قضايا وآراء

المتاجرة بالبشر / قاسم حسين صالح

اذ بلغت ايراداتها 27 مليار دولار عام 2005 بحسب تقرير امريكي و31 مليار دولار لعام 2006 بحسب تقرير للأمم المتحدة .وتفيد التقارير الدولية بوجود ما يقرب من 27 مليون شخص يعيشون في حالة استعباد، ومليون ومائتي ألف امرأة يجبرن على البغاء والدعارة سنويا بحسب تقرير منظمة اليونسيف .ولا توجد احصاءات دقيقة بسبب أن القائمين بها عصابات منظّمة لا تستطيع الأجهزة المعنية كشف كل عملياتها. والواقع أننا، مجتمع ودولة، لدينا فهم منقوص عن المتاجرة بالبشر نحدده بتجارة الجنس وبيع

الأطفال، فيما هو يشمل ظواهر أخرى خطيرة. فبحسب تعريف بروتوكول الأمم المتحدة فان الاتجار بالبشر يعني: (كافة العمليات التي تتضمن تجنيد او تحويل او نقل او ايواء او استلام الاشخاص عن طريق التهديد او استخدام القوة او اي نوع من انواع الاكراه او الاختطاف او التحايل او الخداع او اساءة استخدام القوة او استغلال موقف ضعف او اعطاء او تلقي دفعات او فوائد للحصول على موافقة شخص يتمتع بالسيطرة على شخص آخر بهدف استغلال النساء او العمالة او الخدمات القسرية او ممارسات مشابهة للعبودية او العمل بالاكراه او نقل الأعضاء...)

 

 

ومنذ التسعينيات، زمن الحصار على الناس وليس النظام، ظهرت في المجتمع العراقي ثلاثة أنواع من الاتجار بالبشر، هي: التسول وبيع الأعضاء والجنس.فساحات العاصمة بغداد كانت تغص بالمتسولين.فحين كنت أمر بساحة الطلائع بشارع حيفا حيث أسكن متوجها الى كلية الآداب حيث أعمل، كنت أرى أطفالا يتسولون، فنبهني صديقي الى أن هنالك سيارة (بيك أب) تأتي بهم صباح كل يوم وتأخذهم عصرا، تبين من تقارير الشرطة أن هنالك وكلاء يقومون بجمع هؤلاء الأطفال يعطونهم أجرا مقطوعا أقل بكثير مما يحصلون عليه من التسول.

وتذكر احد الصحافيات أنها شهدت عقد صفقات قرب مستشفى متخصص بزراعة الكلى، لبيع كلية بين البائع والدلال والمشتري بلغ في احداها ستة ملايين دينار، ثلاثة منه تدفع قبل اجراء العملية وثلاثة بعدها..وأن هذا المشهد كان يتكرر بشكل يومي زمن الحصار وأنه عاد الآن من جديد، كما تذكر (آمنة عبد العزيز في الصباح-عدد 2018 ) التي مضت تتابع سماسرة تجار الأعضاء واساليبهم البشعة في اصطياد الزبائن من الفقراء والمعدمين والمدمنين على الكحول والمشردين.

 وبسبب الفقر والبطالة والعوز والهجرة والتهجير فان المتاجرة بالبشر ازدادت بعد التغيير، غير اننا لم نهتم بها حتى في سلطتنا الرابعة.والمخجل ان عددا من الفتيات الصغيرات اللواتي يبحثن عن عمل يقعن في مصيدة رجال مهرّبين أو نساء مهرّبات للعمل كخادمات في المنازل او مضيفات في (كوفي شوب) او مطاعم، غير انهن يتعرضن للأغتصاب من قبل المهرّبين أو الوكلاء وأرغامهن على الدعارة..خاصة اللواتي يجري تهريبهن الى قبرص واليونان وتركيا، حيث يجبرهن الوكيل الذي يستلمهن للعمل في الملاهي وتلبية طلبات الزبائن بما فيها الجنس..فتضطر كثيرات الى بيع أنفسهن بعد أن يصبحن أمام خوف مزدوج:الاعتداء المتكرر من الوكلاء، والقتل غسلا للعار ان عادت للوطن.

والواقع ان تجارة البشر شائعة في البلدان العربية، تؤكدها تقارير أمريكية وضعت خمسا منها صديقة للولايات المتحدة على قائمة الدول المتاجرة بالبشر.ولهذا دعت جامعة الدول العربية، في اجتماع عقد في قطر، الى اصدار قانون موحّد وشامل واتفاقية عربية تحرّم الاتجار بالبشر بجميع أشكاله بما فيه نظام الكفيل والاقامة.

واذا كانت الدولة تتحمل الجانب الأكبر من هذه المسؤولية، فان المجتمع يتحمل جانبا من هذه الظاهرة المخجلة، لاسيما العنف الأسري الذي يشكّل أحد الأبواب الخلفية التي ترفدها، حين تضطر المرأة الى الهرب من بيتها، أو حين تحرم الفتاة من الزواج ممن تحب، او حين يكتشف أن لها علاقة حتى لو كانت شريفة بهدف الزواج.

 اننا نمتلك كل متطلبات القضاء على هذه الظاهرة، فنحن البلد الأغنى نفطيا في العالم، والمجتمع الذي يتصف بالحرص على قيمه الدينية والاجتماعية والانسانية، والنظام الديمقراطي الذي يؤكد دستوره على احترام الانسان والعمل من أجله.والأمر يتطلب اتخاذ اجراءات عملية وعلمية، مبتدئين بتوفير قاعدة بيانات عن حجم هذه الظاهرة تكلّف بها وزارات الداخلية والتخطيط وحقوق الانسان.وقيام البرلمان بتشريع قانون يحرّم الاتجار بالبشر بكل أنواعه بما فيها التسول وبيع الأعضاء البشرية، وآخر يتعلق بضحايا العنف الأسري .وتشكيل لجنة من علماء النفس والاجتماع والتربية لاقتراح اجراءات عملية وتربوية بما فيها تضمين المناهج الدراسية في الاعدادية والجامعة موضوعات تقدّس الانسان بوصفه القيمة العليا في الدولة والمجتمع، وتحتقر كل من يتعامل معه كما لو كان عبدا مستغلا في وطنه، أو سلعة يتم تصديرها من بلد الى آخر.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1492 الخميس 19/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم