قضايا وآراء

نزيه أبو عفش.. جماليّات الإنشاد / محسن العوني

"لكأن صرت شخصا سواي /

كبرت قامتي../   غلظت شفتاي.. / تهدّج صوتي /  وطالت يداي

ضجرت فيّ روحي فأحجمت عن حملها / كي أعود خفيفا إلى خالتي / الأرض"

في صوته دفء خالته الأرض وعبق ابن خالته التّراب.. صقيع اللّيالي الطويلة بالمعاناة.. ألوان الطّيف التي تختزل محطّات العمر وأحوال الحيّ.. روائح الفصول.. حنين الاشتهاء.. صوت الأشياء وهي تتكسّر..

"...................................

أحصيت ما كان في حوزتي/  من دخان الخريف / الكـــــــــلام.. / الأنــاشيــــــــد.. /

أسئلة الخائفين من الموت.. / طيش الشباب الأخير.. /

غبار النّدم.. / لسعة الحبّ/ يأس الصبيّ  /الدّمــــوع /

الجنون الذي يعتري القلب حين /  يهبّ الألــم / كلّ ما ادّخـــرته اليــدان / من غبــــار الخـريــف

تخـلّـصت منه لأدخــل موتــي خفيفــا /

فنـاءت بـه رُكبتـــاي"

وحدهــا الرّكبتــان مؤهّلة للحديث عن رحلة العمر وما اكتنفها من هبوط وصعود وأثقال المادّة والرّوح وقد كانت تحمل الكيان وتمشي به نحو الدّروب البعيدة التي يُعبّـــدها الصّدى والعطش وتنزرع فيها حفر الخيبة والحرمان تطلّ منها أفاعي العقد والكوابيس تحت ألف رداء..

".................................................

هو شأن الخريف /

كأنّ  كلّ شيء تمرّ عليه أصابعنا / يتقدّم في العمر /

كلّ جمال نحنّ إلى فيئه يتقدّم  /

شأن الخريف"

هل هي أزمة عمر؟ أزمة وجود؟

أزمة كيان؟ مأزق الحيّ؟

هل هي وجع شفرة الوقت وهي تمرّ على رقبة الأيّام!؟. ذلك الإحساس الذي لا يوصف لشدّته وخصوصيّته وهوله وفظاعته باختراق الحادّ جدّا للحيّ جدّا..

إحساس الـذبيح بالذبح..

إنّي أذبح.. إني أذبح.. أذبح..أ..ذ..بـ..ح ح ح.. إنّها الغرررغرة..

.................................

فعل الزّمن يُشبه فعل السّيف والسكين والأدوات الحادّة القاطعة.. فلا عجب أن يقول المثل/الحكمة : الوقت كالسّيف.. ولعلّك تعرف البقيّة..

"دخان يهبّ على سطح أعمارنا / فيبدّد ما كان../

خوف من الذكريات /

سرير لنبكي /

نُعاس أشدّ بياضا من الموت /

شأن الخريف"

عجيب هو شأن القلب.. لا يهرم ولا يتنازل ولا يستقيل ولا يتخلّى عن احتضان العالم والشّغف به حتى آخر دفقة دم في الشّرايين..

"ولكنّ قلبي /

ظلّ قلبي الصبيّ /

فما عاد يمكنه أن يضمّ /

 إذا ما أحاطت به راحتاي

..

..

غير أن لا أنين.. /

كأنّ الذي يتفقد أنقاضه الآن /

شخص سواي!.."

شاعر يلقي النظرة الأخيرة أو التي قبلها على مسيرة حياته التي يحسبها أنقاضه بكل حياديّة غير آسف ومن غير أدنى أنين وكأن الذي يفعل ذلك شخص آخر سواه.. لينطلق نحو رحلة قادمة بعد أن يحيا جماليّات الاعتبار من الرّحلة السّابقة.. ذلك أن عمرا واحدا لا يكفي.. فكيف إذا كان صاحب العمر الواحد شاعرا ترهقه المشاعر.. تقضّ مضجعه.. يؤمن بالحيوات المتعدّدة والمتوازية..؟!

في قرارة صوتك يا نزيه احتفاليّة موجعة بخريف هو موسم تساقط الأوراق في حقل عمر تكدّست فوقه أنقاضه.. نظرتك وأنت تتفقدها هي عفــــشُك في الرّحلة القادمة..حظّا سعيدا يا أخي ..

 

محسن العونــــــــي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1486 الجمعة 13/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم