قضايا وآراء

العدالة.. والعلاقة بين الدولة والمجتمع / قاسم حسين صالح

وقراءة تاريخية لأنواع الدولة التي حكمت العراق، فان ما يعنينا هنا هو حاضر هذه العلاقة وخوفنا على مستقبلها، وما ينبغي ان تكون عليه صيغتها الاجرائية بين دولة ينص دستورها على انها ديمقراطية ومجتمع تطلع لقيام هكذا دولة.

ان الدولة مفهوم فرضي يتجسد وجودها في ثلاث سلطات: تنفيذية وتشريعية وقضائية. والشرط الحاسم لقيام علاقة جيدة بين الدولة والمجتمع هو تحقيق العدالة..وهذا يتطلب وجود نظام قضائي مستقل عن الحكومة ووزارة العدل. والغالب على القضاء العراقي منذ تأسيس الدولة عام 1921 هو انه يأتمر بما تأمر به الحكومة بأستثناء فترات من الحكم الملكي وبعض الأنظمة الجمهورية،كان فيها مستقلا" وفخورا" بقضاة كانوا انموذجا" لسلطة الحق لا لسلطة الحاكم. غير ان القضاء تلقى ضربة قوية افقدته استقلاليته حين عهد "مجلس قيادة الثورة" المباد الى نفسه سلطة اصدار مراسيم لها قوة القانون، رافقها اعادة بناء الجهاز القضائي العراقي بما يخدم سياسات حزب البعث الحاكم. بل ان رئيس النظام السابق عدّ "القانون" مسألة سهلة في مقولة تلفازيه مشهوره له بان القانون" نصنعه نحن ونغيره نحن ـ قاصدا" نفسه!". واليه ومجلس قيادة الثورة ينسب تشكيل محاكم بصلاحيات استثنائية (محكمة الثورة) التي استخدمتها قبله انظمة جمهورية كانت مهمتها اصدار احكام ظالمة بحق معارضي السلطة، بعضها لا توجد مواد قانونية تحدد الفعل وجزاءه ومن نوع المضحك المبكي. ففي حادثة من آلاف، حكم على ستة اشخاص بالسجن لمدة سنتين لانهم امتنعوا عن تنفيذ طلب رئيس المحكمة بسبّ الحزب الشيوعي العراقي وشتم عبد الكريم قاسم!. وللتاريخ، فان رئيس المحكمة قال لأحدهم (الكاتب): اذا تسبهم اطلعك براءه واذا ما تسبهم احكمك سنتين..وحين أجابه بانه في محكمة... جاءته ـ قبل أن يكمل ـ صفعة مباغتة من يد جندي عبرت قضبان قفص الاتهام فسقط مغميا عليه في حضن الشاعر الكبير محمد صالح بحر العلوم..وحكم عليه بالسجن سنتين لأنه امتنع عن سبهما!.

والواقع أن التباهي باستقلالية القضاء العراقي فضيلة لا يستحقها بصيغة التعميم. فالجهاز القضائي كان شريكا في جرائم النظام السابق لثلاثين سنة. وكان على الدولة الجديدة أن تعيد بناءه بما يحقق العدالة الاجتماعية التي يضمنها النظام الديمقراطي. صحيح انها دعت وسعت لتحقيق عدالة قضائية لكن اخفاقها كان مريعا في تحقيق العدالة الاجتماعية، بل خلقت تمايزا طبقيا واسعا بين المستوى الاقتصادي للمسؤولين بمنحهم رواتب وامتيازات خيالية وبين المستوى الاقتصادي لأفراد المجتمع. فبحسب المسح الذي أجراه الجهاز المركزي للأحصاء عام 2004 فان 55% من الأسر العراقية تعاني من الحرمان الاقتصادي، و 28% منها وصفت بأنها من الطبقة الفقيرة، وأن ربع العراقيين يعيشون تحت خط الفقر وفق تقرير منسوب للأمم المتحدة. وبحسب تقديرات الجهاز المركزي للأحصاء ومعاهد ودراسات جامعية،فان حجم البطالة في العراق حاليا بين 30-70%.

 

ان العدالة، بوجهيها القضائية والاجتماعية، هي التي تحدد نوع العلاقة بين الدولة والمجتمع. فاذا كان القضاء عادلا وشعر المواطن بأن حقه مضمون فانه يحرص على دولته ويدافع عنها تلقائيا..ولكن هذا مشروط بتحقيقها للعدالة الاجتماعية..والا فان أول خطوة لانفصام العلاقة بين الدولة والمجتمع تبدأ بالتظاهرات والاحتجاجات.فالامام علي (ع) يقول: الفقر في الوطن غربة..وأبو ذر يقول:"عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهرا سيفه بين الناس" .ولا عذر لأية دولة بأي مسمى كان أن يعيش ولاة أمرها في رفاهية وأهلها في شقاء مع أنهم يعيشون في أغنى بلد في العالم!.

 

أ.د. قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1482 الاثنين 09/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم