قضايا وآراء

ثنائية التضاد في اللامألوف في قصيدة (إمارة العجول) للشاعر حميد الحريزي

هل هو تحليل ثقافي لواقع اقتصادي وسياسي لظرف عرقي راهن، هل هو تأثير العولمة كما عبَّر عنها في قصيدته الأولى (مشاهدات مجنون في زمن العولمة)، هل هو سرد لمنظري ما بعد الحداثة ومنتقدوها هل هي تحفيز للباحثين والنقاد على نقاشها، هل يمكن الفصل بين الكلمة والصورة المتناقضة في شعره، هل يبغي او يهدف الى أسس التوافق السياسي والاجتماعي الذي تفكك في زمن الاحتلال، هل ما جاء في قصيدته هو كلام يؤدي الى تخدير الجماهير وهذا ما يتناقض مع مفهومه ومبادئه التي حملها منذ إدراكه للحياة، لأنه يرى ما لا يرون، وهل يريد ان يعود بالجماهير المنكوبة والفقيرة والمحرومة الى دائرتها الثقافية المغلقة، أليس لهذه القصيدة أبعاد ثقافية ونفسية واجتماعية واقتصادية معقدة ومتداخلة، أليست كلماته عبارة عن مصفوفة تتجاوز فيها التناقضات ، ولكن ميزتها ان إحداها تدعم الأخرى، هل يريد منا ان نشكو العولمة ونقف مبهورين أمام الاتصال الرائع الذي يوحد الكرة الأرضية؟؟؟؟

 

كثيرة هي الأسئلة وتبقى معلقة التساؤلات!

حسب فهمي بعيدا عن النقد ان شعر الحريزي مغامرة وُلِدت لديه نتيجة التناقضات المتراكمة لنصف قرن من الزمان لِما يجري في العراق، واتسعت معرفته باتساع فضاء اللسان حتى فاض عن حدوده البيئية الصغيرة فضاقت به رقعة جغرافيته ليتخذ مساحته الحقيقية مساحة رسمتها أشعار قصيدته المسكونة بالبطولة ليهربها عبر الحدود فقد خرج عنده النص من مدينته الصغيرة ليتخلل المكان الأكبر ويتسلل الى الإسماع المحاطة بالأسوار والأسرار، فلم يداهم خلوة العشاق في خبائهم بل تطرق الى حزن العراق ليشغل حيزا جديدا في أشعاره بنص التعبير الإنساني المتمرد على الواقع ليذهب الى خارج الديار كما أسلفنا، فقد نسج النص وصفا بين الجهل والعلم كقوله (صار الأمي رئيساً، وعالم الذرة خفير)

 

لكن لماذا يكتب (الحريزي) هكذا أشعار؟؟

وإذا أردنا ان نعرف الأسباب يتوجب علينا ان نلج الى مكانه وزمنه بعد تاريخ من الصهر والتآلف، ان نفككه الى وحداته التكوينية حتى تبدو صورته الفسيفسيائية الغنية بالروافد، روحانية العراق القديم، ميراث السومريون والأكديون والآشوريون، إيقاع الصحراء، طرب الاهوار، فحولة الغناء الريفي، شموخ جبال كردستان، فهي لوحات ترسخت في وجدانه واندس في تفاصيلها ودخل في الدهاليز السرية باحثا عن مكنون غميس ليفك رموزه، فهذا هو زمن البدء والتكوين للشاعر (الحريزي) ، زمن العراق الطويل، ثم تعدد الزمن ، وصار أزمنة شعرية بعد أمكنة الشواهد والترثات وهذا ما شهده الى الترحال في عالم الشعر لينتفض ويذهب الى العالمية بوصفها شراكة إنسانية بين مختلف اللغات.

ان شغفه لكتابة الشعر في هذه المرحلة بالذات لها أسباب كثيرة أهمها مشاهداته للواقع المتردي في الوطن وكل شيء أصبح بالعكس مثلا قوله في بداية قصيدته:-

(تعالوا هلموا سراعاً\ لأخبركم بالنبأ الخطير\ لقد تُوجَ الثور أميرا\ وصار الحمار ُ وزير) .

وهذا ما نعانيه في العراق، فالإنسان المناسب في غير المكان المناسب.

إذن هو يدرك على وجه الدقة من أي شرفة يطل على متناقضات الحياة في البلاد، وأحيانا فقد تأخذه الحيرة فلا يدري كيف يمكن لهذا ( البصير ان يقوده ضرير)، فهو يريد من المواطن ان يتعلم، ويعمل، ويطلق طاقاته الدفينة، وان يشرِّ نفسه وأهله والوطن، وبعكسه سنصبح (كلنا في فلك (العجل) ندور.

فأي شعور ذاك الذي يسري في نفس الشاعر ولماذا ثار بقصائده ومفرداته المتضادة التي هي من صميم وعيهِ؟؟

فإذا وافقنا ه الرأي، يصبح (الحريزي)، ليس ضيفا ثقيلا على العالمية ، فهم سبقونا في بوليفيا والأرجنتين، وقصائده هي جواز سفره.

أعود وأقول ان معاناة شاعرنا (الحريزي) التي أحس بثقلها قبل غيره من أبناء جنسه منذ الاحتلال ولحد الآن جعلته يتميز بخصائص حسية وشعورية قادرة على تلمس وتشخيص المألوف وغير المألوف في الحياة التي يعيشها... ومن ثم فأن الشاعر يمكن ان يكون مَجَس قومه، الذي يستطيع ان يشخص اللا مألوف ويرفضه والمألوف الذي يمكن ان يتعايش معه.

 وبسبب رفض الشاعر- صاحب الضمير الحي، والمبدأ الأخلاقي الاجتماعي لما هو غير مألوف في الحياة اليومية في بلاد التمزق والتشرد تفجرت قصائده ليعبر عن خلجات نفسه بشعر مترادف من خلال قراءتنا لنصوص قصيدته (إمارة العجول) التي يصور فيها تناقضات معاناة الضياع وغياب الكفاءات وإشغال المناصب بشخوص يحق لنا ان نطلق عليها بشريحة (الاستحمار) انسجاما مع قوله (فلنهتف جميعا ويعلو الصفير\ عاش الأمير... مات الخفير\ كلنا حمير... كلنا حمير).

 

للاطلاع على نص الشاعر:

إمارة العجول للاديب حميد الحريزي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1508 الاثنين 06/09/2010)

 

في المثقف اليوم