قضايا وآراء

ما بين السطور: ملاحظات مختصرة عن تجربة أديب كمال الدين / صالح الرزوق

 البحث عن دور الأخلاق في بناء الصورة والعناصر، ثم في تشكيل المجتمع وتوجيهه.

- والتصوف على اعتبار أنه حالة وجدانية وطريقة لتفسير اللاهوت من موقع مشارك وليس مجرد شاهد . لذلك إن تجربته تعتمد على إعادة تأويل للذات، وهذا مبدأ نيتشوي معاكس، بعيد عن مفهوم المحاكاة الكلاسيكي . وبعبارة أخرى إنه شديد الصلة بالقيم والبلاغيات الروحية، المتوافرة في علاقة الإسلام مع العالم الإفتراضي . إن قوة الافتراض في قصائده هي الماكينة رقم واحد المسؤولة عن الإنتاج ثم إعادة الإنتاج.

و لذلك هو يستدل في مجمل تجربته على الأثر من الصانع، ويدمج في أسلوب واحد مشكلة التكنيك مع الهم الفني بشكل عام، وهكذا تتساوى لديه الذات مع مؤشرات الموضوع، وتنتقل اللغة من الدور المناط بها، وهو التعبير والتهذيب، إلى أيافوريا، وبتعبير همنغواي إلى مهرجان للغبطة (Movable Feast).

و هذا هو السبب الذي يقف أمام انحيازه للمفاهيم وليس للخطاب، وأمام الحريات المتاحة له في التوصل لليقين وللمعارف، ولا سيما من خلال الاستعارات المكنية والتشبيه المرسل (دون إمكانية في عكس ذلك)، والإشارة هنا للطريقة النثرية في البنية، ولتحدي القوانين والقوالب ولا سيما بالاعتماد على صيغة جمع التكسير حيثما أمكن عوضا عن جمع المذكر السالم، باعتبار أنه أثر أو بقايا من طغيان القوانين المعمول بها، والمفروضة استباقا، وذلك بالمعنى الذي تحدث عنه بيير بايار في معرض كلامه عن (التأثيرات الأدبية العفوية) والاتصال مع الماضي الذي نعتقد أنه مفقود نهائيا (انظر جريدة بغداد – ع – 2090).

و إنه بعد تجاوز حفنة من الأعمال المبكرة، سوف نقترب حث?ثا من مفهوم أديب كمال الدين عن المحنة. و?ي مثل كل أشعاره عبارة عن دائرة مركبة بمعنى أن?ا تتألف من أصل وظل، ثم من وجه وقناع. ولكن الموت?ف البارز ف??ا، ?ركز على مسألة الموت، ل?س باعتبار أنه غ?اب ف?ز?قي وبطيء من الوجود، ولكن بصفة أنه ?حتفظ بمسافة من النقاط الدافئة والمض?ئة التي لا تزول من الذاكرة. وعلى الغالب ?ي ذاكرته الفرد?ة الناجمة عن تراكم الخبرات والآلام والناجمة عن معاناة الوجدان الإنساني.

و ?ذا ?ش?ر ضمنا إلى روح رومنس?ة لا تخلو من التفجع الكنائي عن شوا?د قد?مة للماضي الأخضر، وشوا?د طازجة من الحاضر الشقي، ومن تبار?ح وانعكاسات ما سلف بخصوص كل ما ?و – غ?ر ح?اة .

و أود أن أضع خط?ن تحت العبارة الأخ?رة، فالشاعر م?ما تمسك بالتناص مع كلمة (موت) ومشتقات?ا وبدائل?ا، ?و في الواقع ?ضرب بس?امه نحو ?دف إلغاء لامتناع وجود، أقصد الضم?ر " غ?ر " الحي، الم?ت ذ?نا، والمتجمد والذي لا ?باشر من قوان?ن الحركة والتار?خ إلا بصعوبة.

لذلك إن عالم الحدود في قصائده شديد الصلة بعالم الموضوعات، وهكذا يمكن للحياة أن تختلف مع الموت أو أن تتطابق معه.

فقد كان الغياب والرحيل لديه يتقاطعان مع مفهومنا التراجيدي لمعنى الانتظار. إنهما ضمنيا إشارة للفراغ بكل إمكانياته المقدرة، أو بلغة مباشرة : تنويه بالانتقال من عالم الغيب (و هو المنون) لعالم الثبوت (و هو إعادة الإحياء) وبنفس المعنى الذي ورد في كتاب الأستاذ ماجد الغرباوي عن التجديد في الإسلام. وهو ما كان الإمام الشيرازي قد أشار إليه باسم الهيولى أو الجوهر، ثم باسم ما هو موجود ولكن من غير صفات.

بكلمة موجزة : اختارت القصائد مضمونها الشعري بنفس الطريقة التي كانت السماء ترتبط بعالم اللاشعور .. الرموز والاستعارات . ومن وجه آخر، أو بعملية إبدال بسيطة، الدلالة.

أعتقد أن المنعطف الذي ?أخذه شكل وموضوع القص?دة لدى الشاعر الأستاذ أد?ب كمال الد?ن ?و من النوع الذي ?طول بنا انتظاره، بمعنى أن ثماره لا تنضج قبل مرور وقت لا بأس به ?صل حتى حدود الحقبة، من عدة سنوات إلى عقد كامل. وبعد ذلك ?مكن للقص?دة أن تتبرأ من ماض??ا.

و لمز?د من التحد?د أنوه أنه يمكن دائما اختزال تجربة أديب كمال الدين الشعرية في نقطتين :

- الماضي المستمر أو القديم غير الحادث الذي يتحمل أعباء الأفكار والموضوعات، ويركز على مجال المرئ?ات في الطب?عة والعالم أو البصر?ات.

- والحاضر الذي يتحرك بلا معونة من (آلة الزمن)، والذي يتساقط منه الماضي الغادر والذاكرة الميتة . بالمعنى الذي ورد في قصيدة (أخبار المعنى)، والتي فيها يقول: سقطَ الماضي، وأتى ما يأتي .

و لنلاحظ هنا القران بالتعاقب بين أل التعريف (في الماضي)، والتنكير الدلالي في الاسم الموصول (ما) المرتبط بصيغة الحاضر التام.

فهل هذه محاولة منه لوضع المستقبل في مهب الريح : صورة أخرى من غير ملامح، وإيديولوجيا تخرج من غياهب الظلمات، أم أنه مجرد إنذار للاستعداد لمجهول غير معرّف وبلا ماهية أو جوهر ؟؟؟...

  

2010

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1465 الخميس 22/07/2010)

 

في المثقف اليوم