قضايا وآراء

حديث المنزلة ... ذاك النور ! / غالب حسن الشابندر

 

1 :

لست في معرض الدفاع عن صحة الحديث  لأنه ثابت  لدى الطرفين، وهذا من فضل الله على علي وعلى محبيه وشيعته، ولكن بودي أن أسلط الاضواء على عمق البنية اللسانية للنص الشريف، فهو يحمل دلالة مشعة بالحضور والقوة على أن  عليا هو الذي ينبغي  ان يضطلع بقيادة الأمة فكريا وروحيا على أقل تقدير بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وهي رواية لا تنهض بوحدها بهذا الغرض، بل هناك روايات أخرى تصب في ذات الاتجاه، ولكن في تصوري أن حديث المنزلة أكثرهم إشراقا هنا .

 

2 : يا علي !

فهل هذا النداء جاء عفويا، ام لغاية بسيطة المرمى، ساذجة الاستنهاض؟ إن ما بعد النداء يكشف عن البعد الاقصى لمهمة في غاية الخطورة، فهو بمنزلة هارون من موسى، مما يكرس النداء على أنه همة كونية، لا يقدر عليها غيره، ولا فارس لها دونه، إنها قيادة الامة، وترشيد مسيرتها، وتتويج  عطائها بما ينسجم مع قيم السماء، وثوابت الشريعة الغراء، فإذن لم يكن نداء عابرا، بل نداء مدروس، كشفت عنه قيم المنزلة التي كانت تنسق العلاقة بين موسى وهارون، فهو عضده ولسانه ويده وحزام مهمته القيادية في وسط لجي، مدلهم، حيث في مثل هذه الحالة يبرز المكلَّف كشاخص مختار بعناية تفوق أي عناية، في أي موضوعة من موضوعات الهداية الربانية للبشر ببركة وتوجيه السماء .

 

3 : أنت !

تلك هي شارة الثبات والاستقرار، انت وليس غيرك، وعندما ياخذ ضمير المخاطب هذه التقدمة المكانية محفوفا من سابقها بنداء نبوي ومحفوفا من بعدها بمقتربات المنزلة العظيمة بين موسى وهارون، يكون حامل الضمير استثناء في الامة، استنثاء منزلة وقيمة ومهمة، ترى هل هي مقدمة لتشييد وظيفة، وقد كرست السماء لها أبا الحسن عليه السلام على وجه الخصوص، بل هي كذلك، فإن (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى) كافية في تحقيق هذا الاستثناء لوظيفة هي الاخرى ذات استثناء لا يتكرر إلا في سياق الحركة النبوية عبر التاريخ .

 

4 : مني !

أي مقام لضمير النسبة هنا؟

إنه مقام النسبة الوظيفية، وليس مقام النسبة الشخصية، فعلي من محمد بحكم اشتراك النسب بشكل من الاشكال، وحسب اللسان العربي نجد الكثير من هذه الصيغ،ولكن ليس هناك من حاجة لبيانها للناس ...

إذن ما هو سرّ النسبة هنا؟

أنك ياعلي مني، أي من مقامي، من نبوتي، من رسالتي، من مهمتي الاصلاحية والقيادية، ياء النسبة بلحاظ المقام والوظيفة، وليس ياء النسبة بلحاظ مكان أو زمان أو  عنصر أو بيئة أو أي لحاظ آخر، بدليل أن محمدا  يتكلم بصفته نبيا، ولا ننسى أن التشبيه بالمنزلة يبني لمثل هذا النسبة الوظيفية بين محمد وعلي ...

 

5 : ولكن ألا يختلط المعنى على الناس هنا؟

نعم !

وإمكان الاختلاط بالمعنى هنا بحد ذاته دليل على هذه النسبة الوظيفية، المقامية ين محمد وعلي ...

النداء والضمير والمناسبة والتشبيه بمنزلة هارون من موسى قد يوحي أن النبوة تستمر بعد محمد صلى الله عليه وأله وسلم !

هنا مكمن الخطورة ...

وهنا أيضا مكمن القوة بالمنزلة، ومن قبلهاالقوة ب (ياء النسبة / مني)، فلابد من الاحتراز الدقيق ...

ــ إلا إنّه لا نبي من بعدي !

إذن كم الخيط رفيع ودقيق بين منزلة كانت قد أقرت هي منزلة النبوة، ومنزلة يُراد لها أن تشيد أو تُعلن للمسلمين؟

 

6 :

كان رسول الله يريد أن يشيد لمنزلة جديدة، لوظيفة جديدة، هي الامامة، وإن كان المصطلح المذكور جاء متاخرا،فإن فحواه واضح بلا اي إ شكال، ومن هنا جاء

  الاستثناء، الاستثناء جاء لرفع لبس مخيف، وما ذلك الا للخيط الرفيع بين ما قبل الاستثناء (بمنزلة ...) وبين ما بعد الاستثناء (إلاّ أنه لا نبي من بعدي)، وبالتالي، هي منزلة قريبة من منزلة النبوة، ولك أن تسميها ما شأت!

 

7 : هل هو حديث عابر؟ هل هي نزوة حب؟ هل هي نزعة قرابة ودم وعصبية؟

لا !

فإن هناك ما يعزز هذا الذي نقوله من خلال تحليل النص، وإلا أين نضع قوله صلى الله عليه وآله وسلم (أقضاكم علي)؟ وأين نضع الحديث المعروف المتفق عليه (أنا مدينة العلم وعلي بابها)؟ وإذا كانت هذه معززات من حاق اللغة، فإن واقع الحال يعزز ذلك بكثير من القوة والسطوع ...

هل ينكر احد دور علي العلمي والفكري في احلك الظروف التي مر بها خليفة المسلمين العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟

ثم !

ألم يكن علي مدرسة سيارة، فهو الوحيد من بين الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم  الذين تركوا لنا تراثا علميا رائعا نتفخر به، نحن المسلمين في كل زمان وفي كل مكان ...

أموتُ فيك يا علي ...

وأنا المهيم بحب الجمال آلقا وانفعالا ونشوة ...

سلام عليك !

لاني لم اكتب ذلك مذهبيا بل إ نسانيا !

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1503 الاربعاء 01/09/2010)

 

في المثقف اليوم