قضايا وآراء

الأخطار الكامنة في النباتات المعدلة جينيا / صالح الرزوق

وإن صناع السياسات في أوروبا بصدد وضع حدود جديدة حول المسافة المسموح بها للمحاصيل التقليدية أن تبتعد عن المحاصيل م ج ( = معدلة جينيا)، وهي تحت التجربة الحقلية، وذلك بغرض منع انتقال حبوب لقاح المحاصيل م ج، ولكن فيما بعد تبين أن هذه الحدود والمحاذير مشبوهة وغير متطابقة مع تأثيراتها. وتشير نتائج أول تجربة واسعة النطاق حول تدفق المادة الجينية والوراثية من لفت البزر الزيتي  م ج oilseed rape بالمقارنة مع أقاربها التي تعيش في  الحالة البرية إلى أن التهجين بين المحاصيل والأعشاب يتحقق بشكل نادر ولكنه قابل للتحقق.  وهناك أيضا جرس خطر يدق حول الزراعة العشوائية للفت البزر الزيتي الـ م ج في عدد من مزارع شرق أوروبا. ذلك أن مشكلة الاختلاط غير المحصور يمكن له أن ينتشر وهناك إشارت عليه ناجمة من عينات عشوائية قامت بها شركة تدرس وتصنف المواد الـ م ج . إن البصمة الوراثية لمنطقة فير فيلد في أيوا وجدت أن أكثر من نصف عينات البذور التقليدية المستمدة من شركات توزيع أمريكية تتضمن بذورا م ج .

و هناك مشكلة أخرى مستمرة في التخمر فيما يتعلق بما يسمى تجاوزا البذور الماحية الـ م ج . مثل هذه البذور تستطيع أن تدعم نمو جيل واحد فقط من النباتات، ولكن بذور الجيل التالي تكون عقيمة. وإن المزارعين البسطاء في البلدان الأقل تطورا من العالم ينظرون إلى هذه التقنية كخطر إقتصادي هدام لأنهم يعتمدون على الاحتفاظ ببعض البذور من محصولهم للزراعة في الموسم القادم. وفي شهر آب أعلنت وزارة الزراعة الأمريكية (USDA ) أنها ستقاطع تقنية البذور الماحية، وذلك من أجل الوقاية من الخطر البيئي – على سبيل المثال، من التلقيح الخلطي بالمحاصيل التقليدية، والتي يمكن ان تتحول إلى نسل عقيم فيما بعد. ( وقد كانت وزارة الزراعة الأمريكية عضوا يحمل شهادة التقنية الماحية، ولكنها في نفس الوقت صممت البذور المعدلة هندسيا لتضمن أنها آمنة بما فيه الكفاية للاختبار في الحقل ثم البيع على نطاق تجاري واسع).

غير أن المحتجين على التقنية الحيوية عارضوا بشدة هذا القرار. 

و بالرغم من الاهتمامات البيولوجية والأخلاقية، إن الفوائد المحتملة من الـمحاصيل الـ  م ج  تبقى موجودة. خلال هذا العام تم العثور على مورث يساعد في تحديد حجم ثمرة نبات  الطماطم وقام بذلك آن فراري وستيفن تانكسلي وغيرهم من العلماء المساعدين الذين ينتمون لطاقم جامعة كورنيل، في إيثاكا، نيويورك. وهذه أول فرصة يمكن العثور فيها على صفة كمية مثل الطول والوزن بالنسبة للنباتات. ولأن الجينات ذات العلاقة متواجدة في أنواع نباتية أخرى، إن الاكتشاف قد يفتح الطريق للهندسة الوراثية في النباتات العملاقة والخضار والحبوب ثم تطوير نباتات برية مختلفة لتصبح محاصيل جديدة وكبيرة بالحجم.             

للمحاصيل الـ م ج إمكانية أساسية في التحول إلى منتوجات لها فوائد علاجية وصحية. في أيلول ذكر شارلز أرنتزين من جامعة كورنيل أن فريقه قد صمم وراثيا لقاحا للطماطم والموز بمقدوره أن يقضي على التهاب الكبد ب، ولذلك فهو مرشح لإنقاذ مئات الألوف من الأحياء كل عام. إن هذا اللقاح الغذائي ينتظر الرخصة من USDA حتى يسمح بزراعة هذه النباتات على نطاق تجاري.

و إن اللغط الذي يحيط ببحوث التعديل الوراثي يتجه نحو التغطية على مسيرة التربية التقليدية للنباتات. ولقد أعلن مركز جون إنيس في نوريش بإنكلترا في شهر أيار أثناء سيمنار لبحوث التغذية في لندن أنه أنتج " بروكولي متطور – قرنبيط لا رؤوسي معدل " بتصالب البروكولي العادي مع أنسابه البرية والتي تضم 10 أضعاف المعدل من مادة كبريت فان، وهو مركب يساعد في القضاء على المواد المتسببة للتسرطن في جهاز البشر الهضمي. وأشار الباحث دافيد غرافين ورفاقه من طاقم USDA أيضا إلى مورث في سلالة من الشعير تتحمل معدلات عالية من الألمنيوم في التربة. وإن التسمم بالألمنيوم يضر بنصف الأراضي المزروعة في العالم، وقد فتح هذا الاكتشاف باب الاحتمالات لتربية أصناف متحملة للألمنيوم في محاصيل أخرى وهذا يعني توسيع مناطق بور شاسعة.

و إن أفكارا مدهشة تمت إضافتها إلى أساليب مقاومة النباتات لهجوم الحشرات الضارة. فالنباتات التي تعاني من ضرر الحشرات تفرز كيميائيات ينقلها الهواء، وبذلك تجذب مفترسات تتغذى على الحشرات، فنبات فصولياء  ليما  الذي يتعرض للهجوم من قبل بؤر إصابة يعتمد على النباتات المجاورة لمقاومة المفترسات. وقد وجد فريق عمل يقوده جينيشيرو أريمورا من مؤسسة البحوث المتطورة للتكنولوجيا البيولوجية أن ثلاثة زيوت  terpenoids ( 1 ) متطايرة تتحرر من قبل النبات المحاصر وبالتالي إنها تحرض على تشكيل  مورث الدفاع في النباتات المجاورة. هذه الكيميائيات يمكن أن تستخدم بأشكال مقاومة  " جديدة " وطبيعية خاصة بالمحاصيل. وتم العثور على مركب جديد يدعى بروشينز bruchins في خنفساء البازلاء أثناء وضع البيوض على نبات البازلاء. ومن ثم تفعّل الكيماويات المورث في النباتات فيحاصر بيوض الخنفساء بنموات صغيرة ورمية، وهذه بدورها تخنق اليرقات بعد أن تفقس.

و لأول مرة، تمت مشاهدة التخصيب الانفجاري للزهور . بعد أن تحط حبة اللقاح على ميسم الزهرة، فإنها تنتش، وترسل أنبوبة إلقاح متطورة إلى أسفل نحو المتاع. وعندما تدخل أنبوبة الإلقاح إلى الكيس الجنيني في الزهرة، فإنها تلقي محتوياتها ما بين الخليتين الرافدتين العقيميتن المتوضعتين على جانبي البويضة، وتمزق القمة، وتحرر الجاميت. ويسجل تيتسويا هيغاشيمايا من جامعة طوكيو وزملاؤه ملاحظة حول أنبوبة الإلقاح وهي تنفجر، وتفرغ محتوياتها بتدفق معدله 50 ضعفا من تدفق تيار السيتوبلاسم الذي شوهد في الأنبوبة قبل التفريغ، وعلى الفور تتحطم إحدى الخلايا الرديفة.

و إن الافتراضات حول كيفية استجابة الأشجار لارتفاع الحرارة العالمي ومعدلات ثاني أكسيد الكربون العالية تعتبر بمثابة برهان قاطع على تعقيد المسألة بالمقارنة مع الأفكار السابقة. فدراسة تطور شجرة في ألاسكا يميط اللثام عن أن معدلات حرارة أعلى في القرن السابق تسبب بالجفاف والإجهاد. وهذا الاكتشاف يربك حساباتنا فيما يتعلق بأن الغابات الشمالية التي تمتص بعض ثاني أكسيد الكربون الإضافي هي المسؤولة عن ارتفاع الحرارة العالمي. وقد حذر مركز البحوث البريطاني ( هادلي ) المهتم بالتنبؤات المناخية والمتمركز قرب لندن من أن السخونة العالمية ستبيد ثلث الغابات المطرية في الأمازون بنهاية القرن الـ 21 وذلك بسبب ارتفاع الحرارة والجفاف.

و الجهود المبذولة للمحافظة على الأنواع النباتية من الانقراض تعتمد بنحو متزايد على تخزين البذور في بنوك البذور، ولكن برهانا مزعجا يكشف الغطاء عن نقص منذر بالشر المستطير لهذه البنوك.

و حسب توقعات ستيفانو باديولوزي، معهد المصادر الوراثية النباتية العالمي في روما، إنه من بين  5300 نوعا من النباتات المغذية المجموعة على نطاق العالم، لها عينات مفردة بمعدل يزيد على النصف في بنك البذور، ومع ذلك إن كل نوع له أكثر من  مئات بل آلاف الأصناف. وعدد من هذه المحجموعات قد أتلفت على يد بنوك البذور بسبب العجز في التمويل، ولا سيما في البلدان الأقل تطورا. وعدد لا بأس به من هذه البذور تفقد حيويتها. ذلك أنه إما أن البذور بحاجة للبذار كل عدة سنوات لجمع بذور طازجة، أو يجب حفظها في غرف عالية التبريد. ولكن معظم بنوك البذور، على أية حال، غير مزودة بالمجمدات. 

 

هوامش :

 1 – إضافة الأكسجين لهيدرو كربون خماسي.

 

المصدر :

Life Sciences, by : Paul Simons  (2009). Encyclop?dia Britannica. Encyclop?dia Britannica 2009 Ultimate Reference Suite.  Chicago: Encyclop?dia Britannica.

 

بول سيمونز / صالح الرزوق

2010

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1474 الاحد 01/08/2010)

 

في المثقف اليوم