قضايا وآراء

بغداد يُراد لها أن تكون عاصمة الثقافة .. ولكن كيف؟ / هاشم عبود الموسوي

 والثقافة أساساً لن تكون إلا بتوافر ركائزها ومستلزماتها وأدواتها بعيداً عن الشكليات والأنماط التي لا تحمل معنى ولا تحقق أهدافاً يصبو إليها المجتمع في مختلف مناحي الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

نعم.. نعم.. لدينا الطموح بأن يتوفر لبغداد أن تعود رائدة ثقافياً بدون تلميع مُزيّف، ووهم خادع، وتزيين بعيد عن الواقع والحقيقة.

لا يستطيع أحد أن يُنكر أن بغداد كانت مدينة ترفد الثقافة العربية بكل إبهاراتها وبكل جدارة واستحقاق، لأنها كانت ولا تزال زاخرة بالمثقفين، وهذا ركنٌ كبير ومهم لتأسيس ثقافة، حال توفّر المكونات المهمة الأخرى التي نصل من خلالها إلى أن نؤسس (مدينة الثقافة).. ولكن لا يمكن لنا أن نغض الطرف عما جرى للمثقفين في السنوات الأخيرة من قتلٍ وتشريد، وتجاهل للطاقات الكامنة الموجودة لدى الكثير من المبدعين. والكثير منهم هجروا المدينة أو العراق إلى الدول التي تتوافر فيها ركائز ومكونات الثقافة بحثاُ عن إشباع نهمهم وإرواء ظمأهم الثقافي وأداء لواجبهم في تفعيل الحركة الثقافية ببلادهم وكانوا أوفر حظاً واستطاعوا بقدراتهم الإبداعية أن يشقوا طريقهم بنجاح ويحققوا مكانةً بارزة لهم على خارطة المشهد الثقافي من الذين بقوا في هذه المدينة العريقة ينحتون من صخر ويُمنّون أنفسهم بتفعيل المشهد الثقافي في مدينتهم والذي لم يتحقق له الركائز والمقومات المطلوبة بعد.

لا شكّ أن الجميع يطمح في أن تكون بغداد مدينة الثقافة ولكن كيف يتحقق ذلك ونحن نرى أن بعض المكونات والركائز التي يجب أن تكون القوة الداعمة والفاعلة لذلك ما زالت تتعثّر في خطواتها، فمثلاً الروابط ذات العلاقة بالثقافة هي أشبه بحقيبة بائع متجول يبحث عن سوقٍ ينتصب ثم ينفضّ يربح فيه الرابحون ويخسر فيه الخاسرون أو ضيف يترقّب دعوة وليمة من الآخرين له في محافلهم لتوزيع كلمات الإشادة والإطراء، إننا لا نُريد أن يكون مثقفونا جالسين في منابر الخطابة يُلقون باللوم على الآخرين وهم أنفسهم ملامون، بل نُريد أن يكونوا فعلاً فقط ليس فعلاً جامداً أو ناقصاً بل فعلاً متصرفاً تاماً صحيحاً وحركة دؤوبة فاعلة ومتفاعلة ترصد كل الحركات الثقافية وتتعامل معها معاملة الند للند حركة ذاتية غير آبهة بكل العواصف التي تواجهها تأخذ بزمام المبادرة لتفعيل الحركة الثقافية والارتقاء بالمشهد الثقافي في المدينة، فالمثقفون يجب أن يتغاضوا عن وجود المؤسسة حال إخفاقها في تفعيل المشهد الثقافي لخور قواها وغياب المسؤول المثقف أو المثقف المسؤول، وعليهم أن يصنعوا بأنفسهم وتتكاثف جهودهم وحركتهم الذاتية مؤسسة غير رسمية فاعلة.

فما أحوجنا إلى تلك المبادرات والجهود الصامدة لمواجهة ثقافات الهدم التي تجتاحنا من كل حدبٍ وصوب.ز تقام بين الحين والآخر بعض محافل يحاولون تسميتها محافل ثقافية وهي في الحقيقة لا تخدم هدفاً ولا تحقق غايةً غير مآرب أصحابها ولن تسمع من خلالها غير الإفراط والإغراق في الإطراء نعيش من خلالها نشوة مزيفة.. نحن بحاجة إلى إقامة محافل وحوارات ثقافية كبير بكل ما تعنيه الكلمة، تجمع ذلك الشتات من المثقفين وعاصمتنا لا شكّ زاخرة بهم.. وهذه كلها تحتاج إلى بُنى تحتية، ترتكز عليها هذه الفعاليات من معارض ومسارح وقاعات اجتماعات، ومتاحف وأبنية تراثية يُعاد ترميمها.. هل يُمكن لأمانة بغداد أن تقوم  مثلا بطلاء واجهات الأبنية التي على الشوارع العامة بألوان يختارها المعماريون العراقيون لتبدوا زاهية، ولإخفاء  ونسيان اللون الرمادي الذي خلّفته سنين الحروب والدمار

وهذه الممارسة تقوم بها ليبيا حاليا، في كل مدنها وعلى حساب الدولة

علما بأن المدن الليبية لم تدخلها أي حرب في العقود الستة الماضية .

والمحافل لها أهداف يُرجى من ورائها نتائج لها مردود ينعكس انعكاساً إيجابياً على ثقافة أفراد المجتمع وله أثره وتأثيره على تطور ونهضة الوطن من خلال الممارسات الإيجابية الواعية في شتى مناحي الحياة، فثقافة لا يكون لها أثر في حياة الأفراد من خلال الممارسة والأداء والتعامل مع كل ما يُحيط بهم بوعيٍ وإدراك كامل هي بالتالي لا تكون إلا فرقعات في الهواء.. نحن بحاجة إلى ترتيب بيتنا الثقافي بمختلف مكوناته وعناصره ومقوماته إذا أردنا أن نصل إلى ما نصبوا إليه.. لا نُريد بعض مكونات الثقافة مثل الإذاعات المرئية والمسموعة ، الأهلية والحكومية على حد سواء والصحف وغيرها من المطبوعات والوسائل تعتمد في مواردها على (لله يا محسنين) حتى لا تفقد دورها الحقيقي في نشر الثقافة وينصب اهتمامها إلى المكسب المادي من خلال الإعلانات التجارية التي صار لها النصيب الأكبر في ساعات البث أو على صفحات المطبوعات بحجة استمرارية هذه المكونات وبعث الحياة فيها، بل لابد من وجود ثوابت للإمكانيات وأدوات التنفيذ ومعطيات مبرمجة ومخطط لها تخطيطاً علمياً منظماً ووجود المسؤول المثقف والمثقف المسؤول لنحقق الأهداف المرجوة لخلق دعائم ثقافية لها تأثيرها في بناء الإنسان الذي يلج معترك الحياة بكل وعي ويُدرك ما يدور حوله، ويكون قادراً على مواجهة التحديات المعاصرة بكل ثقافة واقتدار وثقة وإصرار.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1468 الاحد 25/07/2010)

 

في المثقف اليوم