قضايا وآراء

مفاوضات العشاء الرباني الأخير أوقٌبلة يهودا / الطيب بيتي العلوي

أن خطئا جسيما قدارتكب في حق هنود أمريكا، أوملوني أستراليا...، .ولن أقبل أن هناك خطئاً ما، قد ارتكب في حق هؤلاء على أساس أن عرقا أقوى (وأنقي) وحضارة أرقى حازت السبق الأممي (تاريخيا) في مجال الحكمة، جاءت لتستحوذ على أراضي هذه الشعوب (الدونية) السيرونستون تشرشل في خطابه الرسمي أمام البرلمان البريطاني عام 1937 أمام لجنة التقصي المختصة بالمحميات البريطانية لما وراء البحار

وهذا الخطاب لم يتغير من تشرشل إلى بليرولن يتغيربعدهما، وهو القاعدة الذهبية التي يبني عليها الغرب تصوره الأساسي للمعضلة الفلسطينية خصوصا، وللعوالم الدونية خارج التصورالغربي المركزي للآخرين عموما، وهو من ثوابته لمن يريد معرفة الغرب من الداخل، وطرحه الذي يبني عليه يقينياته الكبرى كإطاره الفكري و خلفياته المعرفية، لمن يسعى إلى التحاور أو التفاوض مع الغرب في شأن قضايانا الكبرى...

مقدمة: إن حديث الساعة في المجاميع الدولية هو مهزلة المفاوضات (الفلسطينية-الإسرائيلية) التي تمت في أجواء بهرجة مهرجان التدليس الإقليمي والدولي المثيرللسخرية والضحك الضحل المرير، أو الضحك الشيطاني الوحشي المكيرالذي هو أغلظ وأخبث أنواع الضحك، كما قال صمويل بيكيت في إحدى مسرحياته العبثية :

ذلك التجمع المشبوه المسمى –احتقارًا للأنام بـ المفاوضات –وماهو بمفاوضات بالإصطلاحين :اللغوي والسياسي، – بل كان لقاءا دوريا لرؤساء ومرؤوسين، وخدم ومخدومين، الذي أُهدر فيه-عبثا- من الأوراق والصفحات (عربيا وإسرائليا وأمريكيا) ما يمكنه من إقامة سوريطوق به تلب أبيب ويخنقها،

ولم يكن ذاك اللقاء الهوليودي-باختصار- سوى لقاء مشوشا لا ناظم له سوى مبدأ الخيانة وآلياتها:الفوضى والخسة واللغو والعبث والسفاهة، ولقاء يعنون لمسخ لا أصل له ولا فصل إلا المسخ نفسه، وتهافت سمج بلا طعم ولا كرامة، بل كان لقاء للتعبيرعن إظهار مراسيم تجديد الولاء والإخلاص لآلهات تل أبيب وواشنطن لاغير

 ولقد قدم الإعلام العالمي، ذلك العرض البلزاكي لشخوص المتفاوضين العرب على المسرح السياسي الهزلي الدولي مثل جوقة رديئة لبطالة ممثلي عطلة يوم الأحد -كما يقول المثل الفرنسي الدارج- .. وبدا هؤلاء المتفاوضون كطلبة نجباء مبتدئين في لقاءات مدارسات البيزينس السياسي الجديد، الذي يقعد له الثعلب الماكر طوني بلير في المنطقة، كأحد أهم عملاء وخدام طغمة جماعات الضغط الخفية وإن شئت فسمها الحكومة العالمية أو حكومة الظل :الماسكون الحقيقيون لناصية الأمور، والمحركون الفعليون لخيوط اللعبة الدولية القذرة، والمتحكمون في مصائرالشعوب والأمم ويوظفون لتنفيذها من يرونه أهلا لإنجاز خططهم ومؤامراتهم-وسحقا لكل نفاة المؤامرة من عندنا-...

 ومن هذه الزاوية، فلا يعرف حتى الآن ماهية المسوغات الحقيقية لهذه المفاوضات ؟، وما هي الأسباب وراء بهرجات مشاهد يوم الحشرالتي أحاطت بأجوائها وأنشطتها، وأسباب توقيتها؟...والتي لم يشتم منها سوىآفاق مشاريع خطط تدليسية جديدة تستهدف تمريرالمشاريع الجديدة الخفية المحبوكة، للإنتقال إلى المرحلة الإنتقالية الحاسمة، قبل الضربة الغادرة المقبلة، سواء لإيران، أو لبنان، -على المدى القريب-و لسوريا على المدى المتوسط- والتي يتبارى الوسطاء العرب المعتدلين في تقديم الخدمات و الإستشارات و المساعدات و التسهيلات لمحاولة اقتسام فتات الكعكعة بعد تنفيذ مشروع تغيير الخرائط المقبل بعد الضربة الإحتمالية الغادرة...

 والعالم بأسره يعلم علم اليقين بأن دور المفاوض الفلسطيني الحالي، ينحصرفي تنفيذ أجندة المحتل الإسرائيلي، وأنه منذ أوسلو قد أسند إلى ما يسمى ب السلطة الفلسطينية دورالقيام بتلك الأعمال القذرة التي ليست في مقدور الموساد أو الجيش الإسرائيلي القيام بها من:المراقبة والتجسس والضغوض والإغتيال والسجن والتعذيب ثم التنفيذ، وتم تصميم اختيارأفراد السلطة على شكل عملاتي:معرفة أكثرعمقا بالأرض والساكنة و الخيمة والأهل والدار والشعاب والأطلال، والخبايا والأسرار- وقد كتب في هذا الشأن ما يكفي

 والعالم بأسره شهد في نيويورك ذلك المشهد الدرامي للعرض الشكسبيري الدرامي، تحت عنوان: مفاوضات بيع الأوطان عبرلقاء العشاء الرباني الأخير في نيويورك الذي به سينسدل الستارعلى الفصل ما قبل الأخير لنهاية الدراما الفلسطينية والعربية وسينزوي يهودا عن الأنظاربعد قبلته الغادرة الأخيرة للسيد المسيح عليه السلام

بانوراما (أنثروبو–جيوسياسية) لما بعد مهزلة نيويورك:

 من الأكيد أن المنطقة والعالم سيريان من أمرهذ اللقاء الهوليودي التاريخي عجبا، :

 -سيشهد الفلسطينيون ويعيشون المزيد من الإذلال

 سيتحول سوء ترشيد الصراع (العربي الإسرائيلي) بالكامل إلى مجرد صراع (فلسطيني-إسرائيلي) سمج، لتنفرد الذئاب الكاسرة بالضحية المنفردةالقاصية

 -تعميق العلاقات (السادو-مازوشية) الباثولوجية المرضية بين العدو الإسرائيلي وما يسمى بالسلطة الفلسطينية الحالية و دعاة السلام والمراوغ والمستحيل من الأنظمة العربية- حيث لن يزداد العدو الإسرائيلي إلا تغطرسا وتعنتا واحتقارا، والعرب انبطاحا

-سيزداد المفاوضون العرب أمام الإعلام العالمي أكثرقزامة، وسيبدون أمام أنظاره كمجموعات سمج بدائيين رجعيين، وإقطاعيين طبقيين شهوانيين، وأوليغارشيين ثيوقراطيين، يشبعون شعوبهم المسلوبة أفانين الهوان والإستغلال والتجهيل، -كما تروج البروباغاندا الإسرئيلية- بغية التحجيج

لصوابية استحقاق أن تفرض اسرائيل وجودها وإملاء شروطها وتوكيد وجودها وهيمنة عقيدتها المقتحمة لكل مجالات التعبير الحضاري الشامل، بالطرق المهاجمة الحديدية المعاصرة (رغم مظاهر التمسرح الديني والتشبث المرضي بتقاليد فولكورية عبرية زائفة،) لتسوق العرب سوق الإبل- وهي دويلة صغرى في حجم أصغر ضواحي باريس- إلى طريق الهدى والرشاد والحضارة والتمدين والثقافة والحداثة

-ولأن الرأي العام الدولي –شأنه شأن الإنسان-فردا أو جماعة- في احتقاره في كل زمان ومكان للضعف والضعفاء، فيسيصبح أكثر تأففا تقززا من هذه الشعوب العربية الخنوعة لأنظمتها المستجدية للقرارات والتوصيات والإدانات من المحافل الدولية المشبوهة، وهي ما عليه من مئات الملايين تعدادا، وأراضيها اتساعا وثروتها تعاظما ....

 ومن هذا المنظار، فلا أحد من الجادين في الغرب يعيرهذه المفاوضات أي اهتمام اللهم... إلا إسداء النصح لتلك الأطراف المفاوضة، بحزم حقائبها قبل فوات الأوان، وقبل أن تقصم القشة ظهر البعيروينقلب السحرعلى الساحر (لأن الأسياد قد قرروا التخلص منهم بعد العشاء الرباني الأخير أوالبحث عن وجوه بديلة–وما أكثرها اليوم في المنطقة-أكثر قبحا وعمالة، - وتلك من شروط اللعبة الدولية القذرة-....وعلي عباقرة مستشاري هؤلاء-من المتبقين- أن يتعلموا ألا يقرؤوا التاريخ من صفحاته الأخيرة، وأن يتعظوا بمقولة الجنرال دوغول –المؤرخ الأكاديمي- قبل الرجل العسكري- بأن السياسي والمثقف الجاهلان لقراءة التاريخ من مواقف العبرلن يرتكبا في حق شعوبهما سوي الأخطاء القاتلة الفادحة

وما ذا بعد؟

 وبعيدا عن تسطيحات المحللين المتسرعين، لا بد لنا –على الأقل من الزاوية الأنثروبولوجية-من توضيح المشهد بكامله لفهم مقاصد هذا اللقاء الهوليودي لكي لانخرجه من السياق الذي هُيئ له وخُطط من أجله

إذ أنه من الأكيد أن كل تلك التمظهرت المسرحية، لذلك اللقاء، تتماشى والإعداد المكثف الحربي للمنطقة في الزمن الأوبامي -صاحب جائزة نوبل للسلام- مع نظيره وعديله ورفيقه في الدرب الصعب ناتانياهو، اللذان كلاهما ممسوسان (من المس الشيطاني) : الأول –أوباما، الممسوس بنرجسيته وعقده الدونية من البيض والسود والصفر والحمر والمسلمين والبوذيين واللادينيين وكافة المسيحيين، ويسعى-حسب إحدى تصريحاته- في أن يكون تلموديا أكثرمن كهان التلمودية-مع تقززه ممن ينعتونه بالمسلم، وهو المكلف من أولائك الذين أجاؤو به إلىالسلطة لينقذ الإمبراطورية الذاوية، والحضارةالآيبة إلى السقوط ـوالثاني ناتانياهو : الممسوس بالسادية المرضية والهاموية الدموية (مص الدماء)، ومُنظرالتوراتية الجديدة:المحيي للعقيدة العسكرية المهاجمة القديمة للإله البركاني الفض الغضوب الميال إلى التدميروالفتك بسكان الأرض الأصليين (الفسطينيين) بإحياءالابادات المقدسة للإله ياهوى : عدو آتون إله أخناتون الميال-بطبعه-إلى الوداعة والرقة والدعة وإيثارالسلام والتبشير بالمحبة والوئام بين الشعوب (شعوب المنطقة زمنها) حيث أصبح كافة الفلسطينيين، في الأجندات الفورية للعرب الجدد، وفي ملفات كل دهانقة أحبارتل أبيب وعسكريي واشنطن، ودهاة مجموعة بروكسل، سوى رهوط من الأشرار، يجب تخليص المنطقة و العالم الديموقراطي الحضاري الحر من بلاياهم ورزاياهم، حيث تدرس جيدا في العواصم المذكورة وضع الرتوش الأخيرة لكيفية تنفيذ عملية التخليص هذه -وان شئت فسمها الإبادة المعنوية: بالترغيب والتغريب والتطبيع والأمركة والأسرلة...، والجسدية: بالترهيب والإكراه والضغوط والسجون والتعذيب والتقتيل والتهجير، وهي ضمن المخطط الشمولي لمشاريع الهجوم على إيران وتدميرلبنان ومسح غزة وتكبيل سوريا ومحاصرةتركيا، تمهيدا للإستحواذ النهائي على القدس للإحاطة بكامل فلسطين، إحاطة السواربالمعصم، ويتحول بذلك الفلسطينيون بالكامل إلى إحدى لوحات الغرابة لفظاعة المشهد التاريخي الجديد، لمنقبة استاصال أقدم شعوب العالم على غرارالمنقبة المظفرة الغربية التي تمت منذ ستة قرون في القارتين الأمريكيتين على أيادي الأوروبيين

 (وأعجب من أولائك النخب النرجسية الفلسطينية التي لا تزال تردد–على ضوء ما يجري على الأرض تلك المقولات البائدة المهترئة للستينات، لوجود يسارعلماني سلمي ويمين يهودي متطرف (فالدارس لتاريخ نشوء التيارين الكبيرين عبر خمسة قرون في الولايات المتحدة بأن لعبة اليمين واليسار (الجمهوريون–المتعصبون- والديموقراطيون-التقدميون) ماهي إلا لعبة قذرة لاقتسام الأدوار، وإلا فليرحل هؤلاء العلمانيون ويعودوا الى أوطانهم سالمين غانمين من حيث أتوا، ليكونوا قدوة للآخرين من المغرربهم من عوام ودهماء اليهود من عرب الاوطان العربية المختلفة من المغرب العربي الى مشرقه)

ثم:

أما آن لمثقفينا وإعلاميينا ومتفلسفينا –وخاصة الحداثيون المتنورون منهم-أن يتوقفوا هنهيهة ويتأملون ثم يتساؤلون؟:

 أولا: أولم يقل لنا منظروا عباقرة الغرب وأحبارمفكريهم، بأن البشرية ستعيش منذ نهاية الحرب الباردة أطروحات جديدة للمابعد لفهم العالم الجديد؟: ما بعد الحداثة، وما بعد الحضارة، وما بعد التاريخ، وما بعد الثقافة، وما بعد السياسة، وما بعد المجتمع، وما بعد الإيديولوجيةوما بعد الدين؟ فكان الجواب الغربي الفوري لهذه التساؤلات- بعد انهيارو تفكيك المعسكر السوفياتي-هي اختلاق حرب حضارية أولى على الشرق عبرتدمير العراق (بوابة المشرق) ؟

ثانيا:أو لم يقل هؤلاء العقلانيون و الإنسانويون Humanistes-وحاشاأن يكونواإنسانيين-، والحداثييونوالديموقراطييون حتى النخاع، بعد تدمير العراق بأن الديموقراطية قد انتصرت، والمستقبل سوف يكون للعلم ولحقوق الانسان، وأن العقل قد انتصر، والتاريخ بلغ نهايته…، .وحالما ننظر من حولنا، نلاحظ أن الواقع لا يتوافق البتة مع الشعارات المرفوعة :فالتزمت انتشربشكل مخيف، والخرافات والمعتقدات الزائفة اكتست القلوب والعقول... على حد تعبيرالمفكر والاستراتيجى الفرنسى الكبير ..فيليب سولرس ؟

وهاهو ذات التساؤل لايزال مطروحا، ثم...وما ذا بعد المابعد ؟

والجواب: هو ما ستراه أعيننا، -لاماتسمعه آذاننا-وهو ما سيتمخض عنه اللقاء المشبوه بنيويرك الذي كان بمثابة الرتوش ما قبل الأخيرة لتوزيع الأدوارلمابعد الحرب التدميرية القادمة، عبرتغيير الساسة والعملاء الذين استنزفوا، وانتهي دورهم -ومن شروط اللعبة تغييرالوجوه- وعبرتغييرالخرائط، وإعادة قولبة المجتمعات، وصياغة العقلايات والذهنيات و قلب المؤسسات تمهيدا لبزوغ الخلق المفيد للتاريخ للبشري الجديد حسب تعبير كيسينغر: نحن الأمريكيون والإسرائليون هم صانعوا التاريخ الجديد.... فنحن التاريخ وذاك ما وعاه السادات وسارعلى هديه من سارمن دعاة السلام والتطبيع في المنطقة، وهي الكلمة الفصل ومسك الختام، للإجابة عن كل تساؤلات مابعد المابعد التي حارت فيها أذهان عشاق الأناسة والفلسفة والسياسة، وغواة علوم الخفائيات والغنوصيات، حيث سيكتشف هؤلاء جميعهم –في مصاميعهموأبراجهم- بأن كل هذه التساؤلات قد أجاب عنها ناتانياهو في محاضراته الأخيرة في ألمانيا (معقل الديناصورالكانطي الأكبرالصامت عما يجري يورغان هابيرماس ، وفي مراكز البحوث في الولايات المتحدة، في دعواته الجديدة إلى تاريخ جديد للبشرية الذي هوالتاريخ اليهودي-التوراتي- الكوني الذي عاصمته القدس (وإن شئت فسمه العاصمة الجديدة للحكومة العالمية –حسب تصريح جاك أتالي مستشار الإليزي) وما على تواريخ أمم وشعوب المنطقة إلى أن يلفها الظلام الحالك، وتبتلعها صحاريه القاحلة لتختفي وتنذثرإلى غير رجعة، وتلك أماني الكثيرين من بني جلدتنا من الدعاة الجدد لــ:لتدنيس المقدس وتقديس المدنس، نسال الله السلامة والعافية

 

د. الطيب بيتي / مغربي مقيم بفرنسا/ باحث في الأنثروبولجيا الثقافية والدينية والسياسية للعالم (العربي-الاسلامي) بباريس

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1509 الثلاثاء 07/09/2010)

 

في المثقف اليوم