قضايا وآراء

أنا والأسدي: خربشات ارتجالية

و إذا رأين النّوح و الشكوى –  كلٌّ تقولُ من التي يهوى؟

ولربّما قرأته فاتنتي  ـــ  فمضت تقولُ : من التي يهوى؟)

 

أبيات السياب هذه تتماثل لذهني كلما قرأت شعر سعود الأسدي ، فما عسانا أن نقول في ذلك الشعر وهو المحمَّل بكل ماهناك من غزل سوى: من التي يهوى؟

 

رغم أنه كتب في كل شيء  وأبدع في كل ماكتب، إلا انه لايبدع، مهما أبدع، كما أبدع في الغزل،

وهو  يأتينا كل يوم بالجديد والتجديد، فهو شاعر الغزل الذي طرقه من كل جوانبه وخاصة من منبعه الرعوي، وقد أجاد فيه كيفما طرقه، مما يجعلنا نتساءل، من أين له بكل هذه الصور؟

من اين بأتي له الوحي؟

من أين يستقي الإلهام؟

إنه يستقيه من الطبيعة و الشعر والجمال، فهي روح الراعي الذي عشق الطبيعة وحريتها التي تسوق خياله.  والمرأة الشاعرة لها حصة في نبع  خياله؛  وهو لايغازل المرأة قدرما يغازل الشعر والجمال فيها ولديها.

 

ومن يعرف الأسدي جيداً يعلم أنه يعشق الجمال في كل شيء؛ ففي الفن هو جامع لروائع الموسيقى العالمية وعارف بأنواعها وتاريخها، من الموسيقى الشرقية القديمة الى الأوبرا والسيمفونيات، وقد كتب عدداً من المقالات في هذا الشأن. وهو حينما يغازل المرأة في شعره إنما يتعامل معها كقطعة فنية أبدعتها يد الخالق فهي "آية" حسب تعبيره،  ومن هذا المنطلق جاءت المحاورات الإرتجالية بيني وبينه عبر التعليقات..

 

وارتجالاتي الشعرية لاتقتصر على محاورة الأسدي ولكني أرى أن شعره فيه مايكفي لشحذ همة هذه الارتجالات لما يقدمه من تحدٍّ.  وقد حاورت الكثير من زوار صفحاتي بأبيات ارتجالية في كثير من الأحيان حين ترد مقاطع شعرية في  تعليقاتهم كما مع الأسدي  وكالمحاورة مع الشاعر اسحق قومي والتي كتب عنها في نصّ بعنوان: "وماذا قالت إنعام الهاشمي"؛  كما كانت لي محاورة شعرية ارتجالية على الماسنجر و كانت مازحة وعفوية وآنية وقد نشرت حينها في المثقف، وغيرها من الارتجالات والمطاردات. فيما أسميه خربشاتي الأرتجالية أحاول المحافظة على عفوية الأبيات وذلك لاعتقادي أن التعديل يلغي عنها صفة الإرتجالية  ولذا فاني أبقيها كما هي بأخطائها وقصوربعضها في الوزن كما كتبتها أول مرة.

 

وهذه ليبست المرة الأولى التي أدخل فيها في ارتجالات مع الأسدي ولكني سأركز عليها كمثال لكونها أطول الإرتجالات ولاستمراريتها كمحاورة، وفيها شحذت ما لدي  وجابهته ؛ والأسدي، كما يظهر، قد وجد في خربشاتي الارتجالية تحدّ لأبياته، فكان بعناده وبزهو الشاعر المقتدرالذي يتحلى به مصرّاً على المضي في المحاورة ، غير أني أدركت أن تواضع مقدرتي الشعرية لن يصمد طويلاً أمام عناده وطول نفسه فتركت له الكلمة الأخيرة. 

 

ابتدأت المحاورة هذه  حين كتب الأسدي قصيدة بعنوان " تعليق على بورتريه لامرأة عراقية شبيهة إنانا "  وكان الأهداء فيها لي ، و فيها يقول:

 

هي من وحيِ ريشةِ الإبداعِ

كشراعٍ يلوحُ إثـرَ شراعِ

 

راقصتْها أمواج دجلةَ حيناً

بِحُنُـوٍّ كرقَّـةِ النعنـاعِ

 

وتناهى النسيمُ فجراً إليها

حينَ وافى ضياؤها بالتماعِ

 

وجهُها ،

والنخيلُ يفتنُ لُبّي

بجمالٍ من وحيِ سحرِ المراعي

 

يزرعُ الشوقَ في دمي مثلَ نجم

راحَ يغذو الدّجَى بدفءِ الشّعاعِ

 

وهي كالصبحِ والشروقُ يُغنّي

في جبينِ اللقاءِ بعدَ الوداعِ

 

حينَما شِمْتها* هتفتُ جَهاراً

إنّ شَوْفَ الجمالِ غيرُ السّماعِ ........

...........

..........

حتى يقول:

إنَّ هذا الجمالَ خيرُ عزاءٍ

حين ألقَى بوَحْدتي أوجاعي

 

إنّه ملجأي أصيرُ إليه

هَرَباً من تمزّقي وصِراعي

 

سوفَ أبقَى أمامَهُ أتَهَجَّى

أسْطُرَ الشِّعرِ حين يسخو يراعي

 

قد عَشِقْتُ الحياةَ فيه وأبقَى

عاشقاً ،

والجمالُ للخيرِ داعي

 

بعدَه غيرُ آسِفٍ إنْ نَعَاني

حين موتي على المنابرِ ناعي

 

وهو للخُلد والبقاءِ بقلبي

وأنا مَيْتُ حَسْرَتي والتياعي

***

 

فقلت معلقة عليها:

الأستاذ الشاعر القدير سعود الأسدي..

شكراً لك الإهداء المميَّز والمميِّز ..ولك مني هذه الخربشات الإرتجالية:

 

ولقد سمعتُ القولَ أنَّكَ شاعرٌ

وما رأيتُ فيكَ يفوقُ كلَّ سماعِ

 

تُجاهِرُ الشوقَ المبرِّحَ  لوحةً

بالفنِّ خُطّت أو بسِحْرِ يَراعِ

 

فيها النجومُ تباهت أنّها القمرُ

والبدرُ دُرٌّ تاهَ بالإشعاعِ

 

لله درَّك كم نَثَرْتَ من الهوى

 شِعراً

  وفيه تضوَّعَت أيقونةُ الإبداعِ

 

تمضي السنونُ بنا وعمرُك واقِفٌ

في لُجَّةِ الأحلامِ دونَ شِراعِ

 

تشدو بأنغامِ الشبابِ ولا تسَلْ

عن موعِدِ الإبحارِ والإقلاعِ

 

ترِدُ الصَبابةَ  صَبّأ والصِبا وترٌ  

الوَقعُ  فيه رائعُ الإيقاعِِ

 

فعِشْ الحياةَ كما تشاءُ وتشتهي

وليَ التقشُّفُ غايَتي وطباعِي

 

 مع التقدير؛

حرير و ذهب (إنعام)

الولايات المتحدة

------------

 

فقال سعود:

وقد سرّني أن تكتبي تعليقك شعرا، ولما كان لا يجيب على الشعر إلا الشعر فإنني أقول :

 

لن تقنعيني بالتقشف إنني

متمرّدٌ وبَعُدْتِ عن إقناعي

 

وهي الحياةُ وحبّها لا يأتلي

يدعو إليه قلبَ كلِّ شجاعِ

 

وأنا سأبقى سائراً في ركبها

حتى توافي ساعةُ الإقلاعِ

 

لا زلتُ طفلاً في الزمانِ وإنه

مثلي وعهدي فيه عهد رضاع

 

هذا وأبقَى جائعاً فيه ولن

تقوى سنو عمري على إشباعي

 

بمودة وإخلاص

سعود الأسدي

 

وقال سعود في موقع آخر:

 

أهوى تقشفكِ الجميلَ لأنه

قد جاء يقنعني بلا إقناع

 

وهي الحياة نداؤها كم يبتغي

مهما كبرت إلى الصبا إرجاعي

 

وأنا سأبقى سائراً في ركبها

بالله لا تستعجلي إقلاعي

 

لا زلتُ طفلاً والزمان كأنه

لمّا يزلْ في فترة الإرضاع

 

بإخلاص ومودة

سعود الأسدي

-------------

 

فكان ردي عليه بقولي:

 

إنّ الطفولة لاتدومُ فعصرُنا

فيه الوليدُ يشيبُ قبل رضاعِ

 

إني أعيشُ اليومَ يوماً بلحظةٍ

لا خوفَ من سفرٍ ولا إقلاعِ

 

هذي الحياة مسارُها فيه اللقاءُ

يحثّه سعيٌ ليومِ وداعِ

 

 ان احتلاك الليل إن طال ينجلي

والفجرُ خيط ٌ للغروب يداعي

 

يوم المشيب إذا أتى لدُعلُجٍ

ماصدّه درعٌ وحِصْنَ قلاعِ

 

والسيلُ إن بلغ الزُبى ماجارنا 

 أن  نمتطي سنماً بظهر سُباعِ

 

ولكني أدعو أيها الشاعر الشاعر أن تدوم بحفظه دائم الشباب والإشراق ... دمت ودامت لك روحك الفتيّة ..

 

حرير و ذهب (إنعام)

الولايات المتحدة

----------------------

 

فكان رد الأسدي مقطوعة  فيها كل الإبداع الذي هو من شأنه :

 

يا أيها الستّ التي بيراعها

كتبتْ فغنّاها شجيّ يراعي

 

إني أثمّن فيك مقدرة ولي

زهو بها وبذهنِكِ اللمّاعِ

 

إن كان قد بلغ الزبى سيلٌ فما

سيلٌ ببالغ ذروتي ويفاعي

 

وأراك ترتجلين ما " خربشتِهِ "

إن الشجاعة تلتقي بشجاعِ

 

أصلي العراق وفي العراق محجّتي

وقِلاعُهُ يوم الفخار قلاعي

 

وهو الحضارة فوق كل حضارة

تبقى و" تموز " العظيم الراعي

 

لا تقنعيني بالمشيب وسيفه

فالموت لا يقوى على إقناعي

 

وإذا شراعي قد حوته لجة

ليغيب بي في ظلمة في القاعِ

 

حطّمته ومضيت في بحر الصبا

ونسجت من ألق النجوم شراعي

 

بإخلاص ومودة

سعود الأسدي

--------------

 

وبعد هذا النفس الطويل منه ماكان على حرفي إلا أن يصمت في حضرة الشعر.

 

حرير و ذهب (إنعام)

الولايات المتحدة

http://goldenpoems.wetpaint.com/

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1507 الاحد 05/09/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم