قضايا وآراء

دلالات اسم العلم فى روايات نجيب محفوظ / سلام كاظم فرج

الابطال والشهداء وحاملو الزهور الحمراء وهم الذين يضيئون الحياة بنور الامل في الظلمات...واحيانايبدو نقدك لهم نقد"العشم ..اي أن مسارك السياسي امتد من الوفدية الى الماركسية فهل انا مصيب في ظني ؟فيجيبه محفوظ : لقد شخصتني فاجدت التشخيص فانا لست ماركسيا رغم التعاطف الشديد ولكي اكون واضحا اكثر اعترف بانني مؤمن بتحرير الانسان من :الطبقية وما يتبعها من امتيازات...والاستغلال بكافة انواعه ..

في رواية الطريق الرمزية.. كان لتشفير اسم العلم حضور ملحوظ لايخفى على القاريء النابه..  رغم إن عدم الانتباه لا يقلل من توصيل رسالة المؤلف الذي نحى منحى وجوديا صرفا في روايته تلك.. صابر بطل الرواية.. فتح عينيه للحياة فوجد انه يعيش في  كنف والدته بسيمة عمران..القوادة المحترفة.. والتي وفرت له حياة مرفهة.. لكنها وقبل ان تموت أخبرته بسر رهيب.. أن والده الذي أوحت اليه منذ طفولته إنه قد مات ما زال عائشا.. وإن أسمه سيد سيد رحيمي.. وأنه شخصية محترمة مرموقة يستطيع ان يوفر له الكرامة التي أفتقدتها طيلة حياتها..  إضافة الى العيش الرغيد..  وإن عليه أن يبحث عنه في مصر كلها لأنها لا تعرف له عنوانا.. في  رحلةالبحث المضنية يعشق صابر إمرأتين أحداهما  زوجة صاحب الفندق الذي سكن فيه في مدينة الاسكندرية وهي أمرأة تلاثينية  جميلة.. وزوجها رجل مسن تجاوز الثمانين ... تعود ان يتسلل الى غرفتها عند منتصف الليل بعد ان يكون الشيخ قد غط في نومه العميق..ويتعرف ايضا على صحفية شابة ..خلال مراجعته الصحيفة لنشر اعلان البحث عن ابيه.. وتنمو بينهما علاقة حب رومانسية عذرية.. يطول البحث عن الاب السيد سيد رحيمي.. لكن صابر يقع في حبائل زوجة صاحب الفندق وينفذ مخططها لقتل زوجها  لتتحرر من ربقته.. وتقوده سذاجته الى حبل المشنقة دون ان يصل اليه بصيص نور عن  والده ومكان تواجده....

هذه بإختصار ثيمة رواية الطريق. ومقالتنا تركز ببساطة على الدلالات الفلسفية والايحائية لبعض اسماء الاعلام التي اختارها محفوظ لشخوص روايته.. فبسيمة عمران تجمع بين البسمة والعمران  كأسم لها وبين القيادة كمهنة اتخذتها.. في ترميز لافت للحياة الدنيا.. التي تجمع  بدورها الغنى المادي والضحك والانطلاق.. وما يقابله من خراب روحي وأخلاقي وحزن داخلي لا يحسه الا من عاش إزدواجية السقوط والنقاء.. وتحمل بسيمة عمران ذلك التناقض الرهيب بين الحادها الذي رافقها طيلة حياتها بإنكار وجود الحق فأوحت لولدها صابر (رمز الانسان عموما أبن الخطيئة حسب المنظور الانجيلي).. ان والده قد مات قبل ان يولد.. لكنها وعند إحتضارها تبوح بحقيقة عقيدتها فتعلن ان الوالد (الأب).. لم يمت بل هو حي يرزق. ومن دلالات اسمه سيد سيد رحيمي.. نلمس ان بسيمة التي انكرت وجود الاب واتخذت من القيادة والعهر منهجا في الحياة وارادت لابنها ان يسير عليه .. وفقا لتلك الرؤية (فإذا كان الرب غير موجود فكل شيء مباح.. حسب دستوفسكي).. نجد انها تتراجع وتؤكد ان سيد سيد رحيمي موجود وعلى صابر (الانسان)

 ان يبحث عنه وإنه لابد ملاقيه.. وسينعم بخيره الوفير..

 إن موت صابر قبل ان يلتقي والده الحقيقي سيد سيد..ترميز لمأزق الانسان على هذه الارض ولإشكالية الايمان وعدمه .. ومابين الايمان والالحاد.. الشك المحفز للتفكير الفلسفي الاشكالوي.. فاليقين لايأتي جزافا الا بالتلقين الساذج وفق رؤية محفوظ.. فصابر تلقى التلقين من امه بموت الاب تلقي القانع المتيقن.. ثم تلقى تلقينا جديدا بوجود الاب..رحيمي.. فراح يبحث عنه لكن دروب الحياة الضيقة والسعي للنهل من مباهجها وقفت حائلا بينه وبين تلمس هناءة اليقين.. ويظل محفوظ مخلصا للفكرة الاسلامية او الدينية عموما والتي تربط بين العفة والاخلاق السامية وبين الايمان  الميتافيزيقي..ورغم كل ماقيل عن الحاد محفوظ يظل عصيا على التوصيف او التخندق في خانة فكرية معلومة واضحة....

 ويتجلى  ذلك بوضوح باهر في روايته المثيرة للجدل اولاد حارتنا

 والتي حفلت برموز كثيرة وكان لاسم العلم وترميزه اثر  واضح في انزياحات النص.. فالجبلاوي الشخصية الرئيسية التي لاتظهر اطلاقا بل يجري الحديث عنها والتي تعمر  بشكل خيالي بحيث تموت كل شخوص الرواية وتتعاقب الاجيال ويظل الجبلاوي من خلال رسوله قنديل يبلغ الناس بسخطه ورضاه.. ونظرة متأملة هادئة تكشف ايحاءات مفردة جبلاوي .. وتصريفها لغويا.. جبل يجبل.. ونظرة الى مفردة قنديل وقربها من مفردة جبريل وما يعنيه قنديل من معاني الانوار والهداية تجعل القاريء يقف منبهرا امام تلك الدلالات..

 ويرمز محفوظ للأنبياء باسماء مدهشة.. فالمسيح عليه السلام تتقمصه شخصية رفاعة.. (رفع الى السماء) والرسول الكريم تتقمصه شخصية قاسم (كنيته ابو القاسم) والعلم الحديث يرمز له بشخصية عرفة... من المعرفة.. وهكذا.. حتى الصحابة.. ابو بكر.. صادق.. وعلي.. حسن.. وكل تلك التشفيرات تحتاج الى ناقد يوضحها فالقاريء العابر لا يستطيع فهمها  بوضوح.. من كل ذلك كانت الاشكالية التاريخية بين محفوظ والازهر ...

 وتبقى الشخصية المحورية في الرواية حنش.. الذي بيده مفاتيح الحل والذي يمتلك كل المعادلات الكيمياوية لسعادة البشرية لكنه مختف والناس تنتظر رجوعه.. تبقى تحمل إشكاليتها وإشكالية عقيدة محفوظ... وعمق عبقريته.. القاريء المحايد... سيرى دلالات الرجل الغائب حسب انحداره العقيدي.. فلك ان تعتبره المهدي المنتظر  الذي سيملأ الدنيا عدلا بعد انتهاء الغيبة.. ولك ان تعتبره يسوع  الذي سيعود وفق بعض المذاهب المسيحية... ولك ان تعتبره جيفارا جديد.. او الحلم الاشتراكي وفق ماركس حيث من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته وللناس  السعادة والسلام...

 او حلم العهد القديم حيث الذئب يرعى مع الغنم ويأكل العشب!!!..

 ولك ان تعتبره العلم الحديث بكل تمظهرات التكنولوجيا وما يمكن ان تحققه الوفرة من رفاه مادي وبالتالي من غنى روحي!!!

 لعلنا وفقنا لكشف بعض مكامن عبقرية نجيب محفوظ من خلال دلالات اسم العلم في روايتيه  الرمزيتين الطريق واولاد حارتنا..

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1477 الاربعاء 04/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم