قضايا وآراء

قيمة مضافة.. / محسن العوني

الحياة بعد أن قامت أحسن قيام برحلة جمع المادة الأوليّة من زهرات لا حصر لعددها وألوانها ومواقعها بدأب ومثابرة ونشاط نادر المثال..لعلّ القارئ الكريم أدرك أن المهندسة سالفة الذكر ليست سوى.. النحلة.. ذلك المخلوق الصّغير العجيب الفريد النشيط الذي تعلّقت به حكم وآيات اختصّ بها واختصّت به دون سائر المخلوقات فتراه يجمع الرّحيق من هذه الزهرة وتلك بمثل الدّأب الذي بدأ به عمله أول مرة وبغير فتور أو كلل أو تهاون أو نقص في التركيز.. ودونما ضجيج سوى ذلك الصّوت الخفيف اللطيف الذي يصدر نتيجة حركة الأجنحة في الهواء أثناء فعل الطيران والتحليق ولا ينتبه إليه إلا من أصاخ السّمع وأنصت جيّدا .. النحلة المهندسة المثابرة ذات المزايا والأسرار تأخذ كفايتها من الرّحيق ثم تحوّله إلى عسل.. إذا أردت الغذاء فهو الغذاء.. وإذا أردت الدّواء فهو الشفاء.. سائل خفيف حلو المذاق يتحوّل إلى ترياق وبلسم بغير تأثيرات جانبيّة بعد أن يدخل أعظم وأصغر مخبر.. بطن النحلة.. وتلك معجزتها الكبرى التي توّجت اجتهادها وسعيها ودأبها الصّامت الجادّ.. وقد ورد في التنزيل العزيز قوله تعالى: «وأوحى ربّك إلى النحل أن اتـّخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربّك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس»النحل68-69

 

سرّ النحلة كامن في تلك القيمة المضافة التي تجعلها ترتقي بمادة متوفـّرة وقليلة الفائدة فتحوّلها إلى منتج غير متوفـّر وعظيم الفائدة جليل التأثير..إذا كانت الفكرة تصنع الأمّة فيمكننا أن نقول بأنّ القيمة المضافة هي الشفاء الذي يعقب الجدّ والاجتهاد وهي القادرة على تحويل العمل العاديّ غير المبدع ولا المقنع إلى عمل خلاّق ومشبع ينهض على توجّه عال في التعاطي مع الناس والمعاني والأشياء لأنه ينفذ إلى السرّ ويحرص على الإضافة.. عمل النحلة غريزي وعمل الإنسان إراديّ.. وإذا كانت النحلة لا تجازى على ما تقدّم لأنها مسخّرة لفعل ذلك فانّ الإنسان ينتظر الجزاء على ما يقدّم من قيمة مضافة وهو مستحقّ لذلك الجزاء لأنه سعى إليه بعقله وإرادته واستنفر جميع طاقاته لأجل ذلك.. وحتـّى يجد الحافز لينتج القيمة المضافة لا بدّ من الإشادة العالية بهؤلاء الذين يحقّقونها ويصنعونها حتى تطمئنّ نفوسهم وينصرفوا إلى جمع الرّحيق استخراجا للعسل!؟... القيمة المضافة تتأسّس على اعتبار الإنسان أكبر وأعظم قيمة في الوجود وهذه هي القيمة المضافة التي قدّمتها الحضارة العربيّة الإسلاميّة  على الأقل في نصوصها التأسيسيّة وصفحاتها الوضّاءة المتوهّجة بحبّ المعرفة والحكمة، الطافحة بالإنسان كائنا مكرّما ووجودا كريما..

 

النحلة رفيقة الإنسان وبلسمه وآية الرحمان أودع فيها من الأسرار ما لا تراه العقول الغافلة والعيون السادرة وما أجدر المنتبهين اليقظين أن يتعلّموا من دأبها ونشاطها وجميع أحوالها فينسجوا على منوالها بعد أن يشربوا من عسلها الشافي..

 

«وإنّ كثيرا من الناس  عن آياتنا لغافلون » يونس92

محسن العونـــــي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1488 الاحد 15/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم