قضايا وآراء

الأختلاف بين قصيدة النثر والنص المفتوح / فائز الحداد

والنص المفتوح هو غير ذلك تماما إذ يعتمد على لغة السرد في تقنياته كمحرك إشتغال ، وأود أن أشير هنا أولا  الى ..  قراءة البيان الشعري الخامس بهذا الصدد ،  الذي أصدره الشاعر الكبير خزعل الماجدي حول النص المفتوح  لما له من أهمية توثيقية كبيرة،  كذلك ماجاء أيضا على لسان د. عبد الملك مرتاض  ود. الناقد خليل الموسى  تمثيلا لا حصرا.

لقد بدأ الحديث يدور في العقود الأخيرة (حسب الناقد الدكتور عبد الملك مرتاض) بين كبار النّقّاد عن مفهومين جديدين لم يكونا يدوران من قبل في اللّغة النقديّة المتداوَلَة، هما: «النّصّ الْمُغْلَق» (Le texte clos)، و«النّصّ المفتوح» (Le texte ouvert). وإذا كان النّقّاد الجدُد حين يتحدّثون عن هذين المفهومين، أو قل: عن هذا المفهوم الواحدِ المزدوجِ الوظيفةِ يزعمون أنّ «النّصّ الْمُغْلَق»، و«النّصّ المفتوح» قد يكونان شعراً كما قد يكونان سرداً؛ فإنّهما، في الحقيقة، يتمحّضان للنصّ السرديّ أكثر مما يتمحّضان للنصّ الشعريّ؛ .

فاذا كان الأدب في عمومه من اختراع الشعراء وهم من كانوا مصدرا مهما من مصادر المعرفة والتعلم، ومن ألهم الفلاسفة فلسفاتهم والعلماء نظرياتهم على حد قول الناقد المصري د.عطية العقاد. فإن النص المفتوح قد زامن الشعر منذ ولادته ، كإنتاج أدبي مضارع له .. فهو قديم جدا وليس بحديث العهد الأدبي كما يظن ويعتبره البعض خطأ بأن (ولادته جاءت مابعد شعر التفعيلة والشعر الحر وهو تطور طبيعي للقدامة الشعرية .. والصحيح إن قصيدة النثر هي الولادة الطبيعية لما بعد الشعر الحر وان كان هناك من يعتبر النص المفتوح بسماته الجديد هو إنموذج ما بعد الحداثة وليس  قبلها)  ومهما قيل فإن النص المفتوح قد زامن القصيدة العربية الكلاسية ودخل في جمالياتها نظما ومضمونا وقد أشار الى ذلك العديد من الأكاديميين والنقاد ومنهم د  خليل الموسى  في دراسته " جماليات النص المفتوح في قصيدة المتنبي "  وإن بات من الصعوبة بمكان أن تجده وفق شروطه ومزاياه المتقنة، فالنص المفتوح  لايكتب فيه الا القلة  القليلة لأسباب كثيرة ، أهمها عزوف الأدباء عنه وعن ولوج عالمه المعرفي الواسع ذي المسالك الوعرة والشائكة وربما كان لترسيخ (التجنيس) كظواهر أدبية وشيوعها السبب في إهماله والنأي عنه بعد انتشار حقول الدراسات الأدبية  المتخصصة والدراسات العليا منها بشكل خاص: ‏ النص المفتوح– ببساطة – " حسب  د. ثائر العذاري "

عمل أدبي يستخدم تقنيات السرد للغة شعرية تمتاز بأعلى درجات الكثافة، وهو يختلف عن قصيدة النثر في عدم التزامه بنمط السطر الشعري ،  وبدلا من ذلك يتخذ شكل لغة السرد المتدفقة, من غير وقفات فيزياوية إجبارية .

ولإيضاح حقيقة جدوى النص المفتوح لابد من الاشارة الى أنه الانتاج الأمثل في العملية الأدبية عند الكتاب الموسوعيين..استناداً الى ماوصلنا قراءة عن الكتّاب الاغريقيين كأفلاطون في جمهوريته الفاضلة وفي بحثه الجاد بين ماهو مادي وبين ماهو وراثي وغيره ماشهده الأدب الاغريقي من تطور أيضا ،  الا أن ملحمتي (الالياذة والاوديسا) والتي صاغها شعرا ونثرا الشاعر الاغريقي (هوميروس في القرن الثامن ق ـ م)  هي من أبرز وأهم النصوص المفتوحة. ‏ وفي أدبنا العربي هل بالامكان اعتبار (ألف ليلة وليلة) في القرنين الثاني والثالث عشر الميلاديين بداية التأسيس للنصوص المفتوحة..؟ لكن الحقيقة التي لاجدال عليها أن التراث النثري  الفني العربي قام على عمادين اثنين هما الجاحظ وأبو حيان التوحيدي (أما ماتبقى فكماليات تسد بعض النقصان واكسسوارات تزين حيطان المكان كما يقول محي الدين اللاذقاني): ‏ إن الجاحظ كان أشهر وأبرز كاتب للنص المفتوح وله الريادة في ذلك خصوصا ماتناوله في أدبه كفكري واجتماعي ، وماهو علمي وسياسي وكانت كتابات أبي حيان التوحيدي مثالا آخر كما في كتابه (الإمتاع والمؤانسة) بالاضافة الى النصوص الصوفية والدراسات المتنوعة الأخرى كالرسائل والمقامات والمجادلات والخطب فهي نماذج ذات منحى نصي مفتوح، فهل ذلك يسجل ويؤرخ لهذا الجنس الكتابي، إذا اعتبرنا الحكايات الشعرية تقترب من ذلك كثيراً؟ ورغم أن البعض يعتبرها كتأسيس للقصة والرواية في شكلها الشعبي كحكايات (جوفري تشوسر 1340 ـ 1400 م) ، لذلك من الصحيح جداً اعتبار الشعر  الأب الطبيعي لكل فنون الأدب لأن الشعراء أول من كتب النصوص المفتوحة كملاحم وحكايات ودراما وبعدها استقلت القصة وولدت الرواية مابعد الشعر البرجوازي في القرون الوسطى أي مايسمى بـ ( العصر الباروكي). ‏ لقد كان الأديب الكبير طه حسين ومن جايله من الكتاب والأدباء كمحمود العقاد وأحمد أمين ومحمود أمين العالم ومحمد حسين هيكل من أوائل المبدعين في هذا النوع من الكتابة، ومنهم من يعتبر بعض الدراسات النقدية جزءاً مهما من النصوص المفتوحة في رائج النقد الكتابي عن الفنون الأدبية المختلفة شعرا ورواية وقصة، لكن النص المفتوح يظل أعلى قامة من مثابة النقد لأسباب أدبية فنية ولأهميته الحيوية الخطيرة ولهذا اندفع العديد من الأدباء في العودة إليه واحياء مشروعه من جديد بعد قطيعة طويلة امتدت الى سبعينيات القرن الماضي وماتلاها أيضاً فقد كتب في النص  المفتوح نخبة ممتازة من الأدباء العرب لا مجال لذكر أسمائهم . ‏ إن أهمية النص المفتوح تكمن في جذوته الأدبية المتنوعة فهو يجمع بين أجناس أدبية مختلفة كاسرد الشعري والخاطرة كذلك أخذه بالمقالة والنقد في تداعيات الكتابة كرأي مقارن يرتكز على المصدر والمنهج الثقافي المدون إلى جانب تمسكه بالتراث وقيم المأثور والسير الحميدة، فهو نص مركب يسمح بالتداخل والتدخل ويتطلب معرفة واسعة في التأريخ والفلسفة ناهيك عن المعرفيات في العلوم الصرفة، فكاتب النص المفتوح هو كاتب بالضرورة (إنسكوبيدي) معرفي الى جانب كونه مبدعاً لجنس كتابي مؤشر سلفاً ويخطئ كثيراًمن يعتبره ترفاً كتابياً أو تشرذماً وضياعاً لايشترط  الا القليل من دراية اللغة، وبأدوات بنائية متواضعة لاترقى الى الأجناس الأخرى كالشعر والرواية، فالنص المفتوح حسب ما أرى هو النص الأصعب لذلك كان كتابه من القلائل وفي مقدمتهم الروائيون لكنه يتميز عن الرواية في التكثيف والشمول كما يتميز عليها في المصدرية والتأريخ وهذا هو الأهم . ‏ ‏

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1499 السبت 28/08/2010)

 

 

     

في المثقف اليوم