قضايا وآراء

المتاجرة بالقيم التاريخية ومحاولات إعادة كتابة التاريخ / صالح الطائي

والتي شوهت المنظر وأخلت بقدسية وعرفانية الصورة وجدتها فرصة فريدة يمكن للمؤمن من خلالها أن يتصور ويستذكر مشاهد معركة أحد أمامه شاخصة والمكان الذي اغتيل ودفن فيه سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب الذي تقول المصادر التاريخية أنه دفن في أرض المعركة وفي نفس مكان مقتله، كما في حديث كعب بن مالك (رض) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد : من رأى مقتل حمزة ؟

 فقال رجل أعزل : أنا رأيت مقتله.

 قال : فانطلق أرناه، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى وقف على حمزة فرآه وقد شق بطنه، وقد مثل به، فقال : يا رسول الله  مثل به والله، فكره رسول الله أن ينظر إليه، ووقف بين ظهراني القتلى فقال : أنا شهيد على هؤلاء، كفنوهم في دمائهم فإنه ليس جرح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمي، لونه لون الدم وريحه ريح المسك، قدموا أكثرهم قرآناً فاجعلوه في اللحد . أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ( 6/ 119)

وحديث ابن عباس (رض) قال : قتل حمزة يوم أحد وقتل رجل من الأنصار، فجاءته صفية بنت عبد المطلب بثوبين ليكفن فيهما حمزة، فلم يكن للأنصاري كفن، فأسهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بين الثوبين، ثم كفن كل واحد منهما في ثوب . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/120) رواه الطبراني ورجاله ثقات

لقد صودرت منا فرصة العيش في أجواء هذه الغزوة الكبيرة لأن الحكومة السعودية أحاطت مكان المعركة وقبور شهداء أحد بسياج عال من الطابوق والحديد والزجاج المغبر الذي يمنع الرؤية ويعيقها بحيث لا يرى الزائر مما خلف السياج إلا أطياف أشياء لا أشياء حقيقية فينشغل بهذه المعرقلات عن تذكر بشاعة صور التاريخ الجهادي العظيم الذي مر على هذه البقعة المباركة من الأرض.

وزيادة في النكاية وضعت "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بعد السياج قبالة الزائرين مجموعة من أعضائها المراهقين  يلقون محاضرات على الجموع التي تضطر للتوقف والتبحر عساها ترى شيئا مما يقع خلف السياج مما يجعلهم مجبرون على سماع ما لا يحبون سماعه، كان احد هؤلاء يتحدث عن معركة أحد وينقل مقاطع من فلم الرسالة تخص مقتل حمزة وكيف شقت هند صدره ولاكت كبده ومثلت به بحركات مسرحية وإيماءات مرتجلة ثم سكت وأبدى حركة مسرحية بيديه ورأسه وأمال جسده إلى الجانبين ليقول: (عجيب أيها الأخوان كيف أن الله يقيض للدين من ينصره من بين صفوف الكافرين فإن هندا (رضي الله عنها وأرضاها) بعد كفرها وتمثيلها بحمزة نصرت الإسلام!!)

 وأنا هنا أنقل كلامه حرفيا وبدون تحريف لأقف أمام مفارقة طالما أعاقت فكرنا عن فهم بعض الملابسات الغريبة التي أوقعنا فيها المتحذلقون، ويدور في بالي الحديث الذي أخرجه ابن سعد في طبقاته وذكره النووي في شرحه لصحيح البخاري باب معركة أحد (عن عمير بن إسحاق قال: كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بسيفين ويقول: أنا أسد الله، وجعل يقبل ويدبر فبينما إذ عثر عثرة فوقع على ظهره وبصر به الأسود فزرقه بحربة فقتله، وفيها أيضا أن هندا لما لاكت كبده ولم تستطع أكلها قال صلى الله عليه وسلم: أأكلت منها شيئا؟

 قالوا: لا.

 قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار) القسطلاني

فما يمكن استقراؤه من سياق هذا الحديث الذي استشهد به النووي: أن هندا ستذهب إلى الجحيم لقتلها حمزة ولهذا السبب استعصى عليها أكل قطعة كبده لكي لا تدخلها  معها إلى النار، والغريب أني وجدت هنالك من يدعي أن هذا الحديث يخص اللحظة التي لاكت فيها هند كبد حمزة فقط ولا يتعداها، فهي ساعتها كانت مشركة ولو ماتت في تلك الساعة لدخلت النار ودخلت معها قطعة كبد حمزة إلى النار!!

بل وهناك من  قطع من هذا الحديث جزءه المهم وتركه أعرجا فأعفى هندا من التمثيل بحمزة وبرأها منه، ونسب ذلك إلى وحشي، بعد أن أبتلع الراوي نصف الحديث كما في رواية موسى بن عقبة: (أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها) حيث يقف الراوي عند (تستسيغها) ولا ينقل تكملة الحديث.

وهناك من أورد مع الحديث إضافات لم نسمع بها من قبل فيها الكثير من السادية والدموية والعنف المقرون بالغضب غير المنضبط والمبني على حقد لا حدود له، ومع غرابتها إلا أنها تتواءم كليا مع نفسية المرأة التي شاع عنها أنها تأكل الأكباد كما في رواية ابن إسحاق: (أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، وزاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال وأنفهم خدماً ( أي خلاخل وقلائد) يؤكد ذلك ما جاء في رواية الزبير بن العوام رضي الله عنه: (قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل فعل به كما فعل بحمزة) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (6/118)، والبيهقي في سننه ( 4/401-402)، وأبو يعلى في مسنده (برقم 686) بسند حسن، وقال الأرنؤوط : إسناده جيد كما في سير أعلام النبلاء (1/173)

وهناك من مزج بين الروايتين فأصبحت اللوحة التي رسمها أكثر قربا للسياق العام للحدث ومن هؤلاء الواقدي والمقريزي  اللذين ذكر الشامي عنهما  في (الإمتاع)  أنهما رويا: (أن وحشياً شق بطن حمزة وأخرج كبده وجاء بها إلى هند فمضغتها ثم لفظتها ثم جاءت معه إلى حيث جثة حمزة، فقطعت من كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه، ثم جعلت مَسَكَتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة)

وحتى هذا العرج والتشويه في الروايات هناك من ادعى انه ضعيف لا يعتد به وبه مبالغة مقصودة وتشويها لسيرة هند، وما ذلك سوى دفاع عن هند بنت عتبة (أم كاتب الوحي أمير المؤمنين وخالهم معاوية) (رضي الله عنه وأرضاه) فقالوا عن حديث موسى بن عقبة: (ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (4/43) دون إسناد، فهو ضعيف)

وقالوا عن الرواية ابن اسحاق: رواية ضعيفة لأن ابن هشام (3/133) أخرجها بإسناد منقطع موقوف على شيخه ابن كيسان، فهي ضعيفة .

وقالوا عن الرواية الثالثة التي أوردها كل من الواقدي والمقريزي: ولعل روايتهما التي أشار إليها الشامي في سبل الهدى والرشاد (4/321)  (تفيد الجمع بين روايتي ابن عقبة وابن إسحاق، وتوافقهما في المضمون، وهي ضعيفة)

والظاهر أنه كما كان هناك بالأمس من شوه وجه الحقيقة وخلط الوقائع والأحداث وزيف التاريخ هنالك اليوم أيضا من يعمل على مسخ تاريخ الإسلام والتلاعب به وتحويل أبيضه أسودا وأسوده أبيضا دونما اعتبار لكل القيم والمفاهيم والمثل والأمانة العلمية لكي يقضي على آخر بارقة أمل فيه، وذلك طبعا بعد أن وجد أن ما في التاريخ من صفحات سوداء قاتمة ودموية ووحشية تدينه وتفضح ضعف معتقده، كما ولاحظ أن الآخر المنافس له يستند إلى هذا التاريخ ليحاججه به ومنه قصة أم معاوية ووحشيتها مع سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه وهي القصة التي يدعون أن شيعة أهل البيت يفرحون بروايتها شماتة بمعاوية أو كما قال أحدهم:  (وأنا هنا لست بصدد الرد على تلك النظريات ولكن للرد على بعض تلك المرويات التي يدندن حولها المستشرقون، ويصفق ويطبل لها الرافضة عليهم من الله ما يستحقون، ألا وهي قصة مقتل حمزة أسد الله رضي الله عنه وأرضاه، واتهام هند بنت عتبة رضي الله عنها بكونها السبب في تحريض وحشي رضي الله عنه على قتله ومن ثم قيامها بعد ذلك ببقر بطنه والتمثيل به، من إخراج كبده وجدع أنفه وأذنه إلى غير ذلك من الأمور)

هذا الجدل البيزنطي يسحبنا لتذكر ما يقولونه عن قصة لا تقل عن هذه القصة بشاعة وهي مقتل (سيدنا الحسين رضي الله عنه بن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسيف سيدنا يزيد رضي الله عنه ابن سيدنا معاوية رضي الله عنه ابن سيدنا أبي سفيان رضي الله عنه وقيام سيدنا علي زين العابدين رضي الله عنه ابن سيدنا الحسين رضي الله عنه ابن سيدنا علي رضي الله عنه بالعتب على سيدنا يزيد رضي الله عنه .... الخ) بموقف مضحك مبك يستغفل العقول ويبطل عملها.

إذا نحن  نقف إزاء آراء تدعي أن هندا متهمه بهذا الجرم اتهاما باطلا فلا دليل على قيامها به بنفسها أو بوحي منها للغير، بل هي بريئة منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب وأن هناك وجيه من وجهاء مكة هو المجرم الحقيقي الذي أمر وحشي (رضي الله عنه) بالقيام بفعلته الدنيئة بالتمثيل بسيدنا حمزة رضي الله عنه.

هذا المجرم الذي يريدون عصب مقتل سيد الشهداء برأسه  هو جبير بن مطعم وهو رجل قال ابن إسحاق عنه في السيرة: أن النبي بعد أن عاد من غزوة الطائف خائبا كسيرا حسيرا لا يجد من يحتمي به، احتمى به وطلب عونه فأعانه الرجل وحماه من أذى قريش، ورواية الاتهام أوردها الواقدي بقوله: (أن وحشياً عندما قتل حمزة حمل كبده إلى مكة ليراها سيده جبير بن مطعم) المغازي (1/332) إذا لا علاقة لهند بمقتل حمزة!!!

وهي الرواية التي أخرجها البخاري 3/ 25 باب غزوة أحد  برقم 4072 وأحمد في مسنده 3/501 والبيهقي في الدلائل  3/241 من حديث وحشي الذي رواه عنه جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال : (خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام، فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله : هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة ؟ قلت : نعم، وكان وحشي يسكن حمص، قال : فسألنا عنه فقيل لنا : هو ذاك في ظل قصره كأنه حَميت (الحميت هو: زق كبير مملوء) قال فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير فسلمنا، فرد السلام ...... قال : فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال : ألا تخبرنا بقتل حمزة ؟ قال : نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار، فقال لي مولاي جبير بن مطعم : إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، قال : فلما أن خرج الناس عام عينين (وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد) خرجت مع الناس إلى القتال، فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال : هل من مبارز؟ قال : فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال : يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب (وهي كناية عن قتله)  قال : وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته أي عانته، وقيل ما بين السرة والعانة حتى خرجت من بين وركيه، قال : فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً، فقيل لي : إنه لا يهيّج الرسل، قال : فخرجت معهم حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال : أنت وحشي، قلت : نعم، قال أنت قتلت حمزة ؟ قلت : قد كان من الأمر ما بلغك، قال : فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟)

و(غيب وجهك عني) كلمة لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قبل لأحد جاء يعلن إسلامه غير وحشي، وربما بسبب نفور النبي منه بهذا الشكل لأنه قتل حمزة  وعلاقة القتل وطريقته ببعض وجوه المجتمع جاء من أراد تغيير ما جاء في هذه الرواية على لسان وحشي نفسه وحذف مقطع التغييب منها والاستعاضة عنه بالحب والترحيب بل وجعل مقتل حمزة على يد وحشي إكراما من الله لحمزة!! حيث جاء عن الهيثمي في مجمع الزوائد ( 6/121) والطبراني في الكبير 22/139 من حديث وحشي قال: (أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال لي: وحشي؟

 قلت: نعم

قال: قتلت حمزة؟

 قلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده!!!

 فقالت له قريش أي للنبي (صلى الله عليه وسلم) : أتحبه وهو قاتل حمزة؟

فقلت : يا رسول الله فاستغفر لي؟

فتفل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة  وقال : وحشي أخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله

 قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة،

قال : فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان، قال : فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس أي لونه يشبه الرماد من غبار الحرب، قال فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال : ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته، قال : قال عبدا لله بن الفضل : فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : فقالت جارية على ظهر بيت : وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود)

فهل تتساوق أحداث هذه الرواية والحب الكبير الذي أبداه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لوحشي والترحيب الكبير به مع حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (لما بلغ النبي (صلى الله عليه وسلم) قتل حمزة، بكى، فلما نظر إليه شهق) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/118) : (رواه البزار وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو حسن الحديث على ضعفه)

هل يتساوق ذلك الحديث مع حديث جابر رضوان الله عليه عن شهقة النبي صلى الله عليه وعلى آله عند رؤيته لحال حمزة رضوان الله عليه؟

ولذا ليس عصيا أن نفهم انهم من خلال تلك الرواية التي تتحدث عن ترحيب النبي بوحشي قاتل عمه سيد الشهداء لا يسعون إلى تغييب أثر  جدة المؤمنين هند فقط بل ويسعون إلى تضييع دم حمزة  ومن ثم تضييع مكانة حمزة بطل أحد وشهيدها.

بعد هذا البناء التشكيكي عاد الرواة والمحدثون ليذكروا كما كبيرا من الروايات والأحاديث التي تخص مقتل حمزة ولكن بعيدا عن ذكر السفاحين والقتلة المجرمين وبعيدا عن الحديث عن التمثيل بجسده الشريف، وهذه الأحاديث والروايات تتحدث كلها عن أمور أخرى غير القتل والتمثيل منها: غضب النبي ساعة رأى عمة ممثلا به وكيف أنه توعد قريش أن يمثل بقتلاها كما  في الرواية التي أوردها ابن هشام: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به، فجدع أنفه وأذناه . وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين رأى ما به : لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن، لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا : والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.) السيرة النبوية (3/138-139)  ولكي تحدث هذه الرواية عصفا ذهنيا عند المتلقي أضافوا لها  أقوالا تفيد أن آيات قرآنية نزلت في تعنيف النبي وصحابته على هذا التسرع غير المحمود، إذ أخرج الترمذي (5/299-300) حديثا قال عنه: هذا حديث حسن غريب  وأحمد في المسند والواحدي في أسباب النزول  (ص 191-192) والحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/359): (أن رسول الله بعد أن قال ذلك القول نزل جبرائيل بقول الله تعالى عليه: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) (النحل /126)  فعفا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصبر ونهى عن المثلة.)

 ومنها قصة قدوم صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها تحمل ثوبين لتوسد بهما أخاها حمزة وكيف أن المسلمين وهم في تلك الحال والانكسار، وطعم الهزيمة لما يزل علقما في أفواههم يجلسون ببرود أعصاب ليقترعوا على الثوبين وكيفية توزيعهما بين الشهيدين كما في حديث الزبير بن العوام (رضي الله عنه) قال : (إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى كادت أن تشرف على القتلى.

 قال : فكره النبي (صلى الله عليه وسلم) أن تراهم، فقال : المرأة، المرأة.

 قال الزبير : فتوسمت أنها صفية، قال : فخرجت أسعى إليها، قال : فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال : فَلَدمت في صدري، وكانت امرأة جلدة، قالت : إليك عني لا أرض لك.

فقلت : إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عزم عليك.

 قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما، قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل فعل به كما فعل بحمزة، قال : فوجدنا غضاضة وخنى أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا لحمزة ثوب والأنصاري ثوب، فقدرناهما، فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له) مسند الإمام أحمد(1/165)

ومنها قصة دفن حمزة كما في حديث أبي سعيد الساعدي (رضي الله عنه) قال :    (إنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر حمزة بن عبد المطلب، فجعلوا يجرون النمرة على وجهه فينكشف قدماه، فيجرونها على قدميه فينكشف وجهه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : اجعلوها على وجهه واجعلوا على قدميه من هذا الشجر، قال : فرفع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأسه فإذا أصحابه يبكون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة) أخرجه  الهيثمي في مجمع الزوائد ( 6/119 )

فهل تتساوق هذه القصص الفرعية مع شهقة النبي التي روى خبرها  جابر بن عبد الله؟

أم أن كل ذلك كان عملا مدبرا ليخلصوا من خلاله إلى نتيجة مفادها:

الأولى : أما التمثيل بجثة حمزة فقد ثبت بطرق صحيحة مما يدل على أن قصة بقر كبد حمزة لها أصل.

الثانية : أن هنداً بريئة من هذا الفعل المشين، وذلك لضعف جميع طرق الروايات التي جاءت تفيد بأنها هي التي قامت ببقر كبد حمزة والتمثيل بجثته.

الثالثة: على الرافضة أن لا يفرحوا بعد هذا التاريخ بتلك الروايات.

إن هذه المحاولات العقيمة التي تأتي في وقت تقدم العلوم وتفتح العقول وتنامي الثقافات العامة وتوسع مدارك البشر وتعاظم وعيهم، لا تعدو كونها واحدة من المحاولات اليائسة التي يقوم بها المتسلطون لإعادة كتابة التاريخ أو إعادة كتابة بعض صفحاته التي يجدون ما فيها يدينهم ويدين أفعالهم الشيطانية، وهي المحاولات التي باءت بالفشل ولم تنجح أي منها من قبل. ولنفرض أن هذه المحاولة أو غيرها كتب لها النجاح وسيقتنع بها من يقتنع فهل سيكون بإمكانها تغيير ما هو مسطور عند الله سبحانه وتعالى في اللوح المحفوظ؟ أم هي محاولة لتبييض صورتهم في الدنيا دون الإلتفات لسواد وقباحة صورة يوم الآخرة؟

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1502 الثلاثاء 31/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم