قضايا وآراء

حفنة ورد على قبر علي الوردي / سلام كاظم فرج

... في أحدى المقابلات الصحفية قال الدكتور الوردي ربما سيضطر العراقيون الى نبش قبري احتجاجا على فضح بعض أمراضهم المستعصية دون ان اصف العلاج اللازم لذلك.. وهو بهذا يعني ان العلاج لا يأتي بكتاب يكتبه حكيم او بشعار يطلقه فرد أو مجموعة او حزب انما التغيير يأتي بعد تراكم مجموعة من المعطيات والقيم الجديدة التي تتصارع مع القيم القديمة..سأتناول في هذه المقالة جانبا بسيطا مما شاكس به الوردي مجتمعه العراقي بجرأة لم تكن متاحة للجميع في الزمن الذي تناول فيه تلك المظاهر

 وسأقتصر على موضوع محددهو تعليم البنات.. وبدايات فتح  المدارس التي تدرس العلوم الحديثة.. ومنها مدارس الأناث... ومدى تقبل العراقيون لذلك.. والمواجهة الجدية بين المؤيدين والمعارضين..

يقول الدكتور الوردي (كانت المدارس في أواخر العهد العثماني قليلة جدا.. ومقصورة على ابناء الافندية وكان العامة ينظرون اليها نظرة ارتياب..وبعضهم يعدها مباءة للفساد والتحلل الاخلاقي.. حتى جاءت الحكومة العراقية بدأت تفتح المدارس.. أعلن بعض رجال الدين تحريم الدخول اليها.. ولقي التحريم هوى في نفوس العامة..) بأعتبار ان الحكومة نصبها الغرب.. المتحلل..والكافر.. وقد بذل بعض المتنورين جهودا لتسفيه هذه الفكرة دون جدوى.. والطريف يقول الدكتور ان أحد البقالين ذهب لرجل دين يثق به وسأله عن رأيه بدخول ولده الى المدرسة الحكومية.. فنصحه بالامتناع عن ذلك ونفذ البقال النصيحة.. ليكتشف بعد سنين ان ابن هذا الرجل قد  دخل  سلك الضباط بعد حصوله على الشهادة.. فعاتبه ولكن بعد فوات الاوان.. فقال له رجل الدين.. الزمن تغير وانت انقطعت  عني ولو راجعتني بعد عام او عامين لنصحتك بإدخاله المدرسة.. وكان ان بدأت حينذاك معركة مدارس البنات واختلاف الاراء بشأنها.. فقال البقال.. ماذا تقول في تعليم البنات في المدارس الحكومية؟؟ فقال رجل الدين الا هذه.. حرام ثم حرام... فقال الرجل الكادح البسيط.. لقد فعلتها معي مرة ولن ادعك تفعلها ثانية وأدخل بناته المدارس....

 والطريف ان الوردي لا يلوم رجل الدين هذا ولا البقال.. ولا المعارضين.. ولايمدح المؤيدين... فكل ذلك رهين بتراكم معرفي ..  وصراع قيم وإرادات..

 ويمكث ما ينفع الناس اما الزبد فيذهب جفاء..واليكم في الختام هذه الفقرة المختارة من احد كتب الدكتور الوردي..(ألف فقيه بغدادي معروف هو الشيخ ابن أبي الثناء الالوسي كتابا في عام 1897 عنوانه..(الأصابة في منع النساء من الكتابة).. جاء فيه (وأما تعليم النساء القراءة والكتابة لا أرى شيئا أضر منه بهن.. فأنهن لما كن مجبولات على الغدر.. كان حصولهن على هذه الملكة من اعظم وسائل الشر والفساد.. واما الكتابة فأول ما تفعله المرأة بعد اتقانها كتابة رسالة الى زيد او عمرو وبيتا من الشعر الى عزب!! (يقصد رجلا عزبا..) ومثل تعليم النساء الكتابة مثل شرير سفيه تعطيه سيفا..  فاللبيب هو من ترك زوجته في حالة من الجهل فهو أصلح لهن وانفع....)

 ويستمر الوردي يقول..(والواقع ان هذا الرأي لم يكن رأيا شاذا بل كان يمثل الاتجاه العام في العراق يوم ذاك.. وقد ظل هذا الاتجاه سائدا الى وقت متأخر.. واذا تساهلوا في تعليم البنين فأنهم تصلبوا كثيرا في تعليم البنات..

 ثم ينقل الدكتور حالة طريفة على لسان المحامية صبيحة الشيخ داود.. ان احد المتزمتين كان يحرم على ابنته الخروج من البيت واذا سمح لها فبعباءتين!!

 ثم انقضت الايام واذا به يتوسط لقبول أحدى بناته في كلية مختلطة.. وحين ذكرته الاستاذة صبيحة الشيخ داود بما فعل مع كبرى بناته.. يجيب (ذاك زمان.. وهذا زمان..)..

 رحم الله الدكتور الوردي. باقة وردة نضعها على قبرك ايها العالم الجليل.. ولن ننبشه.. ابدا..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1466 الجمعة 23/07/2010)

 

في المثقف اليوم