قضايا وآراء

منفذ لأزمة الحضارة المعاصرة (1-3) / برهان الخطيب

تارة القتل بيد الأخوة الأعداء، وتارة بيد الأعداء الأخوة، إلى انسحاب المحتل الصوري الناقص أخيرا.

إذن المراوحة في ظلمات؟! كثيرة المقالات والكتب في هذا الشأن، وما زال العراق يحتكم لفوهة البندقية رغم كثرة ادعاءات.

 

النتيجة تراود كاتبا نبيها أسئلة: لمن يكتب؟ لنخبة معلوماتها وافرة؟ لبسطاء يريدون التعلم؟ لقارئ في غابات الأمازون بلا أبجدية؟ لأهل المريخ كما أفعل غالبا، لأطفال؟ لشباب؟ لشيوخ؟ إلخ..

 

تحديد مَن المتلقي ضروري للكاتب، لضبط درجة التأهب وعرض الموضوع بطريقة مقنعة، فتقريب وجهات نظر ومصالحة واستقرار من كاتب حريص على المنطقة، أو زيادة التأليب والفوضى والهلاك من كاتب مضارب بالمنطقة، هكذا تؤدى المهمة بنجاح، وإلاّ قد يطيش الخطاب، ويتفرق الخطّاب، ويفُقد الصواب، بين عقول صوّبت نحوها الكلمات، ثم غاب عنها جواب.

 

قديما، بل وحديثا أيضا، في أطروحات سريعة يعدها راغبون في التدكتر في عجالة ويُساعَدون في إعدادها وتمريرها لحيازة موقع في صراع الحرب الباردة حينه علنا، الآن خفية، لإصرار عمالقة على هيمنة.

 

أطروحات ذكرت، لا الأطروحات، فليست جميعها كُتبت في عجالة، ولا علم لي بجميعها طبعا، ولا جميعها سيِّست، رغم تسييس اللقب الأكاديمي من زمان، كما سيِّس كل شيء، استثني العلمية، و إلاّ ما بلغ العلم السوفيتي شأوا عاليا على مدرج الابتكار، الفضاء والسلاح وتكنولوجيا النانو المستثمرة حاليا حسنا في الغرب، بعد هجرة الكثير من العقول الروسية إليه، لضائقة عيش بعد البيريسترويكا مباشرة.

 

وفي جو "الماس برودكشن" حيث أنتج جيش من الأكاديميين الموالين للشيوعية، ولتفرعاتها أو أخواتها، شاعت فكرة، نيرة كانت وأصبحت مبتذلة، مفادها: اقرأ مائة كتاب وخذ من كل منها مقتبسا تصنع أطروحة. القصد بنيرة كان: على باحث دحض أو تعديل مائة بحث قبله، ليستحق أن يكون باحثا جديدا أخيرا، معترفا له بشهادة الدكتور العالية. ومبتذلة، لأن كثرة أصبحت تسرق أفكار غيرها، أو تتلاعب معها، كما مع كلب بيتي، وتطرح الحاصل كما لو أنها قامت بترويض ضواري الباحثين الكاسرة واستأنستها بحسن بيان.

 

قد يقال هنا برهان لتصفية حساب مع معهد وعهد قديم، قبيل الدفاع عن أطروحة مُنع المطلوب إثباته عليه. ذلك غير دقيق، الفرصة أتيحت بعد ذلك غير مرة للحصول على اللقب الأكاديمي، ونُحِّيَت بعد اقتناع لا شهادة ولا جائزة تصنع خبيرا وإنسانا حقيقيا أكثر من التجربة والسعي الطويل في الاختصاص. ليس السوفيت وحدهم حشروا أكاديميين في خنادق، غيرهم فعل ذلك أيضا، كالزرع في حدائق. أصحاب الشهادات المزوّرة الموزّرة حاليا في العراق لا يُحصون.

 

مقدمة تلك تحضر ونحن نسمع من فضائيات ونقرأ في كتب، للعديد ممن حملوا حرف الدال وما دل ذلك على علم، حتى لنفكر هل حضارتنا تتدهور حقا ولا ندري؟ تقنيا تتقدم نعم. روحيا على ذلك يختلفون. سلفيون، إسلاميون، مسيحيون، بالعودة إلى الماضي إنقاذا للحضارة يرون. وليبراليون، متحررون، يلهجون: ليس بلا ثمن تنبذ الحضارة موروث الأوهام. والكثرة راضية بما يأتي من أفلام، مدندنة تتحرك الحضارة على أنغام، مزعجة أو ممتعة شأن تعالجه عفاريت الأقلام، لو تبدت الحركة نشازا أو بين ألغام.

 

فيا ذا القلم الهمام، حبذا لو وضّحتَ ما عنيتَ بألغام؟ قد يسأل حلو من الإعلام، مكلف لرفع الضر عن الأحلام، والجواب: نعرف إلى أين يقودنا سلفيون، حتى لو داوروا عليهم قبعة بعمامة، نحن في الماضي ونعرفه فلماذا إليه يعودون، ويتساءل الرفاق الحائرون، إلى أين يقودنا الليبراليون، الرد هذا شأن ملبد بالظنون، مستقبل يهدده احتباس يهون، تلوث بيئي وأخلاقي ونفسي يكون وقد لا يكون، حال يبدو لعشاق قاتما غير راقِ، تلظى فيه العراق كما يبدو ليوم يبعثون، لكن أهل القدرة يسعون، ينظفون، مؤتمرات، انقلاب هنا غزو هناك، له يهيئون.

 

ويصيح السائل كفى، صدقناك، والمجيب تحرقه شجون: لكن العموم في فقر يرزحون، ومن مشاكل يعانون، أحلام هدرت، ثورة تموز 1958 مثلا مُزِّقت، احتلال يحل ويرتحل على هواه، إلى أين يجر عالما مثخنا بالآه؟ وقلة تأمل، تقول الوضع اليوم أفضل. والأصح، أمكن أن يكون أفضل، ولم يكن، أين العلة والمرام؟ وردة اسمها بغداد سُحقت بأقدام، كيف تسألها لماذا هالكة يا مدام؟!

 

الثورة العراقية ما زالت تضيء

كثيرة كتب العقدين الأخيرين في هذا الشأن المستباح، كأن الحل غير وضاح، وهو تعالوا وتعانقوا يا أخوة الجراح، من كل ملة وحزب في ميثاق صراح، يضمن في عهد السقوط بعض النجاح، مفاده لا مرحبا لمعتدٍ في حريق راهن بالرياح، لكن الكل أصم، وتُرحّل الأفراح، من وإلى عراق حلمه يرتاح، ولم تعد قيمة لطيِّب الكلمات في حضرة السلاح، فيما هو ينتشر حتى بين أيدي ملاح، أو أن ما نُشر صُبَّ رغم الآه عكس الاتجاه، هل سياسة النشر هكذا عن عمد أو اشتباه؟ نغم ناشز في فالس يؤدي السيكاه، الكلٌ تصرف على هواه، لمصلحة ضيقة فضاعت العامة والخاصة، وقد تضيع كل مشاريع التغيير، لو أُخرجت مثل غيرها عن تأطير، فإذا الهباء نتيجة العزم والقبض على المصير.

 

في النصف الأول من الخمسينات الماضية، قبيل ثورة 14 تموز 1958، رأينا في العراق وغيره المعارضة موحدة، البعث والشيوعي وغيرهما في جبهة، والسلطة مشقوقة بين متعاطفة مع المعارضة وكابحة لها، حزب الأمة الاشتراكي وصراعه الدائم مع حزب السعيد الدستوري وغيره، اليوم نرى المعارضة في العراق مشقوقة، والأحزاب الحاكمة رغم اختلافاتها موحدة في عداء للمعارضة، المهم أن تعادي طرفا، ذلك جوهر سياسيي السلطة اليوم في العراق، هذا من عدم تمثل تجارب الماضي في الداخل، أو بإملاء من الخارج، تلبية لإمساك الجميع في الداخل هكذا، فإذا اقتربوا إلى المعارضة تراهم انقلبوا على الخارج، دعهم إذن منقلبين على بعضهم، صيغة فعالة حتى الآن للسيطرة على الكل، استفرادا بالجزء.

 

في مكان آخر أكثر استقرارا وقدرة على التأمل يذهب نصف المعارضة أو كلها لتوافق مع السلطة، إدراكا بأن ما يهدد السلطة يهدد المعارضة عند خطر من الخارج، متعلمين من الواقع أكثر مما من كتب، تتكلم عن صغائر مهملة الكبائر. الواقع لمن يحفر فيه منجم، إذا استنطقته كتب بَنَت العالم، ولو إلى حين مثل رأس المال، أخرى هدمت أيضا فيه حين أصبحت جزءا من بروبغاندا، ثم عاد الواقع وحرك أهل عقل، نشطت قواهم لإنقاذ الحال من السطوة الخارجية، يسار في صعود جديد، شيوعيو بولندة، البرازيل، أمريكا اللاتينية، تيار بوتين، تغيرات الوسط الأوراسي إلى تركيا وإيران وسوريا وبالعكس، وطنيو العراق في معارضة وسلطة، تعديلا لمسار أحداث من إدراك متجدد بمتغيرات مستمرة، هكذا جدل الواقع والثقافة الأبدي، كلٌ يكشف تقصير الآخر ويحاول تجاوزه.

 

ثمة قائل: الثقافة جزء من الواقع، كما هناك ثقافة مستقبلية تستبق الواقع، وأخرى أدنى تستبقيه في مواقعه القديمة، كما هناك أكثر من ثقافة مستقبلية، وأكثر من ثقافة سلفية. ماذا تخدم الثقافة يحدد هويتها، أهدافا وطنية للأهل أو لغيرهم؟ تنوع الثقافات أفقيا له تنوع آخر عمودي، وداخل العمودي ثمة ما هو أعلى وأدنى وتنوع أفقي آخر، أي ما يشكل شجرة الحضارة البشرية الناهضة من تربة بابل ومصر واليونان والهند والصين واضعة الخير سماء لا سقفا لامتدادها، حتى جاء الشك الغربي وقطعها بفأسه ووزعها زينة على أصص الأفراد يقلّمون منها بحريتهم ما شاءوا لو نبتت.

 

تجلت تلك الحرية في منطقتنا مؤخرا بوضع كتب في فوضى، محتوى ونشرا، ذلك في الظاهر، وفي الباطن يؤدي ذلك لتشتيت الجذوة الوطنية، أساس الوجود المعنوي لإنسان، فتيسير إنزال إدراك أجنبي بدله، وتكريس الغزو الثقافي باختصار، عن وعي وغير وعي، هو غير التفاعل الخلاق بين الثقافات. كتاب عن ثورة 14 تموز يقتبس واضعه لبدايته مقتطفا من آخر: "معرفة تأريخ أي بلد أو شعب، وبالتالي معرفة طبيعة ظروف تطورهما هما الشرطان الضروريان لامتلاك القدرة على فهم وتفسير الأحداث.. فهما سليما صائبا".. إنما كيف هو الفهم السليم الصائب؟ لا يذكر المؤلف ذلك.

 

والذي اقتبس منه في الأصل واحد من مدينتي، من بلدياتي كما يقال، كان بعثيا، ثم تركهم وأصبح قوميا، ثم ترك القومية وأصبح دينيا، ثم إلى الطائفية، ثم أصبح دستوريا ملكيا، فديمقراطيا أخيرا، حكمت المودة. حتى شعره الجميل، المقلوب للوراء عادة على الطريقة العربية، سرحه وجعله كمن مسح عليه، أخيرا فرقه إلى اليمين على الطريقة الأمريكية.

 

لا بأس من التغيير طبعا، إذا كان طبيعيا متناغما مع النمو، لكن الفهم السليم الصائب إياه لا ينمو طبيعيا، يحتاج منهجا وضوابط، أساسا لفهم وإدراك وسلوك، ويكون سليما "نسبيا طبعا كي لا يقال ندعو للمطلق ونسقط في السلفية من الجهة المقابلة" بمقدار تطابقه مع ذلك المنهج المتفق عليه، في فهم تجربة شعب، مع هامش اختلاف، حيث يمكن النظر من زاوية وطنية أو قومية أو أممية أو دينية أو حتى طائفية، في حال نبعت هذه الاتجاهات من المصلحة المشتركة، مصلحة الوطن جامع الجميع، هكذا تكون استنتاجات من أكثر من زاوية صائبة، مثلا ليس في مصلحة العراق شن حرب من أراضيه على أي جار، تعلمنا هذا في دورة ضباط الاحتياط قديما، خلاف هذا الرأي اصطفاف ابن البلد والأجنبي في خندق واحد، تعريض المصلحة الوطنية، البيت العراقي، لخراب رأيناه ونخشى تكراره، درس تعلَمه وتعلِّمه تركيا الناهضة وبه تحظى باحترام شعوب المنطقة.

 

ويكون الرأي مراوحة، مونولوجا لا مشاركة في بناء، بالتعالم على الغير، مثل اقتباسات مسهبة لكتاب تموضع مع ايديولوجيته كزاوية لإحداثيات الأحداث بينما هو منها.

 

الوطني يمكن أن يكون قوميا وأمميا بل وحتى طائفيا لو خدمت انتماءاته الفرعية انتماءه الأصل، لا العكس. الوطني صالح للكل، إضافة للجزء، بل للانتماء الوطني أفضلية، على غيره من المرتكز على غير الأهالي، مصدر القوة الحقيقية والسلطة الشرعية. فلو شاء واستبدل أحدهم الأهل بمجتمع آخر، بمجتمع قرود مثلا وطنهم شجر، أو بباشوات وطنهم بنك، يتبع ذلك استبدال اللغة والعواطف وربما الطعام والأحلام، ليكون منسجما مع الوسط الجديد. الواحد حر في اختياره اليوم، لكن الاختيار يقود إلى مصير، في دنيا وضعها عسير، كما إلى حساب في يوم أخير.

 

الظاهر والباطن لقارئ متواضع

في فوضى النشر في الظاهر، وهي ليست فوضى رأينا في الباطن، تبدو كتب متأدبة أو مترصنة ذات لغة علمية، قد تقنع دارسا لكن لا خريج جامعة له خبرة، ينبو استفسار: لماذا هذا التشكيك بكتاب مثل ذاك عن ثورة 14 تموز، لماذا الاختلاف مع الباحث؟ يو، كما يقول السويديون، لأنه لا يناقش اقتباسه إلاّ نادرا جدا، لا يكشف علة أدت بنا إلى حاضر تعس، يأخذه كما هو و يبني عليه، هكذا يصبح التأليف تجميعا، تفصيل المفصل كما وصل عن أحد الأذكياء.

 

كتاب في حوالي خمسمائة صفحة ويقتبس 800 مرة له! أي بمعدل واحد ونص مقتبس لكل صفحة، صار في النتيجة "جودلية" خيطت قطعها الصغيرة معا والنتيجة خذ هذا الكتاب، أكيد لا يخلو من فائدة، كالسم إذا أخذ في حذر، خاصة لمن يريد التفرج في عجالة على ماضي العراق الحديث، أجنبي مثلا، كتاب لا يقدم جديدا على ما كتب حتى الآن في هذا الشأن.

 

هكذا حتى ليبدو لمتزمت إن اللغة الأكاديمية "العلمية" تساهم حينا في تكريس الجهل، وهنا قد يلوم قارئ متواضع نفسه على قلة فهمه، لا الباحث الذي فشل في تقديم ما يمكن أن يكون أطروحة ذات شأن في تأريخ العراق الحديث، لكثرة مشاكله وعارضيها وقلة معالجيها في آن، حسبهم في ذلك ربما ليس لعارضة أزياء مناقشة الكلفة ومناقضة البائع.

 

لنأخذ هذا المقتطف من تقديم الكتاب على غلافه الخلفي: شجون مشيمية واشجت بين سومر وهي تبعث بنفس عنقائي بعد أكثر من ألفي عام على يد زعيم عراقي نهج بالفطرة مسارا سويا.. إلخ، أولا لماذا سومر فقط وبلاد الرافدين سطعت ببابل أيضا وآشور وأكد وغيرها من شعوب "العراق" العريقة وساهم ذلك في تكوين شخصية العراقي الغنية على مر العصور خاصة بعد امتزاج تلك الثقافات بالأديان السماوية وتأريخه السياسي وصولا إلى ثورة 14 تموز العظيمة وما تبعها من خذلان، ولم أفهم تلك الشينات الثلاثة دون مناسبة لشجون مشيمية واشجت، لو صدرت من بولندي فهمناها حنين وطن، لغته لغة شين، كما الاختصار لا يشين، بالقول مثلا: الحاكم كوديا "وأفضل جوديا، من الجود، ومنها غود، الرب، انتقلت إلى الإنكليزية كغيرها" وقاسم هما الزعيمان العراقيان الوحيدان اهتما بالشعب حقا.

 

هكذا تتجلى الفكرة ببساطة دون تسلق هملايا لاصطياد من عش غير موجود. و لم ينس مقدم الكتاب تثبيت أن غوديا وقاسم من البنائين، لكن سمعنا أيضا خارجه أن قاسم أزيح لأنه أوشك على فضح بنائي العراق. ونقرأ لاحقا: قاسم بنى مدينة الثورة وكوديا مدينة لكش. وأغفل المؤلف أن صيحة الديك تواصلت من الشمال إلى الجنوب عهد الرشيد، أيضا خطة الإعمار في عهد الملك الطيب المرحوم، التي طبق منها الكثير في عهد الجمهورية، وطبعا سوف يغفل تعمير صدام لبغداد، واضح المنهج هنا، سياسي لا أكاديمي.

 

سلبيات الكتاب تبدأ من قراءة العنوان، العناوين العديدة للكتاب: عبد الكريم قاسم. من ماهيات السيرة "لا أفهم هذا". 14 تموز. الثورة الثرية "يقصد الخصبة، المستعملة كثيرا في الروسية" إلخ.. والمقصود بجميعها: الثورة العراقية 1958.

ما سبق نموذج لأسلوب كتاب أزمات، الاستطراد في عرضه ونقده يعني إعادة تحريره، كتاب عرضَ تجربة تموز بعد نصف قرن من عين الزاوية التي سببت ممارساتها خرابا لطرفين، أي نظرة حزبية ضيقة كانت طرفا في المشكلة، لا نظرة باحث منصف في أسباب نكوصها وخيبة العراق لاحقا، نظرة مشوشة من واقعنا المر آنذاك والحالي، حيث لم يتم الانتفاع بتجهيل وإكراه من معطيات جديدة، ووضع صورة صحيحة لما كان، لتصويب مسيرة، ذلك عن التفاصيل.

 

أما الفكرة العامة للكتاب "وهو جزء أول من كتاب ثان على غرار ثلاثية حنا بطاطو، مع البون الشاسع معها، لغة وعرضا" فقد صيغت هكذا: التأريخ الفعلي للعراق الحديث يبدأ من 14 تموز. ستوب، مَن قال ذلك قبلك؟

 

لا يذكر الباحث، أرى أيضا إن التأريخ فعل ورد فعل، وصانعه يعتمد على الفعل. ندخل في المقدمة ثم الفصول، وكل جيلي والذي قبله وبعده يعلم: ثورة تموز فعلت للعراق في ثلاث سنوات ما لم يفعل كل تأريخه له، من بناء مدينة الفقراء بإسم الثورة، شق قناة الجيش حيث أسكن، بناء قرى نموذجية، إضافة إلى الإنجازات السياسية العظيمة حقا، كالخروج من حلف بغداد، ومنطقة الإسترليني، وإطلاق الحريات العامة، وذلك لا يلغي إنجاز العهد الملكي الوطني نسبيا في الداخل، سد دوكان وغيره، حتى أن نهضة قاسم أُرسيت على مشاريع العهد الملكي مع تزايد عوائد النفط، طوابع البريد في الأقل لتلك الفترة ثبتت معالمها، بل إن تلك الرَفعة.

 

إضافة لشق طرق عبر أماكن مهاجرين يهود، يمكن النظر إليها سببا إضافيا لتحفيز قوى الداخل من الخارج، مستغلين نواقص، لتفجير الثورة بانقلاب، على حكم ملكي وطني بدأ خطة إعمار عملاقة، ثورة أرادوها قيل ضمن أجندة خارجية خفية، كثورة تموز الفرنسية، كثورة أكتوبر الروسية، تربك الوضع وتضعف البلد، وتمسك نفط العراق، فقد تلاها إنزال الورقة الكردية إلى اللعب، إلى ما نراه من محاولات تقسيمه اليوم.

 

لا يعني هذا أن ثورة تموز غير أصيلة، لقد قمنا بالتمهيد لها حتى نحن طلاب المدارس المتوسطة والثانوية، إنما استغلها مَن ارتدوا مسوح الوطنية وخدعوا جهلة وقادوهم من اليسار واليمين وخنقوها في مهدها، بل ووصل عن قائد حزبي كان نظيفا بأنهم خُدعوا وبالتالي خَدعوا هم جماهيرهم دون علم.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1476 الثلاثاء 03/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم