اجل تحررها"! وكتب يهودي آخر (وايزمان)، بأنه "إذا كان في الماضي اله واحد. فالان يوجد الاهان وهما ماركس ولاسال"! في حين اعتبر الكسندر امفيتياتروف "كتاب أستير" برنامجا "يستمد اليهود المعاصرون منه نموذجهم للفعل الثوري"، أي انه وجد في "كتاب استير" برنامجا للفعل الثوري! وهو خلط للمفاهيم والقيم تجعل من الإبادة والانتقام والتشفي فعلا ثوريا لا فعلا إجراميا وهمجيا. وليس مصادفة أن يتوصل امفيتياتروف في مهاتراته الأيديولوجية، على خلفية التخمة الهائلة لليهود في جوف السلطة السوفيتية للقول، بان "اليهود لم يقتنعوا يوما ما من الأيام بالواقع كما هو، لان نموذجهم الأمثل للديمقراطية لا وجود له إلا في قلوبهم"! بل "حتى الرأسمالي في أعماقه هو اشتراكي ثوري"! لان "الرأسمال بالنسبة له مجرد غلاف لحقيقته الثورية"! و"مع مرور الزمن سوف تتساقط هذه الحراشف  لتظهر الأصوات العميقة لليهودية فيه، كما نسمعها في أصوات لاسال وماركس، ونراها في سلوك اليهود في روسيا، التي نعثر فيها على صدى بكاء ارميا وطوباوية المسيح".

أما في الواقع، فان "الفعل الثوري" لليهود في روسيا كشف عن أن "دموع ارميا" هي دموع تمساح، و"طوباوية المسيح" هي خديعة يهودية عادية. كما برهن تاريخ روسيا فعلا على أن كل ما في اليهودية غلاف. فالرأسمالية غلاف والاشتراكية غلاف والثورية غلاف والديمقراطية غلاف.

بهذا المعنى يمكن القول، بان "حدس" امفيتياتروف هو "حدس" مقلوب. وان تجربة روسيا في القرن العشرين وتحول اليهود في مجراه من "قوة اشتراكية وشيوعية" إلى قوة معادية للاشتراكية والشيوعية، ومن "قوة ثورية" إلى قوة مضادة للثورة، ومن "مناهضين للرأسمالية" إلى مدافعين عنها، ومن دعاة للحفاظ على دين الآباء والأجداد إلى ملحدين، ومن ملحدين إلى دعاة للإيمان الجديد، ومن الدعوة للأممية إلى تكذيبها، ومن نصرة القومية إلى اتهامها بالفاشية، ومن السماء إلى البورصة، كل ذلك هو مجرد تلون يكشف ماهية القلب اليهودي الذي لا علاقة للمسيح وماركس به بتاتا، ولا بأي شكل كان من الأشكال.

أننا نستطيع العثور في المسيح على كل شئ باستثناء اليهودي واليهودية، ونستطيع العثور في ماركس على كل شئ باستثناء اليهودي واليهودية. كما نستطيع العثور في اليهودية على أشياء عديدة باستثناء قيم الحرية والديمقراطية والحق والروح الإنساني الشامل. وهو استنتاج حققه تاريخ روسيا بعد الثورة، عندما ركب اليهود موجتها العارمة عام 1917، وكرروه في "الثورة الديمقراطية" عام 1991، الأولى باسم الشيوعية والثانية باسم معاداة الشيوعية. وفي كلاهما كانت قلوب اليهود هي هي. فالشيوعية والاشتراكية بالنسبة لهم غلاف، لان ماهية اليهودي في يهوديته، واليهودية، كما قال ماركس مرة، منافية للطبيعة والإنسان والجمال. وهي منافاة لا يمكنها صنع ثورة. أما "ثورية" اليهودية فهي مجرد أسلوب التأقلم الكلبي والاستغلال الشنيع للمفاهيم والقيم المتسامية، التي تجعل من غلاف الثورة والأفكار المتسامية غشاء على أعين الغافلين. الأمر الذي حوّل الثورة إلى مذبحة، وجعل معاناة الروس فيها مصدرا لاستدرار الأرباح. فقد كان النواح يهوديا والدموع روسية. بينما تفترض حقيقة الثورة الاندماج التام بقيمها العليا، وأولها تغيير النفس بما يتطابق مع معاني الحرية والحقيقة والعدل، لا مع معاني الرذيلة الكامنة في انقلابات النفس الغضبية.

إذ تفتقد النفس اليهودية (الغضبية) للحدود الداخلية، مما يجعل منها وعاء للتعصب والتحّزب والتطرف والغلوّ. لهذا نرى اليهودي اكثر عدمية وتطرفا وغلوا من غيره. ومن ثم اكثر تدميرا وتخريبا، وبالأخص حالما تسنح له الفرصة. وذلك لأنه لا يعرف حدود الاعتدال، إذ لا حدود داخلية فيه. مما يجعل من الشك والريبة بالنسبة له نموذجا ومثالا أعلى للفعل. لذا لم يؤد اشتراكهم النشط في "رسالة الحرية" إلا إلى تدميرها، لأنه لا جذور تربط اليهودية بالحرية الإنسانية. فموضوع اليهودية ومادتها هم اليهود فقط. وهم كيان بلا قلب. وبهذا المعنى يمكن الاتفاق مع ما قاله اليهودي يعقوب كلاتسكن في الكتاب الصادر في برلين عام 1930(قضايا يهودية معاصرة) عن أن سلوك اليهود عادة ما يؤدي إلى نقيضه في ميدان العمل السياسي. غير أن فكرته القائلة بان أولئك الذين لا جذور لهم يستطيعون أن يكونوا "رسلا للحرية" والعمل ضد كل ما هو حر في نفس الوقت، هو مجرد اختلاق للعبارة فقط. لان افتقاد الجذور يؤدي إلى انقطاع الأنا عن مكوناتها، مما يفقدها بالضرورة حدودها وأوزانها الداخلية، التي لا يمكن بدونها تحسس ومعرفة كمية الأفعال ونوعيتها. وهو أمر لا يمكنه أن يصنع ثباتا. بينما الحرية هي ثبات على الحق والحقيقة. وبهذا المعنى أيضا لا قيمة ولا صدق في تصوره عن اليهود باعتبارهم "نخبة روحية" مبدعة ومدمرة في نفس الوقت، وذلك لان حقيقة الإبداع عمران دائم، مادته حقيقة وأسلوبه حق.

لقد حدد ذلك غلبة التدمير والخراب في فعل اليهود وكل ما تصله أيديهم. وذلك لان الفعل اليهودي مرهون منذ البدء بحوافز وغايات النفس الغضبية المتربية بتقاليد الانغلاق. مما يجعل منه أسلوبا لإنتاج وتمرير التعصب والتحزب الضيقين، اللذين بدورهما ليسا إلا استمرارا لتقاليد العزلة اليهودية بمعناها الديني والثقافي والاجتماعي. ويكفي المرء إلقاء نظرة سريعة على مستوى وكثافة الوجود اليهودي في قيادة المستوى الأول والثاني وحتى الثالث في الحركات الراديكالية في أوربا بشكل عام وروسيا بشكل خاص ليرى بسهولة الأصول "العرقية" للتطرف.

إذ عادة ما ينقل اليهود إلى الوسط الثوري انغلاقهم الذاتي على هيئة تعصب وتحزب، وشتاتهم الروحي على هيئة تطرف وغلوّ. وهي صفات تجعل من الصعب تحررهم الصادق فكرا وعملا. ولعل تاريخ الحركة الثورية (الماركسية) في روسيا بشكل عام وفي البلشفية بشكل خاص محك لآلية التدمير والتخريب الهائل لليهودية بهذا الصدد. ولم تنج من ذلك اللينينية أيضا، مع أنها التيار الأكثر عقلانية في البلشفية. وعلى أطرافها تقع التروتسكية والستالينية. وكلاهما تطرف في الفكرة والتطبيق. لكن إذا كانت التروتسكية تحمل في أعماقها بصمات وآثار وثقل اليهودية، فان الستالينية هي الرد المباشر عليها. وهو سبب غلوّها وإرهابها الآلي. على عكس التروتسكية التي تميزت أيضا بتقلباتها الراديكالية ونفسيتها الغضبية، التي جعلت من العنف والبطش النموذج الارقى "للروح الثوري"، والذي سيتوج لاحقا في "الإرهاب الأحمر". أما بداياته الأولى فقد جرى وضعها في مجرى التحضير للثورة الروسية الأولى عام 1905. حيث استغل تروتسكي (برونشتين) عندما كان نائبا لرئيس مجلس النواب العمالي في بطرسبورغ، غياب خريستيليوف (الروسي) عن قيادة الجلسة ومرر اقتراحا (قرارا) بإعلان الثورة المسلحة، التي أدت بحياة الكثير من الأبرياء. ولكن حالما بدأت الحرب الإمبريالية الأولى، رجع خرستيليوف إلى روسيا للدفاع عنها، بينما بقي تروتسكي في الخارج حتى انتصار الانقلاب البلشفي عام 1917. وعندما اعترض خريستيليوف بعد الثورة على سلوك البلاشفة، وبالأخص ما يتعلق منه بسياسة البلاشفة اليهود وسرقتهم لروسيا، جرى إعدامه بتهمة الخيانة عام 1918.

شكل انتصار الثورة البلشفية عام 1917 مرحلة الانقلاب الكبرى في تاريخ السيطرة اليهودية في روسيا. مما حدا بالبعض للقول، بان البلشفية هي مجرد نوع "سوفيتي" لليهودية، بما في ذلك في نجمتها الخماسية (خاتم سليمان)، التي اقترحها تروتسكي. وبغض النظر عن التأويلات العديدة والممكنة بهذا الصدد، فان مجرد وجود النسبة الهائلة لليهود في مراكز السلطة السوفيتية بعد الثورة، جعل منها أداة يهودية وأسلوبا لتجسيد ما تراكم في تقاليدها من الانتقام المكبوت والأخذ بالثار والتشفي وما شابه ذلك من الرذائل الاجتماعية والسياسية. فقد أحصى المراسل الإنجليزي لجريدة التايمز بعد الثورة حوالي 447 يهوديا من اصل 556 شخصا قياديا في السلطة السوفيتية. وكتب في إحدى مقالاته عام 1919، بان 75% من البلاشفة يهود. وهي أرقام يمكن التدليل عليها بصورة ملموسة في حال النظر إلى نسبة اليهود استنادا إلى الأرقام العامة الأساسية في مؤسسات السلطة السوفيتية حتى عام 1921. فقد كان عددهم من بين أعضاء الهيئات التالية كما يلي:

اسم الهيئة    العدد    اليهود

سوفييت القوميساريات الشعبية (الحكومة)     22      17

قوميساريات الجيش (وزارة الدفاع)   43      35

قوميساريات الداخلية (وزارة الداخلية)         62      43

قوميساريات الخارجية (وزارة الخارجية)      16      13

قوميساريات المالية (وزارة المالية)   29      24

قوميساريات الحقوق (وزارة العدل)   19      18

قوميساريات المحافظات      18      17

قوميساريات التنوير الوطني (وزارة التربية)  53      42

لجنة المساعدات الاجتماعية  6        6

لجنة العمل  8        7

ممثلو السلطة السوفيتية في الصليب الأحمر   8        8

سوفييت رعاية الصحة        5        4

لجنة الاتحادات المهنية        5        4

المجلس الأعلى للاقتصاد الوطني     54      45

سوفييت عمال وجنود مدينة موسكو 23      19

اللجنة التنفيذية المركزية للمؤتمر الرابع للنواب        34      33

اللجنة التنفيذية المركزية للمؤتمر الخامس للنواب     61      43

اللجنة المركزية للحزب       12      9

هيئة تقصي نشاط الحكم البائد          7        5

هيئة تقصي مقتل القيصر نيكولاي الثاني      10      7

مراسلو صحف البرافدا والازفيستيا والمالية   41      40

 

من هذه المعطيات يتبين بان اليهود كانوا يحتلون النسبة الغالبة في مختلف مؤسسات الدولة الأساسية. بحيث وصلت نسبتهم إلى الآخرين حوالي 82%، وتوزعت النسبة الباقية 12% بين مختلف شعوب وقوميات روسيا القيصرية، والتي لم يحصل الروس فيها غير حوالي 6%. وهي نسبة لم يطرأ عليها تغير جوهري حتى بداية الحرب الوطنية العظمى. فحسب الإحصائيات الواردة ما بين أعوام 1936 و1939 (مرحلة ما يسمى بالتصفيات الجسدية) نرى نسبتهم ما زالت الغالبة بشكل فاضح في مؤسسات الدولة ومراكزها القيادية الأساسية، كما هو جلي في الجدول التالي:

اسم الهيئة    اليهود   غير اليهود

اللجنة المركزية للحزب الشيوعي     61      17

سوفيت القوميساريات الشعبية         115    18

قوميساريات وزارة الداخلية  53      6

قوميساريات وزارة الخارجية والعلاقات التجارية      106    17

اللجنة المركزية التنفيذية لعموم روسيا         17      3

مجلس التخطيط الحكومي    12      3

الادعاء العام 4        2

التوجيه السياسي      20      1

التنوير الثقافي واتحاد الملحدين        40      0

الاتحاد المركزي للجان الاستهلاكية   7        1

 

 مما سبق يبدو واضحا، تركزهم الهائل في أهم مراكز اتخاذ القرار السياسي والتنفيذي، أي في الحزب والحكومة ووزارات الداخلية والدفاع والمالية والخارجية والدعاية والإعلام والتربية والتعليم. فقد تراوحت نسبتهم في هذه المؤسسات ما بين 60% إلى 100%، بينما لم تكن نسبتهم إلى عدد السكان حينذاك تتجاوز 2%. ونعثر على نفس النسبة في كل الأماكن والميادين وعلى كافة المستويات بعد الثورة. فقد كانت اللجنة الحكومية لمدينة بتروغراد (العاصمة حينذاك) تتألف من 371 يهوديا و17 روسيا. ومن بين هؤلاء اليهود كان هناك 265 شخصا جاءوا إلى روسيا من الولايات المتحدة الأمريكية بعد الانقلاب البلشفي. حيث كان اغلبهم ينتمي إلى جهات المعارضة "اليسارية" التي كانت تمولها البنوك اليهودية، وبالأخص بنك يعقوب شيف. ونفس الشيء يمكن قوله عن سوفييتات وهيئات ومراكز الدولة والمجتمع.

واصبح طغيان اليهود في المؤسسات جليا للعيان بما في ذلك بالنسبة لعيون الزوار الأجانب والسياسيين والصحفيين. فقد استغرب دوغلاس ريد الصحفي الإنجليزي الذي زار موسكو مع انطون أيدن، الأعداد الهائلة لليهود في موسكو واحتلالهم افضل المواقع، وبالأخص في مجال الرقابة. وكتب بهذا الصدد في كتابه الشهير (جدل حول صهيون)، بان ما يجري في روسيا من إرهاب يكشف عن أن سلوك اليهود الدموي يجسد ما هو موضوع في (البروتوكولات)، وبالأخص بنودها الداعية لتصفية الطبقة الأرستقراطية والاستيلاء على السلطة والثروة من خلال إثارة الرعاع والغوغاء. وتوصل الرأسمالي الكبير هنري فورد في كتابه (اليهودية العالمية) إلى نفس الاستنتاج، عندما أكد على أن السلطة السوفيتية بعد الثورة وحتى عام 1920 هي سلطة اليهود. أما ما يسمى بدكتاتورية البروليتاريا، التي لا صوت للعمال فيها بتاتا، فهي روسية فقط من حيث أنها توجد في روسيا. واعتبر فورد البلشفية البرنامج العالمي لبروتوكولات الصهاينة. وكتب بهذا الصدد قائلا، عندما يقول الصحفيون اليهود، بان البحث عن علاقة بين البلشفية والبروتوكولات الصهيونية ضرب من الجنون، فإننا نقول لهم: إن الأعمى وحده لا يرى هذه الصلة بينهما! وجزم هنري فورد، بان سبب ذلك يقوم في اعتقاد اليهودي بان العالم ملك له! لهذا نراه يسعى بأقصر الطرق وأسهلها لبلوغ مرامه. كما نراه يخرب ويدمر كل ما يقف أمامه على انه حجر عثرة! ومن هذه الأفكار العامة توصل فورد إلى أن ما يقوم به اليهود في روسيا بعد الثورة هو العمل من اجل سحق الملكية غير اليهودية. فاليهود لم يدمروا الرأسمالية كما هي بعد الثورة البلشفية، بل دمروا الرأسمالية الروسية وجعلوا من كل شئ ملكا لهم.

يكشف هذا الاستنتاج الذي توصل إليه فورد بعد الثورة بقليل، وقبل سقوط الاتحاد السوفيتي بسبعين عاما، عن جرأته وحدسه العميق بعد أحداث 1991. فقد كشفت التحولات التي جرت بعدها عن أن القوة الداخلية للسلطة السوفيتية (أو سلطة الظل) كانت الرأسمالية اليهودية، التي حولت رأسمالية الدولة السوفيتية بين ليلة وضحاها إلى رأسمالية طفيلية شكل اليهود أسنانها ومعدتها وأمعاءها.

 

 

 

 البلشفية اليهودية – أيديولوجية الابادة!

 

لقد طبع تأثير العدد الهائل لليهود في مراكز السلطة السوفيتية إجراءاتها العملية، وأثر على مسارها تأثيرا هائلا. إذ تعكس نسبتهم الكبيرة في السلطة المظهر الخارجي الكمي، الذي رافقه بالضرورة تأثيرهم الباطني، لاسيما وانهم أقلية اتسمت وتشبعت نفسيتها تاريخيا بضمأ التدمير العنيف وذلك لانعزالها الثقافي والاجتماعي، مع إتاحة الفرصة الخيالية لها في "التغيير الشامل" للحياة (أي لحياتها). وسوف تظهر هذه الازدواجية في حماسة اليهود المفرطة لمحاربة "القديم" عند الآخرين وحماية انعزالهم الذاتي وتراثهم الخاص من نقد الآخرين. وليس مصادفة أن يتولى الهجوم العارم ضد النصرانية والإسلام والتراث الثقافي للامة الروسية دارسون يهود انتحلوا أسماء وألقابا روسية مثل يروسلافسكي (في الأصل ويلمان) وروميانتسيف (في الأصل شنايدر) وكانديدوف (في الأصل فريدمان) وزاخاروف (في الأصل ايديلشتاين) وعشرات غيرهم. كما رافق هذه العملية هجوم شامل على "العالم القديم" وبناء "العالم الجديد" حسب معايير وقيم خاصة به. الأمر الذي كان يتضمن في ذاته تثليم حدود العقلانية المفترضة في النزعة الاشتراكية وهويتها الإنسانية.

أدت سيطرة اليهود في السلطة السوفيتية إلى ظهور تجربة جديدة وفريدة من نوعها بالنسبة لليهود واليهودية استثارت بدورها كوامن التاريخ اليهودي المكبوت في الشتات والغيتو. وجرى تفريغه في "العنف الثوري" و"الإرهاب الأحمر"، وتحطيم "العالم القديم" والدين والكنيسة، وإفناء "الجيش الأبيض"، وتدمير "قوى الثورة المضادة"، ورمي "الأرستقراطية الروسية والنبلاء في مزبلة التاريخ"، وما شابه ذلك من مكونات النفس الغضبية. مما جعل من اليهود كيانا مستعدا لانتهاك كل المحرمات واستحسان كل الموبقات وارتكابها في كل خطوة وخاطرة وفعل وإشارة. بحيث أدى ذلك بهم في نهاية المطاف إلى أن يعتبروا أنفسهم ممثلي الشعب الروسي بما في ذلك في طقوس افراحه واتراحه! فقد جعلوا من موسيقى مندلسون معزوفة الزواج والأعراس، ومن موسيقى شومان معزوفة الجندي المجهول، كما لو انه لا يوجد موسيقيين روس عظام، وكما لو أن مندلسون وشومان يساوون شيئا مقارنة بتشايكوفسكي وموسورغسكي وريمسكي – كورسيكوف وغلينكا وعشرات غيرهم. بل نقلوا ذلك إلى طريقة العيش و"آداب الوداع الأخير" بدفن رمادهم المتبقي بعد الحرق في علب صغيرة في روسيا التي تحتل تسع مساحة العالم، كما لو انهم صنعوا في رمزية الحرق هذه الأبعاد الدفينة القائلة بضرورة إلا يبقى بعد الروس وروسيا إلا الرماد، ولكي لا تلمع فوق قبورهم صلبان الأرثوذكسية، ولكي تندثر مع موتاهم ذكرى الأجيال وارتباطها الحميم بالماضي .

لقد كانت هذه السياسة تعبر عن نفسية الأقلية المشحونة برذيلة التشفي والانتقام، التي جعلت البعض يقول، بأنها هي التي أسالت لعاب هتلر في وقت لاحق للسيطرة على الاتحاد السوفيتي، لا سيما وانه القائل بان روسيا جسد آسيوي برأس يهودي! فإذا كان اليهود يحكمونها بهذه الطريقة، فلم لا يحكمها مليون ألماني بطريقة افضل. وهو حكم "واقعي" يستمد خشونته ورذيلته من التدنيس الشامل لمقدسات الروس بعد الثورة. وهو تدنيس سبق وان حذر منه الكثير من المفكرين والأدباء والمؤرخين الروس قبل الثورة. فقد كتب أ.س. شماكوف بحثا ضخما صدر في بطرسبورغ عام 1906 بعنوان (الحرية واليهود) وكذلك مداخلات ي.أ.روديونوف عام 1912، وفي الدراستين تمت محاولة البرهنة على أساس معطيات ثورة 1905 (كما هو الحال عند شماكوف) على أن الخطر المميت بالنسبة لروسيا يكمن في سببن، الأول منهما اليهود. وذلك لأنهم يعيشون ويفعلون حسب قاعدة العين بالعين والسن بالسن. لهذا لا يمكنهم أن يكونوا مواطنين حقيقيين. إضافة لذلك أن اليهودي يعتبر كل إنسان ونظام ودولة ليس من أصول يهودية عدوا له، بما في ذلك في حال حصوله منهم على ما يريد ويشتهي. وان تجربة ثورة عام 1905 وقيادة اليهود لها تكشف عن خطورتهم بهذا الصدد. وحذر من أن سيطرتهم سوف تجعل من مصير روسيا مأساويا للغاية. لأنهم سوف يأكلون كل شئ ويدمرون كل من يقف أمامهم. بل سيحولون أحفاد النبلاء والعائلات المعروفة إلى خدم وحوذية عند حثالة اليهود، كما يقول روديونوف. وهي نبوءة برهنت على صدقها بداية الانقلاب البلشفي.

بدأت المأساة الأولية لهذا الانقلاب مع أول بوادر الحرب الأهلية. وإذا كان مظهر الحرب "أهليا"، فإنها كانت في الواقع تجري بمعايير القومية والعرقية، بسبب تركز اليهود في الأجهزة القمعية للسلطة من شرطة وأمن وجيش، إضافة إلى الحكومة والقضاء. فقد كانت الحكومة البلشفية المتشكلة بعد الثورة (1917) حتى عام 1921 تتألف من 22 عضوا، اليهود منهم 17 والروس ثلاثة وهم لينين وتشيتشيرين (وزير الخارجية) ولوناتشارسكي (وزير التربية والتعليم)، وارمني واحد هو بروتيان (وزير الزراعة) وجورجي واحد هو ستالين (يوسف جوغاشفيلي) وزير العلاقات القومية. بينما توزعت القوميساريات (الوزارات) الأخرى عليهم. فقد أسندت وزارة المجلس الاقتصادي الأعلى إلى لوريه (لارين) ووزارة إعادة التعمير إلى شليختر، ووزارة الدولة إلى زينوفيف (أبفيلباوم) ووزارة الرقابة الحكومية إلى لاندر، ووزارة الجيش والأسطول إلى تروتسكي (برونشتين) ووزارة أراضي الدولة إلى كاوفمان، ووزارة الشؤون الاجتماعية إلى شميت، ووزارة الضمان الاجتماعي إلى ليلينا (كينيغسين) ووزارة الشئون الدينية إلى شبيتسبيرغ، ووزارة الوقاية الاجتماعية إلى أنغيلت، ووزارة المالية إلى غوكوفسكي، ووزارة الطباعة إلى فولودارسكي (كوهن) ووزارة الحقوق إلى شتاينبيرغ، ووزارة الإنقاذ إلى فينيغشتين، ووزارة الشئون الانتخابية إلى اوريتسكي (رادوميلسكي).

ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لوجودهم داخل الوزارات والمؤسسات. ففي وزارة الدفاع، التي ترأسها تروتسكي (روبنشتين) والذي كان يحتل أيضا منصب رئاسة المجلس العسكري لمنطقة موسكو، يساعده بذلك اليهوديان غيرشفيلد وسكلانسكي. كما أن أعضاء هذا المجلس يتألف من يهوديين هما شوروداك وبيتش. في حين كان رئيس المجلس العسكري لجيش الشمال فيشمان، وقوميسار المحكمة العسكرية للجيش الثاني عشر روم، في حين أن القوميسار السياسي للجيش الثاني عشر هو مينتشيك، وللجيش الرابع عشر ليفنسون. ورئيس مجلس الجيش للجبهة الغربية بوزرن، والقوميسار السياسي لمنطقة موسكو العسكرية غوبلمان، وللفرقة الخامسة عشر للسوفيت بولوفسكي، وقوميسار الطوارئ للجبهة الشرقية كل من برونو وشولمان، وأعضاء المجلس العسكري لمنطقة قازان روزينغولتس وميغوف، ورئيس مجلس الدفاع عن شبه جزيرة القرم زاك، والقوميسار السياسي للجبهة الرومانية سبيرود، وصاحب الصلاحية الحكومية (بصدد الحرب) في إجراء المحادثات مع ألمانيا هو داودوفيتش. من كل ما سبق يتضح وجودهم في قيادات كل مؤسسات الجيش وفي كافة المناطق الروسية.

ونفس الشيء يمكن قوله عن وجودهم في وزارة الداخلية، حيث كان جميع أعضاءها يهودا. فقد كانت الوزارة بيد زينوفيف (أبفيلباوم)، ورئيس لجنة الطوارئ اوريتسكي (رادوميلسكي)، ورئيس الدعاية غولدينرودين، ورئيس اللجنة الاقتصادية لكومونة بتروغراد أنيدر، وقوميسار شرطة بتروغراد فييرمان، وقوميسار الأمن الاجتماعي في موسكو روزينتال. وكذلك الحال بالنسبة للجنة الطوارئ (الأمن) في المدن الأساسية مثل بتروغراد (بطرسبورغ سابقا ولينينغراد لاحقا) وموسكو. فمن مجموع المجلس الأعلى للوزارة البالغ عددهم 62 عضوا كان اليهود فيها بين أعوام 1917 و1921 يشكلون 43 عضوا. بينما كان الروس اثنان فقط وتقاسم البقية أشخاص من أصول أرمنية وبولندية وألمانية وليتوانية. ونعثر على نفس الظاهرة في الأطراف الروسية.

وتمييز نشاط وعمل اغلب اليهود، خصوصا في المناطق البعيدة بقسوة بالغة وسادية لا حدود لها. فعلى اثر محاولة اغتيال لينين عام 1918 جرى إعدام 300 شخصا مشتبه بهم اغلبهم من الروس، مع أن المشتركين في المحاولة ومنفذيها كانوا يهودا (كابلان). وعندما اغتيل اوريتسكي في آب 1918 من جانب اليهودي كينيغسر، جرت تصفية 1300 ويقال 10000 شخص معظمهم من الروس. وعندما جرى تفجير بناية صغيرة للحزب في موسكو في 25-9-1918  اقترح ديرجينسكي (أحد مؤسسي وزارة الأمن ونظام الاستخبارات فيها المعروف كي .جي. بي) بإعدام كل ممثلي النظام البائد ورجال الشرطة والأمراء والدوقات والنبلاء والأرستقراطية الموجودين حينذاك في السجون، الذي قدر عددهم بالآلاف. كما لم يعن القضاء على "خدم النظام القيصري" و"البرجوازية" و"الإقطاع" و"النبلاء" و"الرجعية" سوى القضاء على نخبة المجتمع الروسي. وجرى استغلال "الإرهاب الأحمر" بطريقة جعلت من تصفية الروس وسيلة لإحكام السيطرة اليهودية. وهو الأمر الذي جعل الروس البسطاء يقولون "اليهود يقتل بعضهم بعضا وعقوبة الإعدام على الروس"! ولم تكن هذه الممارسة غريبة بالنسبة "للشخصية اليهودية"، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار النفسية الاجتماعية لهم بعدما شعروا للمرة الأولى، مثل أسلافهم في فارس أيام استير، بإمكانية الانتقام "الشرعي" والتلذذ به دون "سرقة واغتنام أموال القتلى". فقد كان فيخمان على سبيل المثال، نموذجا للسادية العارية في مدينة أوديسا وكان لاتسيس جلادا "ماهرا" في أوكرانيا حيث اعدم في عام 1919 فقط حوالي 12000 إنسان. ولم تنج من هذه المجزرة عائلة القيصر، الذي تنازل عن العرش قبل الانقلاب البلشفي. إذ جرى إعدام جميع أفراد العائلة بقرار من اليهودي يعقوب سفيردلوف، وتسلم القرار اليهودي غولوشكين، ونفذه اليهودي يوروفسكي. ليس ذلك فحسب، بل وجرى لاحقا تغير اسم مدينة يكاترينبورغ، التي جرى إعدام عائلة القيصر فيها، إلى اسم سفيردلوفسك تيمننا باسم سفيردلوف في "فعله الثوري". 

وجرى تفعيل آلية "الإرهاب الثوري" بتوسيع شبكته عبر إرساء أسس "نظام المعتقلات"، التي شكلت "قناة" الإرهاب الشامل ضد الشعب الروسي. فهي لم تعذب وتميت ملايين الروس فحسب، بل وأحكمت ذلك بوضعها في أيادي يهودية "أمينة". فقد كان اغلب، إن لم يكن جميع، رؤساء المعتقلات في روسيا يهودا. فقد كان المسئول عن المعتقلات في وزارة الداخلية بيرمان، ومساعده فيرين. كما كانت رئاسة معتقلات منطقة كاريليا بيد كوهن، ورئاسة معتقلات المنطقة الشمالية بيد فينكلشتين، ومعتقلات منطقة سفردلوفسك برئاسة بوغروبينسكي، ومعتقلات منطقة سيبيريا برئاسة سابو، ومعسكر سولوفاتسكي الخاص برئاسة سيربوخوفسكي، ومعتقل منطقة شمال الاورال للسجن السياسي الخاص برئاسة ميزنر. كما ترأس أقسام وزارة الداخلية في المناطق أيهود، مثل منطقة موسكو برئاسة ريديس، ومنطقة لينينغراد  برئاسة ريتكوفسكي ومنطقة بحر آزوف والبحر الأسود برئاسة فريدبيرغ، ومنطقة ساراتوف برئاسة بيللر، ومنطقة ستالينغراد برئاسة رابوبورت، ومنطقة ارنبورغ برئاسة رايسكي، ومنطقة غوركي برئاسة ايرابولسكي، ومنطقة شمال القوقاز برئاسة فايغلوفيتش، ومنطقة سفردلوف برئاسة شكلار، ومنطقة بشكيريا برئاسة زيليكمان، ومنطقة غرب سيبيريا برئاسة غوغول، ومنطقة شرق سيبيريا برئاسة تروتسكي، ومنطقة الشرق الأقصى برئاسة ديريباس، ومنطقة آسيا الوسطى برئاسة كركوفسكي، ومنطقة بيلوروسيا برئاسة ليبليفسكي.

وبلغت هذه السيطرة ذروتها يعد اغتيال كيروف عام 1934، المرشح لقيادة الحزب (والدولة). إذ جرى استغلال اغتياله لتشديد آلية القمع. واصبح التوقيف والسجن والنفي والطرد والقتل والاغتيال والإعدام بصورة كيفية حالة عادية. حينذاك بلغ استحكام اليهود بالسلطة ذروته. فقد كانت في قبضتهم كل لجان الطوارئ وأجهزة الأمن، التي ترأسها حينذاك أيهود حتى عام 1934. واستمرت آلية القمع هذه عندما تولى يزجوف رئاسة الأجهزة الأمنية، التي قصمت أيضا ظهر الثقافة الروسية ورجال العلم الروس، بما في ذلك شخصيات كبيرة ومشهورة مثل إثارة "قضية شولوخوف" الكاتب الروسي الكبير واعتقال مصمم الطائرات الشهير توبولوف وكذلك كارولوف، الذي اصبح لاحقا مصمم الصواريخ والمركبات الفضائية وعشرات غيرهم. وتعمقت وتوسعت هذه الممارسة بصعود اليهودي بيريا (من أصول منغليرية – جورجية) إلى رئاسة الأمن العام للاتحاد السوفيتي عام 1938. واستمرت فعليا حتى عام 1953، باعتبارها اشد المراحل تقنينا للإرهاب.

فقد مثل بيريا "الشخصية اليهودية" على اكمل وجه. بمعنى تمثله الحاذق لتقاليد المؤامرة والخديعة والقسوة عند المقدرة، والجبن في مواجهة الحق. فقد تسلق سلم السلطة عام 1931 بعد لقائه بستالين في جورجيا. وعّين رؤساء جدد للجان الطوارئ في جورجيا كلها والبالغ عددها حينذاك 32 منطقة.. ثم اعدم في وقت لاحق كل من كان شاهدا وقت تعيينه لرئاسة الأمن والاستخبارات في جورجيا. و"شذبّ مهاراته هذه في مجرى صعوده إلى هرم الأمن السوفيتي عام 1938 حتى 1953. ووصف جوكوف أحد اشهر القواد العسكريين السوفيت بيريا بعد إصدار حكم الإعدام به على اثر فشل محاولته الانقلابية قائلا "كان بيريا زمن حكمه فضيعا ماكرا إلى درجة لا تصدق. وحالما جرى القبض عليه، بدا كما لو انه آخر جبان على الأرض. إذ اخذ بالبكاء والنحيب والتوسل على أن يبقوا على حياته"!

كل ذلك يكشف عن أن آلية وعمل الإرهاب والقمع في بداية السلطة السوفيتية وحتى سقوطها، لم تكن وليدة الصدفة، كما لو تكن معزولة عن كثافة وسيطرة "الشخصية اليهودية" في مؤسساتها. بل يمكن القول، بان آلية الإرهاب هي الوجه الظاهر لباطن الطغيان اليهودي في السلطة السوفيتية. فقد كان "الإرهاب الأحمر"، باعتباره بداية الإرهاب المنظم ضد اتباع "الثورة المضادة" هو بداية تقنين إحكام السيطرة اليهودية الجديدة تحت شعار ويافطة الحكم السوفيتي وسلطة البروليتاريا وديكتاتوريتها والنظام الاشتراكي.

سحقت هذه الآلية في طاحونتها الخشنة القوى الروحية والاجتماعية والسياسية لروسيا من رجال الإبداع الفكري والروحي والمثقفين والجيش الروسي والكنيسة الأرثوذكسية. أي المكونات التي بلورت تاريخيا أعصاب الكيان الروسي ووعيه الذاتي. إذ أدت تصفية "العالم القديم" إلى تصفية المقومات الذاتية لوعي الذات الروسي. ففي مجرى أعوام 1922 – 1925 جرى تصفية ما يقارب المليونين من المثقفين. وتحولت كلمة الانتليجينسيا إلى كلمة منبوذة ومثيرة للاشمئزاز. واصبح المثقف كيانا ملعونا وتجسيدا لرذيلة التذبذب وعدم الثبات. وعوضا عنه جرى صنع السبيكة العمالية – الفلاحية الجديدة للمثقفين المتحزبين المتميزين بالثبات. ولم يعن ذلك في الواقع سوى صنع مثقفين من أوساط الفئات والطبقات الاجتماعية، التي لا جذور ثقافية عندها وفيها. مما جعل منهم مادة سهلة وطيعة قابلة للصنع بالشكل المرغوب من جانب السلطة. وهي ممارسة أدت إلى تصفية الذخيرة والخبرة الروحية الهائلة للقومية الروسية. وعوضا عنها جرى إحلال فئة "المثقفين السوفيت" اليهود، التي أخذت بعد عقدين من الزمن التاليين للثورة في احتلال كل مواقع "التربية" بدء من رياض الأطفال وانتهاء بالمعاهد والجامعات ومركز البحث العلمي، ومواقع "الإبداع" في مختلف ميادين الأدب والفنون. بحيث اصبح "الإبداع" مهنة خاصة باليهود. وتحول "المثقف الجديد" إلى جزء من آلية القمع. فهو أما هراوة أو بوق أو طبل أو متملق. لقد جرى صنع "انتليجنسيا" بلا قلب ولا روح. وتحول "المثقف" إلى لسان. وليس مصادفة فيما يبدو أن يستكتب بيريا نفسه، قبل ترؤسه وزارة الداخلية والأمن السوفيتي، مجموعة من المؤرخين لتأليف كتاب ينشر باسمه في موضوع التاريخ، ثم يعدمهم بعد ذلك لكي لا يعرف أحد الكاتب الحقيقي. وبهذا يكون قد قدم نفسه "مثقفا جديدا" و"مبدعا" في علم التاريخ. وقام بهذه المهمة قبله يهود السلطة، الذين احتلوا مواقع الرقابة والتفتيش ومعسكرات الاعتقال، التي أرسل إليها أفواج المثقفين الروس الحقيقيين. إضافة إلى أماكن العمل الشاقة، التي ترأسها اليهود، كما هو الحال بالنسبة لقناة بيلومور التي ترأس اليهوديان كوهن وفرنكل عملية بنائها وسخروا لهذا الغرض الكثيرين من المعتقلين الروس من أوساط المثقفين. في حين كان رئيس قسم معسكرات العمل التأديبية اليهودي بيرمان. ونظم هذه الأعمال في وقتها وزير الداخلية يهودا ومساعده اليهودي رابوبورت.

وبنفس القدر من الوحشية جرى تدمير المقدسات التاريخية والروحية لروسيا عبر هدم الكنائس وتحويلها إلى مرابط للخيل ومستودعات لمختلف الأشياء، مع مصادرة ما فيها وسرقة البعض الآخر. وما تبقى جرى تدميره. وتحول شعار فصل الدين عن الدولة، والكنيسة عن المدرسة إلى فصل الروس عن تاريخهم الروحي. وشكل اليهود هنا كما في الأماكن الأخرى، حربة المواجهة العلنية والمستترة. فقد ترأس لجنة مكافحة الكنيسة ياروسلافسكي (الاسم الاصلي ميني إسرائيل غوبلمان)، وكان مساعده الرئيس اليهودي لوكاتشيفسكي. وترأس اليهودي ستروكوف (الاسم الاصلي بلوخ) رئيس قسم محاربة الدين في الجيش، كما ترأس اليهودي كيفاله قسم الدعاية المعارضة للدين. وفي المدارس ترأسها اليهودي اسكينسكي، وفي الأدب اليهودي أبشتين. بينما كان جميع الأعضاء الأربعين للجنة التنوير والإلحاد يهودا!

وفي ظل هذه النسبة اليهودية في رئاسة المؤسسات المناهضة للدين والكنيسة، فان من الصعب أن نتوقع سلوكا آخر غير الذي جرى. فقد جرى سجن ونفي وقتل ما يقارب 320 ألف رجل دين. كما تعرضت الكنيسة بوصفها مؤسسة وكيانا فكريا – روحيا إلى عملية هدم منظمة وقاسية. حيث جرى تخريب وتدمير وتحطيم اغلب الآثار الروسية بحجة أنها جزء من "أفيون الشعوب". وبدأ تدمير الكنائس في الكريملين. فقد ضم (مجلس تحديث مدينة موسكو)، حينذاك يهودا فقط برئاسة رئيس بلدية موسكو في وقتها كامينيف (الاسم الاصلي روزنفيلد) وعضو المكتب السياسي كاهنوفتش، ورئيس اتحاد الملحدين ياروسلافسكي (الاسم الاصلي غوبلمان). وتحت شعار "تحويل مدينة موسكو من مدينة بطريركية إلى موسكو اشتراكية" جرى هدم كنائس الكرملين ومبانيه الأثرية. كم جرى هدم نصف كنائس وهياكل العبادة البالغ عددها 900، إضافة إلى 2500 معلم تاريخي اثري. وفي عام 1931 جرى هدم كنيسة المسيح المنقذ، أحد اكبر وأفخم الكنائس في موسكو، التي شيدت على ريع التبرعات الشعبية للروس بعد انتصارهم على قوات نابليون بونابرت عام 1812. وعوضا عنها جرى التخطيط لبناء (هيكل لينين)أو (قصر السوفيتيات)، المقترح من اليهودي أيوفان، صهر عضو المكتب السياسي كاهنوفتش، الذي أصر على أن يبنى (قصر السوفيتيات) محل كنيسة المسيح المنقذ.

ومارسوا نفس الشيء تجاه "الجيش الأبيض". حيث تولى هذه العملية يهود، بدء من تروتسكي (الاسم الاصلي برونشتين) وانتهاء بميخلس وغاي ورازغون. وفي نهاية 1938 كانت التصفيات الأساسية قد طالت مؤسسات الجيش الروسي السابق وقواه البشرية جميعا. فقد تعرضت للاضطهاد ما بين طرد وسجن وإعدام. إذ جرى تصفية 186 من اصل 220 آمر لواء، و 101 من اصل 190 قائد فيلق، و57 من اصل 85 قائد فرقة، و13 من اصل 15 قائد جيش. وتعرض للاضطهاد كل قواد المناطق العسكرية الكبرى في روسيا بلا استثناء. ومع ذلك ظل الجيش القوة الوحيدة التي لم يستطع اليهود حينذاك تصفيتها بصورة تامة. إلا انهم احتلوا مع ذلك المواقع الأساسية فيه. فمن اصل 500 موقع قيادي كانت نسبتهم فيه قبل الحرب العالمية الثانية حوالي 85%، بينما لم يحتل الروس اكثر من 5%.

ورافق هذا التدمير المنظم لتقاليد الدولة الروسية تخريب بنيتها الاجتماعية عبر تدمير فئات الفلاحين. وظل ذلك يجثم بثقله على كاهل الدولة السوفيتية حتى انهيارها عام 1991. فقد تعاملت السلطة اليهودية السوفيتية مع الفلاحين تعاملها مع أعداء أو مجرمين. وإذا كان الفلاحون هم ملح الأرض الروسية ومصدر قوامها البشري، إذ لم يوجد بينهم يهود، فان تصفية بعض الفئات منهم وحشر البقية الباقية في كولخوزات وسوفخوزات بالعنف والإكراه كان يعني تاريخيا واجتماعيا إعادة نظام القنانة من جديد وتجريدهم من الأرض وملكيتها الخاصة بهم. فقد وصل البلاشفة إلى السلطة وثبتوا سلطتهم أساسا بسبب رفعهم شعار الأرض للفلاحين. بينما جرى في وقت لاحق سجن ونفي وقتل كل من عارض نزع ملكية الفلاحين وإجبارهم على الدخول في "تعاونيات اشتراكية". وهي عملية ترأسها آنذاك كل من يهودا وأبشتين. وبأثرها جرى اضطهاد حوالي 25 مليون عائلة روسية فلاحية. بحيث دفعت في حينها رئيس مجلس الشعب السوفيتي لجمهورية روسيا الاتحادية سرصوف إلى معارضتها الشديدة. وردا عليه جرى إلصاق تهمة الخيانة ومحاولة القيام بانقلاب على السلطة السوفيتية، والمطالبة بإعدامه. ومع ذلك صرخ في المحكمة قائلا، بان سياسة الدولة تجعل من الفلاحين عبيدا. وأنها تستغل الشعب الروسي بلا حدود، وتحاول أن تعيد نظام القنانة القديم.

شكلت هذه النتيجة عصب المفارقة المثيرة للوعي القومي الروسي ومأساته التاريخية، وعصب المفارقة المثيرة بالنسبة لماهية الثورة وأهدافها الاشتراكية المعلنة. فالثورة التي كان ينبغي لها أن تكون حسب معايير الماركسية قاطرة التاريخ نحو الأمام، تحولت إلى دوامة اختطفت وابتلعت في دوراتها كل ما هو ثمين، كما لو أنها أشياء لا معنى لها ولا قيمة ولا وزن. وأرجعت التاريخ إلى الوراء عبر إبراز ملامح القنانة والعبودية المنظمة وراء العيون الجاحظة لليهودية في تفحصها كل ما هو "شاذ" عن مقاييسها. ولا مقاييس لها في الواقع غير النفس الغضبية، التي شكلت الراديكالية المتوحشة نموذجها السياسي الارقى. واستثارت شأن كل وحشية، شعور الكراهية والتقزز والاشمئزاز، بحيث اصبح اليهودي واليهودية تجسيدا للنقمة وانعداما للنعمة وقتلا للرحمة. مما أدى إلى أن تصبح معاداة وكراهية اليهود واليهودية بين الروس فتوى ثقافية مستترة، كما أصبحت معاداة الروس والروسية بين اليهود فتوى سياسية – عرقية علنية.

 

الحصيلة

 

يكشف المسار التاريخي للدول والامم عن الخطورة الكامنة في الدور الذي يمكن ان تلعبه "الاقوام الصغيرة" في اسلتهام الفكرة الراديكالية واستعبادها النفسي للشعارات الطوباوية. وليس ذلك معزولا عما يمكن دعوته بنفسية الغيتو، أي الانغلاق الذي عادة ما يترتب عليه استبداد الضعف شبه التام في الرؤية والمواقف والاحكام والقيم. وليس مصادفة ان تنشأ وتنمو وتتضخم قيم الراديكالية بين الاشخاص ذوي الاصول المحكومة بنفسية وذهنية "الاقلية" بمختلف اشكالها وانماطها، أي الاقليات غير المتكاملة بمعايير الانتماء الثقافي للدولة والمجتمع. ومن المكن رؤية هذه الحالة بين "اليسار البلشفي" للاقليات العرقية والدينية والطائفية المنغلقة في العالم العربي. كما انه السبب القائم وراء انهياره المريع. وقبل ذلك كان يمكن رؤية هذ االمسار في احد اكبر واعقد واكثر النماذج اشكالية "للثورة" كما كان الحال في الانقلاب البلشفي (ثورة اكتوبر الروسية). وهي مفارقة لا تحلها سوى جدلية الإمكان!

***

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1459 الجمعة 16/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم