قضايا وآراء

قراءة قانونية حول بعض مواد الدستور العراقي / اسماعيل كاظم البديري

المادة (1): جمهورية العراق دولةٌ مستقلةٌ ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ اتحاديٌ

فقد جاءت المادة بنص جامع متداخل بين شكل الحكم ونظام الحكم .

 

ما هو النظام البرلماني:

النظام البرلماني هو نوع من أنواع الحكومات النيابية ويقوم على وجود برلمان او مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه ويقوم النظام البرلماني على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .

وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء تكون فيها سلطات الرئيس تكليف رئيس الحزب الفائز أو رئيس التكتل الذي يوفر الأغلبية البرلمانية وحسب ما تنص عليه المواد الدستورية، وتكون باقي السلطات شرفية بينما يكون تركيز السلطة لدى مجلس الوزراء.

ظهر تعبير مجلس الوزراء لأول مرة في بريطانيا، وأطلق على لجنة تدير شؤون الحكومة. وأصبح هذا الشكل من الحكم يعرف تدريجيًا على أنه الحكم عن طريق مجلس الوزراء. وفي نظام الحكم عن طريق مجلس الوزراء، يكون معظم الوزراء أعضاء منتخبين في البرلمان . وقد تبنّى العديد من البلدان فيما بعد نظام الحكم من خلال مجلس الوزراء، وخاصة البلدان في منظمة دول الكومنولث. وفي بعض البلدان، مثل الهند.

الفصل الثاني في الباب الثالث من الدستور العراقي بين إن السلطة التنفيذية مناصفة بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء حصرا وهذا ما جاء في

المادة (66) والتي نصت على:

(تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية، من رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، تمارس صلاحياتها وفقاً للدستور والقانون.)

الملاحظ وحسب نص المادة أعلاه إن السلطة التنفيذية في العراق مقسمة بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء فقط وليس رئيس مجلس الوزراء إلا إن الملاحظ في التطبيق العملي هو تكريس الصلاحيات والسلطات بيد رئيس مجلس الوزراء مما جعل من مجلس الوزراء أن يتنازل لرئيسه عن صلاحياته ، هنا ابتعدنا من كون نظام الحكم برلمانيا واقتربنا من نظام الحكم شبه الرئاسي إذ لا توجد هناك موازنة في الصلاحيات إذ ترقى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء إلى صلاحيات الرؤساء في الأنظمة الرئاسية وكما جاء في المادة (78) إذ نصت على:

 

(رئيس مجلس الوزراء هو المسئول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب).

الصلاحيات الواسعة لرئيس مجلس الوزراء وحسب المادة أعلاه يتناقض تماما وما قصده الدستور العراقي من تقسيم للصلاحيات بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء في تركيز صلاحيات المجلس عند رئيسه.

نعتقد إن إعادة توزيع الصلاحيات وحسب مبادئ الأنظمة البرلمانية سيحد كثيرا من المشاكل الناشئة عند تشكيل أي حكومة عراقية والتي تستغرق شهورا عدة حتى يكتمل تشكيلها ، تكون حكومة واضحة الصلاحيات تركز على تقديم الخدمات وتعمل وفقا لبرنامجها الانتخابي المعلن حتى يمكن محاسبتها أو استجوابها في حالة التقصير لا كما حاصل الآن من إصرار ولا أقول تكالب على تسنم منصب رئيس مجلس الوزراء .

الجانب الأخر الذي يستحق ألإضاءة هو إن من أهم مظاهر الديمقراطية هو مبدأ الفصل بين السلطات ومن أهم مظاهر الفصل بين السلطات هو استقلال السلطات وعدم تداخل الصلاحيات بين السلطات وان لم يكن هناك استقلال مطلق لكن يجب أن يكون هناك تعاونا بين السلطات الثلاث .

الدستور العراقي اقر مبدأ الفصل بين السلطات وكما جاء في نص المادة (47) من الباب الثالث فقد عرف السلطات الاتحادية وكما يلي:

 

(تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات).

لكن الدستور العراقي لم يأخذ بالفصل المطلق بل اخذ بالفصل النسبي حيث إن التداخل في الصلاحيات بين السلطات الثلاث من خلال اختصاصاتها المنصوص عليها في العديد من المواد الدستورية.

ويمكن ذكر بعض المواد القانونية كأمثلة واضحة عن التداخل في الصلاحيات ونسبية مبدأ الفصل بين السلطات:

المادة (60):

أولا:

  (مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء).

بينما يكون اقتراح مشروعات القوانين وإقرارها من صلب عمل السلطة التشريعية.

المادة (61):

يختص مجلس النواب بما يأتي:

سادساً :

أ ـ مساءلة رئيس الجمهورية بناءً على طلبٍ مسبب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب.

ثامناً :ـ

أـ لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء، بالأغلبية المطلقة، ويُعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناءً على رغبته، أو طلبٍ موقع من خمسين عضواً، اثر مناقشة استجوابٍ موجهٍ إليه، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تأريخ تقديمه.

ب ـ

2ـ لمجلس النواب، بناءً على طلب خُمس (1/5) أعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولا يجوز أن يقدم هذا الطلب إلا بعد استجوابٍ موجهٍ إلى رئيس مجلس الوزراء، وبعد سبعة أيام في الأقل من تقديم الطلب.

المادة  (64):

أولا :ـ يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء .

المادة :(19)

أولاً :ـ القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون

المادة (73):

يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الآتية:

أولا :ـ إصدار العفو الخاص بتوصيةٍ من رئيس مجلس الوزراء، باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص، والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري.

ثامناً :ـ المصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة.

المادة (88):

القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة.

 

المواد الدستورية أعلاه أمثلة واضحة لتداخل الصلاحيات للسلطات الثلاث وكان على لجنة كتابة الدستور عدم الإشارة والذكر للمادة (47) لأنها تذهب إلى الفصل المطلق بين السلطات الثلاث عكس الواقع الفعلي إذ لا يوجد هناك فصل مطلق بل فصل نسبي بين الاختصاصات للسلطات الثلاث .

التعديلات الدستورية هي لصيانة الدستور وليست منقصة منه كما يعتبرها البعض. 

العديد من الدساتير العالمية شهدت تعديلات وعلى مراحل حتى وصلت على ما عليه الآن كالدستور الأمريكي الذي طرأت عليه العديد من التعديلات فالحاجة إلى التعديلات أو إعادة الصياغات القانونية لبعض المواد تنبع من خلال التطبيق أي بعد ممارسة السلطات.

 

 

المحامي

اسماعيل كاظم البديري

دبلن

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1472 الخميس 29/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم