قضايا وآراء

إيران - فوبيا / حامد خضير الشمري

لم تستطع حتى الآن من تسوية خلافاتها الداخلية في أدنى حلقاتها السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية . وهي في تضاد أزلي واشتباك دائم أن لم يكن قائما سعت إليه وهيأت له الظروف الذاتية والموضوعية . وكثيرا ما كانت تخطئ في حساباتها لأنها تنهض على دعائم الوهم وتستند على أسس الإيهام وقد فوتت على نفسها فرصا تاريخية كادت تغير مساراتها . وإذا كان الذكي لا يكرر الخطأ ذاته مرتين فان أي مسئول أو مسعور عربي على استعداد أن يعيد (خطيئته) عشرات المرات لكي يبقى في منصبه ولو بشكل رمزي . وكان بوسع هذه الأمة أن تكسب الأرض والسماء لكنها أضاعتهما معا وأخذت تصدر تاريخها إلى أعدائها وتستوردهم إلى جغرافيتها لحماية المناصب الفخرية التي يتمتع بها أصحاب السيادة والفخامة والسمو . ولان النخب الحاكمة لا تفكر إلا بإشباع حاجاتها البهيمية وإطفاء رغباتها الغريزية فان حصة الغالبية الساحقة ليست إلا وعودا طويلة الأجل أو ما يتساقط من فتات موائد السلطة . وهنا تبرز الحاجة القصوى (للشماعات) التي يعلق عليها (الحكام المحكومون) خيباتهم وسقوطهم المادي والمعنوي . ولم يغب (العدو) الواقعي والمفترض عن الخطاب السياسي العربي طيلة القرن الماضي ومستهل القرن الحالي وسيبقى قائما عقودا قادمة أخرى حتى يوشك على أن يمتد ويتمدد منبسطا على فسحة كبيرة من القرن القادم وما يليه ما دام المتسلطون يورثون عروشهم وكروشهم إلى أبنائهم وأحفادهم فالسلطة (جين) لا تحدث فيه طفرة وراثية خارج أصحاب (الحق الإلهي). ولعل ابرز (عدو فتاك) تم تشخيصه في مختبرات الغباء العربي هو (إيران) ... هذا الاسم يثير الرعب ويبعث على الفزع الموجب للتوقي حتى لو جاء بشهادة مصدقة تثبت سلامته من الأمراض السارية أو المستوطنة.

لقد أدرك الموساد الإسرائيلي، بما يتمتع به من خبرة، ثقل هذه الدولة وإمكاناتها وإمكانية كونها ظهيراً هائلاً للعرب والمسلمين الذين يلتحم الصهاينة معهم في صراع تاريخي فأوهموا كثيراً من العرب (الهاربة) بالخطر الإيراني خاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية نهاية العقد السابع من القرن الماضي . وبدأ الإعلام الغربي يتحدث بقصديه عن الغزو الإيراني الوشيك للخليج وتصدير الثورة فأستوطن الإرهاب نفوس أمرائها ومشايخها وملوكها واستنجدوا بقوات أسيادهم لحماية بلدانهم المفوضة بالطابو الأمريكي وهكذا وصلت الأقراش الهائجة إلى مياه الخليج الدافئة بدعوة من السلاحف البلهاء المتواجدة على شواطئه الغربية .

ولأن الصياد ذكي والفريسة شرسة فلم يورط نفسه مباشرة باصطيادها. وما دام لديه العديد من كلاب (رهن الإشارة !) التي أتقن إعدادها في حظائر مخابراته، فلماذا لا (يهيب) بأحدها وينتدبه لهذه المهمة ؟ لذا أطلق كلبه (المضموم) باتجاهها وظل يراقب عن بعد ويترقب حتى أثخنت الفريسة بالجراح وأخذ الكلب يستغيث ولم تجده أية نجدة نفعاً فتم (سحله) من الميدان وهو يرسم بذيله علامة النصر !

لقد استنزفت الحرب العراقية – الإيرانية الكثير من طاقات البلدين وأزهقت أعدادا هائلة من أرواح شعبيهما. وساهمت دول الخليج بشكل فعال بإراقة الغزير من دماء المسلمين عبر تدخلها المشين في هذه المطحنة. وكان تطبيق شعار (منا المال ومنك العيال) السبب الفاعل بإطالة أمد الحرب. وبعد أن انتهت وقع وبالها على تلك الدول خاصة. وما حدث في الكويت ليس خافيا على احد . وكانت السعودية المرشحة الثانية للغزو العراقي المؤجل وصولا إلى غيرهما من دول الجوار العربي . فالخطر إذا لم يأت من إيران بل من الشقيق الذي ظل يعانق شقيقه بحرارة حتى قطع رأسه !

وظلت دول الخليج تتآمر على العراق إلى أن وقع الزلزال وتشظى كل شيء .. وعادت الشماعة الإيرانية إلى الواجهة بقوة مرة أخرى . ورأى فيها أصحاب الأكشاك السياسية من المعتوهين والمأفونين المتسكعين متسعاً لكل اتهاماتهم وتهيؤاتهم المتأتية مما يعانونه من فصام وانفصام وعصاب قهري وترسبات بدأت تتنفس من جديد . فالشاهد يرى والمصغي يسمع ما يضحك حد القهقهة من تصريحات بعض هؤلاء وإقحامهم إيران في كل لقاء على أية (فضائحية) والأغرب من هذا كله إن زنادقة القاعدة غالباً ما يعلنون مسؤوليتهم عن بعض العمليات الخسيسة لكن هذا (المغولي) أو ذلك (التتري) لا يلقي التهمة إلا على إيران أو (الميليشيات الإرهابية !!) التابعة لها . ويصم أذنيه ويغمض عينيه عندما يعترف القادة الأمريكان بان العبوات الإيرانية هي التي تفتك بقواتهم . وكان الأجدى بهؤلاء (المجاهدين) أن يمدوا أيديهم بحرارة إلى إيران انطلاقا من قاعدة عدو عدوي صديقي إذا كانوا يعادون الأمريكان فعلاً.

إن (شرفاء !) ما يسمى بـ (المقاومة – المساومة) لا يهدفون إلا إطالة أمد الاحتلال فهم يشعلون الحرائق في كل مكان مقدس أو مدنس ويقتلون (أي) عراقي لكي يبقى الأمريكان بحجة اضطراب الأوضاع لان استقرارها يستوجب رحيلهم.. أما المقاومة الحقيقية فهي التي تقاتل وتفتك بالمحتل والعدو الحقيقي – الإرهاب المتواري خلف مسميات عدة. لقد كان الأعراب عرّابي إسقاط النظام العراقي السابق . وانطلقت من (مملكة النهي عن المعروف والأمر بالمنكر) معظم القوات التي ساهمت بتدمير العراق أو تحريره . ولم تفلح الولايات المتحدة بإقناع إيران للسماح لها باستخدامها ممراً لضرب العراق ولم تغلق قبل ذلك حدودها لمحاصرته كما فعل (الأشقاء) لكن التكفيريين والنواصب اخذوا يهزون ذيولهم لهؤلاء الأجلاف ليعيدوا لهم مجدهم الزائل وبدأوا يتآمرون على إيران وشيعة العراق لأنهم

صفو يون أو بويهيون أو قرامطة أو ما شابه ذلك من الصفات التي كان يلعلع بها المعتوه (جحشان بن زگاط السايب) وأشباهه من الناعقين. والأكثر خسة من هذا كله ما كان يصدر من فتاوى الضالين المضلين أمثال (ابن باز) و(ابن جبرين) وغيرهما (بوجوب) قتل الشيعة وانتهاك أعراضهم وأموالهم (تقرباً) إلى الله سبحانه ! في حين سعوا جاهدين للتعايش مع الصهاينة لأنهم أصحاب ديانة وكأن الشيعي الذي ينطق بالشهادتين ويصلي ويصوم ويزكي ويجاهد في سبيل الله لا دين له !!

لقد لعبت السعودية بالنار كثيراً وتوضأ ملوكها وأمراؤها بدماء المسلمين حتى تخضبت لحاهم .. وهم اليوم يؤلبون العالم كله لضرب إيران (الملحدة !) ومنشأتها النووية ولم يدعوا مثلا لتدمير مفاعلات إسرائيل (المؤمنة) أو روسيا (المسلمة).  وستتبرع السعودية بدفع كافة تكاليف هذه الحرب وتقديم التسهيلات اللازمة لها في الوقت الذي (تتظاهر) فيه بالسعي لا يجاد حل سلمي للأزمة ! إن (الجرة) السعودية لن تسلم هذه المرة أبدا ولا يمكن لإيران أن تتفرج على اليد وهي تمتد لتنحرها وسيعود الخليج برمته إلى البداوة إذا ظل قائما، فإيران تمتلك منذ سنين العديد من الرؤوس النووية الذي حصلت عليها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق عند تفككه إضافة إلى أسلحة فتاكة أخرى وقنابل نووية أنتجتها مفاعلاتها السرية . وما فوق الأرض الإيرانية لا يمثل إلا نسبة ضئيلة مما تحتها .وعلى السعودية وحلفائها من (العرب الشاحذة) أن يرعووا ويقتنعوا بواقع الأمر، فوجود رئيس وزراء شيعي لحكومة وحدة وطنية لا يعني نهايتهم أو نهاية العالم . وعليهم ألا يستقطبوا المتآمرين على شعب العراق وشرعية الحكومة المنتخبة ديمقراطياً وألا يرصدوا الأموال الطائلة لذبح العراق من جديد . إن سنة العراق ليسوا تبعاً لمصر أو الأردن أو السعودية أو غيرها لأنهم من أهم أعمدة العروبة والإسلام وشيعة العراق ليسوا تبعا لإيران أوغيرها لأنهم أصل الإسلام ومنبع التشيّع.ويتحتم على السعودية والكويت وبقية دول الخليج أن يدركوا أن الشعب العراقي الذي أرغم المحتلين على الانسحاب قادر في المستقبل القريب أن يلقن المتواطئين مع المحتل من الذين سهلوا مروره إلى أراضيهم وسببوا له هذه الكوارث دروسا بليغة جدا تكفي لنتف اللحى وقلع الشوارب والهروب مرة أخرى حيث لا مهرب حينذاك. وعلى النظام السياسي العربي المتردي أن يعالج نفسه من قصر النظر الوراثي ويرفع الغلالة السوداء التي وضعها الآخرون على عينيه حتى يرى الأمور على حقيقتها فما بينه وبين إيران من القواسم المشتركة أكثر مما بينهما من التضادات وإذا رأى خلاف ذلك وأخذته العزة (بعروبيته) فلماذا إذا يتمذهب بمذهب أئمة (الفرس) ويحارب معتنقي مذهب أهل البيت النبوي (العربي) الأصيل نسباً وانتسابا .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1472 الخميس 29/07/2010)

 

في المثقف اليوم