قضايا وآراء

المثقفون العرب في الغرب / يحي أبوزكريا

بحثا عن الهامش الواسع للحريّة والإبداع إلا أنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة بل الأكثر من ذلك أنه تعطّلت لديها حركة الإبداع وذلك  يعود لأسباب عديدة منها فقدان النسيج الثقافي العربي حيث أغلب العرب الموجودين في الغرب تهمهم العملة الصعبة أكثر من الهم الثقافي والقضايا العربية، ومنها انقطاع تواصل هذه النخبة مع المنابر الإعلامية والثقافية العربية الأمر الذي أدى بها إلى أن تعيش عزلة حقيقية انعكس كل ذلك على أدائها الإبداعي الذي انطفأ مع مرور الأيام والشهور، ولم تتمكن هذه النخبة من الإنخراط في الخارطة الثقافية الغربية لأن ذلك يتطلب تعري كامل ونفض كل المنطلقات الفكرية الكائنة في شعور ولا شعور النخبة العربية وحتى إذا كتب لهذا المبدع أو الكاتب أن يجد حيزا صغيرا ضمن الخارطة الثقافية الغربية فان ذلك يدخل في سياق التوظيف وفي سياق زركشة الديكور لتتحقق مقولة القبول بالأخر هذا الأخر الذي فقد ما به يتميز وأصبح جزءا لا يتجزأ من الأنا الغربية وبالتالي يكون إنتاجه امتدادا للمنظومة الثقافية في الغرب .

و مما يدعو إلى التعجب أكثر أن النخبة العربية نقلت معها إلى عواصم المنافي نفس الإشكالات الثقافية السائدة في العالم العربي واستمرت الجدران قائمة بين مختلف الحساسات الإيديولوجية فاليساري مازال على ماركسيته والبعثي على بعثيته والقومي على قوميته  وما إلى ذلك والحرب الإيديولوجية مستعرة بين هذه الحساسات الإيديولوجية كما لو أن السجال مازال في العالم  العربي، وعوض أن تلجأ هذه النخبة ذات المشارب الفكرية المتعددة إلى إيجاد قواسم مشتركة فيما بينها في محاولة لخلق أطروحة جديدة قد تساهم في بلورة مشروع نهضوي جديد إلا أنها  مازالت تعيش بالذهنية القديمة ومازالت الخلافات والتنابز بالألقاب وتبادل التهم هي سمة النخبة التي يفترض أنها هاجرت من أجل مواصلة الإبداع بعيدا عن السلطات العربية ذات العيون الجاحظة .

وبات لكل توجه ثقافي ناديه ومنبره  وبين هذا النادي والنوادي الأخرى كل أنواع الحروب الكلامية التي بدع فيها العرب وتجد كل جمعية ثقافية تسعى للإيقاع بالجمعيات الأخرى لدى السلطات الغربية هنا وهناك وأصبح الهم هو الحصول على الأموال المخصصة لمساعدة الجمعيات الثقافية .

وهناك ظاهرة على غاية من الخطورة والتعجب بدأت تسود وسط النخبة العربية المثقفة، ويمكن توضيحها بما يلي، وجد العديد من الكتاب والصحافيون والمبدعون الذين لجاؤوا إلى عواصم المنفى أنفسهم في بطالة كاملة ويعيشون من خلال المساعدة الاجتماعية المحدودة التي تقدمها الدولة للاجئين ولم يتمكنوا من الحصول على موقع عمل في الدوائر الثقافية والإعلامية  وباتوا يعيشون في وضع نفسي صعب سهلّ مهمة بعض الجهات التي يهمها إفراغ رؤوس هؤلاء المثقفين والصحافيين من كل المعلومات وكان التعامل سهلا بين هذه الجهات والذين باعوا ضمائرهم ومبادئهم وأخلاقهم وأمتهم وأصبحوا عملاء بامتياز يعرف الغربيون من خلالهم كل صغيرة وكبيرة عن العالم العربي والإسلامي وأحيانا يكلف هؤلاء برحلات ميدانية إلى العالم العربي وهم أقدر على التسلل إلى أبناء جلدتهم والعودة بتقارير وافية عما تريد هذه الدوائر معرفته .

و تحوي مراكز الدراسات الاستراتيجية في الغرب العديد من الكفاءات العربية التي تساهم في إفهام دوائر القرار من نحن،وكل شيئ عن سياستنا واقتصادنا وفقهنا وحياتنا ومماتنا ومادامت العملة الصعبة موجودة فكل صعب يهون !

لكن هذا لا يعني أنه لا توجد نخبة مازالت محافظة على طهرها الثقافي والسياسي وتعمل جاهدة على الإستفادة من محاسن الحضارة الغربية ومحاولة تصحيح فكرنا العربي واردافه بعوامل القوة حتى يتحول إلى ديناميكية لإخراج الواقع العربي والإسلامي من عنق الزجاجة !!!!

 

بقلم-  يحي أبوزكريا .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1492 الخميس 19/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم