قضايا وآراء

المجتمع.. والأمن الوطني / قاسم حسين صالح

وبتقدم علم الاجتماع السياسي وعلم النفس السياسي تراجعت هذه الفكرة وصارت تمثل عاملا في تحقيق الأمن الوطني الى جانب عوامل اخرى. وفي هذا تحول فكري واجرائي أدى الى أمرين، الأول: تخطيء فكرة ان الأمن الوطني يتحقق بالقوة العسكرية، والثاني: تغيير في استراتيجية الدولة الحديثة وخططها في تحقيق الأمن الوطني تشمل ميادين أخرى لا علاقة لها بالقوة العسكرية والأمنية.

والدليل على قصور ان الأمن الوطني يتحقق بالقوة العسكرية لوحدها هو أن كثيرا" من الدول دخلت معارك واسقطها الداخل (المجتمع) قبل ان تسقط جيوشها في المعارك. وشاهد من الوطن أن النظام السابق اسهم (المجتمع) في اسقاطه واطيح برئيسه، فيما دول أخرى سقطت جيوشها في المعارك ولم يطح المجتمع بنظام حكمه، ولنا ان نتذكر كيف ان الشعب المصري طالب ببقاء رئيسه عبد الناصر برغم أنه قدّم استقالته اثر هزيمة نكسة 1967.

ان المفهوم الحديث للأمن الوطني هو أنه قضية اجتماعية واقتصادية ونفسية الى جانب كونه قضية سياسية وعسكرية تتعلق بحماية أمن الدولة. وان الفشل في احد ميادينه يؤدي الى خلخلة أمن الدولة وتعريضه للخطر حتى لو كانت تمتلك ترسانه عسكرية قوية.

ولتوضيح ذلك، لنتفق على ان (الأمن) يعني التحرر من الخوف. والسؤال هنا: الخوف من من؟ ومن ماذا؟ . لقد كان جوابه التقليدي هو الخوف من خطر  تقوم به قوة بشريه خارجية تعرّض الفرد الى الافناء والمجتمع الى السيطرة والاستغلال، وتغيير النظام أو اسقاط الدولة. لكننا نرى ان هنالك عوامل في داخل المجتمع نفسه يمكن ان تفضي الى النتيجة نفسها. فالفقر في بلد غني يعدّ أهم عامل مجتمعي داخلي يهدد الأمن الوطني. فما دام الانسان ليس متحررا" من الخوف من الفقر، فأنه يشكّل عامل تهديد خطير للأمن الوطني. او لسنا نحن القائلين قبل الف سنة: (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهرا" سيفه بين الناس!).

وبتفشي البطالة المرتبطة بالفقر يتعرض الأمن الاجتماعي الى اكبر مصدرين للخطر، اذ هما العاملان الاساسيان لشيوع العنف والجريمة والارهاب، بل حتى الفساد الاخلاقي الذي يفضي الى التفكك الأسري وجرائم القتل غسلا" للعار.

ان العراقيين صاروا يدركون ان لا خيار لهم سوى التمسك بالنظام الديمقراطي، وان ما يحصل الآن من سوء تدبير امورهم سببه نوع المسؤولين في الحكومة. وانهم استوعبوا الدرس وتعلموا من تجربتين باهضتي الثمن كيف سيأتون بمسؤولين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، وحكومة تغادر فكرة الانظمة الاستبدادية بأن القوة العسكرية كفيلة بتحقيق الأمن الوطني، الى فكرة ان بقاء النظام الديمقراطي مرهون بتحقيق الأمن الاجتماعي اولا" الذي يمكّن الحكومة الديمقراطية من تأمين الرفاهية للناس.وهذا ما يأمله الناس من الحكومة الجديدة، فبدون ذلك لن يتحقق الأمن الوطني حتى لو كانت تمتلك قوة عسكرية بموازاة جيش الشاه أو جيش صدام.

 

أ.د. قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1474 الاحد 01/08/2010)

 

في المثقف اليوم