قضايا وآراء

المتشوّق للنّمو.. / محسن العوني

 إنّها الأجمل لأنها الأصدق ".. وجدت هذا المشهد في خاطري وبين عينيّ وأنا أقرأ إحدى قصائد الشّاعر الألماني العظيم ريكله:

العصافير في صمت

تطير في داخلنا

وأنا المتشوّق للنّمو

أجيل النّظر خارج ذاتي

فيما تنمو الشجرة في أعماقي..

ومن لم يلحظ بعينه الباطنة العصافير وهي تطير في داخله لم يُحسّ نماء الشجرة في أعماقه وكان غير مُتشوّق للنموّ فهو ذاهل عن نفسه فاقد لمعنى الحياة بل هو قبر متحرّك لا يرجو بعثا ولا نشورا.. أمّا إجالة النظر داخل الذات ورؤية العصافير وهي تطير في فضائها ومعاينة نموّ الشجرة في الأعماق وتربية الشوق للنّمو وإغراء العصافير بأن تبني أعشاشها في الشجرة فهو بعث يوميّ ونشور مستمرّ وهو تمام الانسجام مع سنن الحياة وطبيعة الأحياء..

كما الجوّ لا يحضن ميت الطيور كذلك شجرة الأعماق لا تنمو لدى من ليس متشوّقا للنموّ وعصافير المعاني والأشواق لا تطير في فضاء لم يتّسع لحرّيتها وانطلاقها..

.....................

......................

عيني غدت قديمه ..

فهات عينك البكر يا ولدي

عساني أرى جديدا ..

لعلّي أقرأ صحف السندس

 المكتوبة بسطور الشمس ..

فينقلب العمر

بدءا ولا نهاية

ويحلق طائر الفينيق

في سماوات الفرح..

قوّة الطفل في قابليّة النموّ والتطوّر والتجدّد التي يخترنها.. قابليّة هي أشبه بالجذر الريّان الذي يمدّ شجرة الكيان بنسغ الحياة وطاقة التقدّم وقود الطريق..

أتذكر تلك الرّاهبة البروتستانتيّة المتّقدة نشاطا وحيويّة وهي تتحدّث عن سرّ شبابها الدائم وإقبالها العجيب على الحياة والأحياء.. تقول : "إنّه الانتباه واليقظة.. حتى ننمو لا بدّ أن نكون منتبهين يقظين نحوّل جميع ما يصلنا إلى وعي وإدراك وقوّة دفع.. أجيل النظر في داخلي أراقب نهر الحياة وأحرص أن لا يمتلئ بالجثث وأن يبقى نقيّا متدفقا.. الله هو الغد وفي كل يوم أصلح من شأني لأكون أفضل فأستحق مقابلته.."

أمّا رولان بارت فيقول :"إني أرى لدى الطفل نموّي الشخصي وتطوّري الذاتي وحينما لا أرى ذلك لديه فإنّي على وشك المغادرة".

أما كونفوشيوس فيقول في ذلك :

"كل متحرك نام

وكل نام حيّ ..

وكل جامد يابس

وكل يابس ميّت .."

تأبى الطبيعة في فصل الرّبيع إلاّ أن تحتفي بنفسها وتلبس الخضرة والنضارة عنوان النّماء والتجدّد وتنشر ألوانها الزاهية في كل حقل ومرج ورابية "صبغة اللّه ومن أحسن من الله صبغة".

وتمام الحكمة مُسايرة الطبيعة والتعلّم منها والأخذ عنها.. ومن أضاع ربيع قلبه ذبُلت المعاني في كيانه وأسرع إليه الوهن وقريبا يُكتب في التراب ومن لم يتشوّق للنماء تشوّق إليه الفناء وأسرع إليه العدم.

"يا حسرة نفسي على من لا يرى سنبلة مثقلة الرّأس تميل ولا عصفورا يزيك ولا أقحوانة تميل على أختها ويوصد نافذة بيته وقلبه فلا يرى في الحياة حريّة ولا عطفا ولا خيرا عميما".

(أمين نخلة)

محسن العوني

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1476 الثلاثاء 03/08/2010)

 

في المثقف اليوم