قضايا وآراء

بين المثقف والراقصة في العالم العربي / يحيى أبوزكريا

ان عدد الأباطرة والطغاة والقياصرة وأصحاب المال والجاه والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة الذين عبروا ممر الحياة لا يحصى عدهم ولا حصرهم، لكن التاريخ وذاكرته الثاقبة يمر على هؤلاء مرورا خفيفا واذا ما اخرجهم الى الوجود ثانية فكي يلعنوا ليكونوا عبرة في زمن قل فيه الاعتبار، و في الضفة الأخرى أصحاب المداد والابداع والعطاء الذي مازالت البشرية تنهل منه، فان التاريخ يمر على هؤلاء ليجعل منهم محطة ومنطلقا لاعادة البناء وحتى الذين ما أنصفهم دهرهم وقومهم فان التاريخ يعيد تصحيح الخلل ويرد لهم كل الاعتبار.

و لا يختلف اثنان في أن هناك حالة غيبوبة تلف العالم العربي والاسلامي تحديدا، وتحت وقع هذه الغيبوبة تغيرت القيم وتبدلت الموازين وارتبك النسيج الثقافي والفكري، وبتنا نعيش في أوج متناقضات والتي لها أول وليس لها أخر، فالغرب يسمينا أمة الشرق والروح ولكننا فقنا فلاسفة المادة في استكناه أبعادها والانطلاق منها في تفاصيل تفاصيل حياتنا، والبعض يطلق علينا اسم أبناء الضاد ونحن ننحر لغة الضاد في اليوم مليون مرة، والأكثر من ذلك يسموننا أمة الاسلام وهو يوميا يستغيث قائلا ربي لما شرعتني لقوم لفظوني وراء ظهورهم بل رموني الى أعماق المحيطات .

و حاولنا أن نلحق بالركب الغربي فكانت النتيجة أن أضعنا السير القويم، وجوهنا بنصف لحية ونصف شارب، لساننا خليط من القوافي والرطنات واللكنات، ملابسنا مخاطة بكل أقمشة العالم، قطريون تارة وعالميون تارة، وبدويون تارات أخرى .

الاخرون في أكثر من خارطة قد رسموا استراتيجيتهم، مستقبلهم ومنهجهم وأعادوا تقييم ماضيهم فطرحوا منه الغث وأبقوا على الدسم، أما نحن الذين نكتب بأقلام صنعت في فرنسا وبريطانيا وأمريكا ونتفاخر بأن احلى الأقلام ما صمم من وراء البحار والعجيب أنه بهذه الأقلام نكتب عن الأصالة ومقاومة العولمة وبناء النهضة ذات الخصائص القومية فمازلنا نغوص في اشكاليات فكرية عمرها قرون، ثم لمن نكتب ؟ لأجيال باتت تعتبر العلم ظلامية والفكر سفاهة والثقافة موسيقى كلاسيكية انتهت مع زرياب وزمن الأندلس !!.

ان عذابات القلم تكمن عندما تصبح النداءات الصادرة عنه غير مسموعة والصيحات النهضوية والتحذيرية الواردة من حبره مهملة .

ان استقبال الواقع العربي والفضائيات العربية الألفية الثالثة بالغناء والطرب والتمثيليات الهزلية لدليل على أن سمة قرننا المقبل ستكون هي الأخرى راقصة .

ان عدد المطربين والمطربات الذين برزوا في العشرية الماضية يفوق عشرات المرات عدد الروائيين والمبدعين وخالقي الأفكار، وذلك مؤشر واضح على نكستنا في الألفية الثالثة، وان عدد الصائحين والصارخين والمزعجين أي المطربين الذين كرمتهم السلطات الحاكمة أو الراقصة لا فرق يفوق عدد الذين كرمتهم السلطات من المثقفين والمبدعين وذلك مؤشر أيضا على استراتيجيتنا في الألفية الثالثة والتي ستكون في حد ذاتها استراتيجيا مموسقة وذاك في حد ذاته تميز لم يسبقنا اليه أحد.

و يبقى على أصحاب الأقلام المخلصين ان يعملوا على فضح واقعنا المزري، حتى لا تدخل أجيالنا الألفية الرابعة بحالة الانكسار والانشطار هذا اذا ظلت لنا الى ذلك اليوم مواقع في خارطة المكان والزمان والحضارة …

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1489 الاثنين 16/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم