قضايا وآراء

ثورة في عالم الفلسفة / حسن الشرع

لم اكن انا الوحيد فقد حصل كل من طلبته على نسخته والحق ان الشيخ رحمه الله كان حريصا على اداء واجبه العلمي والتربوي.حاولت على قدر استطاعتي ان اقف على موضوع الكتاب الذي استعصت علي رموزه وطلاسمه، لكنني انتهيت الى ان الموضوع يخص الاستخارة، وبعد ان سالت والدي رحمه الله في حينها، علمت ان الخيرة او الاستخارة هي مما يراد للمؤمن العمل به عندما يحتار، لكنني لم اكن اعلم شيئا عن الفلسفة ولم أجد ربطا بين امر الاستخارة والفلسفة بما هي كينونة او سلوك او معرفة او عقيدة، اقول لم اجد الربط بين الاثنين، الا ما ارتبط به اي شيء مع اي شيء اخر في هذا الكون او اي كون اخر.بما اسميه علاقة الفضاء العام.تعتمد وسائل الاستخارة على اهداء الفرصة للصدفة في ان تقول كلامها للحائر المستخير المستجير، لكن الذين يقولون بها يتكلمون عن قوى ميتافيريقية تقف وراء حدوث الصدفة، فلا بد ان الخالق هو الذي يوجه الامور التي تقود اليها بما يفيد المستخير ..سمعت عن احدهم وقد كان مولعا بالاستخارة الى الدرجة التي كان يستخير ربه عندما يذهب الى فراش الزوجية!فهو حائر دائما ومستخير دائما يبحث عن الاصلح عن هذا الطريق.

طلب أ.د.عدنان النقاش احد اساتذتي الافاضل مني في احد ايام العطلة الصيفية ان اسجل ملاحظة علمية قالها لي، لكنه استغرب بل استنكر جوابي حين اخبرته باني للاسف لا احمل قلما..قال حينها هذا شعارك ومادتك ووصفك ورحلك وراحلتك وزادك وشرابك وسلاحك وانيسك ...!فكيف تكون من غيره؟ ادركت حينها فداحة ما اصابني من وهن تحت قوة سوط تانيبه وتقريعة.

كنت اتثاقل من حمل القلم صيفا فلربما انسكب منه الحبر على قميصي الذي يفترض ان ارتديه لموسم كامل بمناوبة قميص اخر، لا غير، فالحال لم يكن ميسورا ..لا اعلم فقلم الجاف لم يكن شائع الاستعمال ولعله لم يصل الى ايدينا على الرغم من ان قمصاني لم تكن بمنجى من حبره لاحقا .

لطالما اثارت استغرابي الاوراق التي يحملها المصممون الكهول اثناء حضورهم عروض الازياء النسائية وهم يسرحون شعرهم بتسريحة ذيول الخيول، ترى ما عساهم ان يسجلوا من ملاحظات او انطباعات ..لا اخفيكم سرا ان قلت لكم ان الامر يثير فضولي وليس استغرابي، لكنني أحيانا اتفهم الضرورة التي تجعل مدربي فرق كرة القدم يحملون معهم الاوراق الى الميدان.

اذكر انني قرأت شيئا عن مواصفات القلم الذي يستخدمه رواد الفضاء وكيف يعمل في ظروف انعدام الجاذبية التي لا تعيق تدفق الحبر فقط بل تعبق حتى عملية تبولهم، واظن اننا ندرك الان اكثر من اي وقت مضى ان حاجة الانسان ان يكتب لم تكن اقل من حاجته لان يتبول واذا دار الامر بين ارجحية احدهما على الاخرى فلا اقل من ان يكتب اولا ثم يتبول ...لا اعرف ربما كان هذا هو جواب نيل ارمسترونك فقد كان غفر الله ذنبه بنصبه العلم الامريكي على سطح القمر اقول كان فقيها لا يستخير ولا يستجير.

أصدق الرواية التي تقول ان النبي محمدا اوصى ان يحضرو لها قرطاسا وقلما ليكتب وصيته..ليس من باب (الايمان السلفي) او(البهتان الرافضي) ..ولكن من باب فلسفة الخالصي وتقربع النقاش وذنوب ارمسترونك وتسريحة ايليا صعبا و باسل سودا وزياد ناكاد الذين تمنعنهم صلعاتهم من ان يكون لكل منهم في مؤخرة راسه ذيل لحصان قوقازي، وروبرت (ابي )نادر صاحب الاطلالة التي لا تضاهيها اجمل نساء العرب حتى ان اختفت تسريحته تحت قبعته!، وقرط اذن مارادونا الذي استعاض به عن القلم.

عندما انظر لأزياء الشابات والشبان في الوقت الحاضر احسدهم كثيرة على كثرة الجيوب التي فيها، كل هذه الجيوب مجهزة بسحابات (zippers) لكنها وللاسف لا تستعمل بتاتا وكان مصممي الازياء أفتوا بحرمة استعمالها ‘حتى ان كان الاستعمال بوضع القلم في جيب الركبة!اما القمصان فالمصممون يرون السنة في عدم الوجدان وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

تعرض القنوات التلفزيونية بين الحين والاخر مشاهدا لعرابي السياسة العراقية الجدد بكل تسريحاتهم وصلعاتهم واغطية رؤوسهم تتقدمهم كروشهم التي لا تسترها اربطة اعناقهم الفاقعة او عباءاتهم الاسلامية المصنوعة في دول الجوار وهم يفركون بمسابحهم كما يفرك المارد بالمصباح السحري .الجميع يبتغي مرضاة الله سبحانه وتعالى اولا وخدمة ابناء الشعب ثانيا وثالثا واخيرا..اعرف ان المسبحة التي يسميها العراقيون (سبحة) تستخدم للتسبيح وهو ذكر الله في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، كما اعلم انها تنفع في طلب الاستخارة عندما يحتار السياسي في اي الطريقين اقرب لله واكثرها فائدة للناس.

أخبرني من يحقد على اركان السياسة العراقية ان احد المسؤولين احتار وراح يفكر كثيرا قبل ان يعطي موافقته على قيام عملية امنية تستهدف الارهابيين وفي نهاية المطاف قرر بعد ان فرك مسبحته..يقول ذلك الحاقد ان ذلك المسؤول لم يكن يحمل قلما ولا ورقة وليس بحاجة اليهما مادامت معاه مسبحة طويلة بمئة خرزة وخرزة وشاهود!.

لا نسمع في العراق عن اعمال خيرية تتماشى مع قيام الكثير من قادته بالاستخارة وبالتاكيد فانهم ان استخاروا السماء وكانت النتيجة ما هو حاصل على ارض البلاد من هرج ومرج وتوقف لمصالح الناس فاما انهم يعملون بعكس ما هداهم الله اليه، او ان الله يريد ظلما بالعباد والعياذ به . لكن النبرة ترتفع بين الحين والحين بان العراقيين يستحقون ما يجري لهم..ولا اعلم ان كان الحال كذلك فما هو دورهم ودور مسابحم التي حملها البعض، وما الذي يمكنهم ان يعملوه سواءا استخاروا او لم يستخيروا اذا كانت هذه هي ارادة السماء وهي ارادة نافذة لا محال، واذن فلماذا يتولون، ومتي يولون.

لا بد ان الشيخ حميد الخالصي كان متأثرا بالواقعية الاشتراكية عندما كتب كتابه (ثورة في عالم الفلسفة) فالعنوان يوحي بذلك، كما أن ذلك حصل في زمن الستينيات من القرن المنصرم، وهو زمن يقال له (فترة المد الثوري)، على الرغم من التناقض الحاصل في الاصطلاح بين مفهوم الفترة والفتور والثورة ومدها.

لقد حلت اجهزت الهاتف في كثير من الاحيان محل القلم والورقة، لكن لايوجد سياسي محترف واحد لايجد على الطاولة وامام المقعد المخصص له قلما واورقا يدون مايمكن ان يعينه فيما يريده وما لا يريده، وما عدى ذلك فلا مسبحة على طاولة ولا حيرة في امر في زمن اصبحت المعلومة متاحة ..انه عصر المعلومات وليس عصرالمسبحات.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1473 الجمعة 30/07/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم