قضايا وآراء

مبدعونا... نرفض تقاعدكم ! / زيد الحلي

وفي شريطنا الثقافي والفني الطويل، أسماء ومضت، فكان لها ضوء ساطع في محيطها، جعلت الأنظار تتجه إليها، على أساس كونها منبعثاً إبداعيا من المنتظر إن يثري الثقافة والفن بكل مفيد لتطلعات المجتمع، مثل بقعة ضوء باحثة عن ممر الى النورلتترسخ في الوجدان الشمولي للأمة، ولا نريد البحث في أسباب انقطاع المبدع عن تواصله، فمهما كانت هذه الأسباب فهي تبقى مجرد " ذرائع واهية " لأن المبدع ليس جهاز كومبيوتر يمكن التحكم فيه متى شأنا، بل هو انفجار روحي لايمكن السيطرة عليه في حالة حدوثه ... هو بركان يسكب حممه الإبداعية في كل مكان يصل اليه.

.وفي وجدان الضمير الإنساني نماذج لعباقرة في الإبداع، تواصلوا فيه بينما هم في أسوء حال نفسيا واجتماعيا ويعانون من مشاكل جمة ... انهم مثل شجرة تمنح احلي الثمار لكنها ترتوي من ماء أجاج .. لقد مضوا مع الليل يغنون للشروق دون كلل !

والمبدعون في بلادي كثيرون، غير ان الذين غذوا السير في دروب الإبداع قلة وقد آثر العديد من المبدعين الانزواء وهم في قمة عطائهم ... انسحبوا من شاشة الحياة الثقافية بهدوء فبتنا لا نعرف عنهم شيئاً، سوى إنهم كانوا في يوم ما نجوماً على أرضنا الثقافية .  فأين الفنانة " جرمين " ؟ قد يبدو هذا السؤال مفاجئا، غريباً  فهو يتضمن استفساراً عن فنانة مثقفة ومبدعة، انسحبت من حياتنا قبل خمسة عقود لكني أجده سؤالاً  قائما عن  كل من كان على شاكلة الفنانة " جرمين " في الوقت الراهن اوحتى قبل عقود من الزمن  ... فهذه الإنسانة جاءت الى بغداد من مدينتها "البصرة" لتختار فرع اللغة الأنكليزية في دار المعلمين العالية مكاناً لدراستها الأكاديمية، ولتختار المسرح مكاناً لموهبتها، فكانت بطلة لجميع المسرحيات الراقية التي شهدتها بغداد قي عهدها الجميل ، خاصة مسرحيات شكسبير... ان  "جرمين " انسحبت وهي في قمة العطاء، حتى إننا لم نعد نسمع عنها شيئا ... ثم أين " أكرم جبران " ؟ هذا المبدع الكبير الذي كان نجماً في قبل عقود مضت، وكتبت عنه الصحف والمجلات مؤكدة انه سيكون مخرجاً سينمائياً عراقياً كبيراً، خاصة بعد ان عمل مساعداً للمخرج الفرنسي " شوتان " مخرج أو فيلم عراقي هو (عليا وعصام) ومساعداً للمخرج المصري " احمد كامل مرسي" مخرج فيلم

( ليلى في العراق).. نعم، أين هو الآن؟ وأين هو الشاعر "طه العبيدي"  مؤلف الملحمة الشعرية (طعم النار)  التي جمعت بين جزالة اللفظ ووجدانية المعاني وقوة التعبير ... وأين هي الشاعرة " فطينة النائب " التي فازت بالجائزة الأولى من بين ستة شعراء يمثلون كليات العراق في بداية الخمسينيات .. وأين .. أين؟ لا أريد ان اعدد أسماء أخرى، أذ قد يقول قائل أنها مجرد أسماء، رحل بعض أصحابها الى الدار الأخره ... ويعضهم الأخر انزوى تحت وطأة العمر ... كلا لا أريد ذلك، انما أريد القول ان الحالة التي تحدثت عنها في بداية كلمتي، بدأت تعيد نقسها في محيطنا الثقافي الحالي بصيغة او بأخرى، حتى شملت مبدعين لهم شموخهم العالي، المعروف، صحيح ان سمك الجدار الذي يخنق الوطن سميك وقاس، لكننا ندرك ان جذور مبدعينا تمتد في ارض العراق مثل شجرة نخل عراقية ..ونحن بحاجة لاستمرار عطائهم، فبالعطاء وحده نطهر النفوس ونعيد الأمل الى ذاتنا ..

ان الزمن والتاريخ ليس في صالح احد، انه يبدو وكأنه محايد، لكني اجزم انه يقف الى جانب من يحب شعبه ووطنه ...والمبدعون الحقيقيون هم دوماً كانوا الى صف الشعب والوطن ... ان المحارة الجريحة وحدها هي التي تضمد جراحها.. بلؤلؤة !            

مبدعونا الأعزاء، لنتولى قيادة الأشياء قبل ان تتولى "الأشياء"... قيادتنا  وعند ذاك لن ينفع الندم ... وهل في العمر بقية كي نجعل للندم موطئ... قدم !

وعذرا ان جهرنا بأسمائكم لاحقاً ان طال صمتكم اكثر، فأنتم ماء دجلة والفرات... وارض العراق عطشى ..   

 

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1503 الاربعاء 01/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم