قضايا وآراء

سماويات: ينقدون .. ويمكر الشاعر (2-2) / حسين سرمك حسن

وهو مفتتح يعلن بصورة واضحة عن الاستعداد المسبق لاستقبال الحضور الأنثوي بصورة ساخنة يشي بها ارتباك الشاعر صاحب القلب الضجر الخدر الذي – أي القلب – قفز متيقظا مرتبكا مع أول سؤال وجهته الأنثى التي حيّته وهو وحيد معتزل منشغل بهمومه:

من أين درب البحر ؟ فارتبكت      شفتي ، وراقص مقلتي قمرُ

ويتبدى انجذابه الحسي واضحا من خلال إدراكه قمر فتنتها وهي مازالت منقبة ، فبعد أشواط من القصيدة (بعد ستة عشر بيتا تحديدا) سيخبرنا الشاعر أن المرأة قد رفعت شفيف قناعها عن وجهها ، وعند هذه اللحظة شاهد ملامحهها بدقّة ، أي أن تلك الاستجابة اللاهثة المفرطة كانت تعبر عن احتدام استباقي بفعل الانهمام الفعلي بالحاجة للحضور الأنثوي . وليس أشد من الحرمان الجنسي والحسي سببا للإحساس بالخواء والشعور بالضجر ووحدة القلب:

مدت يداً منها ... وأحسبني        حقلا يداعب عشبه المطرُ

رفعت شفيف قناعها فإذا          خلف القناع النجم والقمرُ 

وتأتي إجابة الشاعر على تساؤل المرأة مناقضة لما تبغيه الأخيرة ، فهي تسأل  عن الطريق  إلى البحر ، وهو يجيبها بأن يدلّها على بحر مجازي آخر .. بحر شعري هو: "بحر" أحداقه:

من ها هنا حسناءُ ... من حدقي     فدعي بخور العشق ينتشرُ

 وهذا البحر في الواقع النفسي الذي يطابق الواقع الشعري بحر فعلي بل لجيّ ، رغم أن قوانا الواعية ترفض هذا التصوير . لكن المنطق الشعري غير المنطق الموضوعي .. هو يخالفه ويناقضه .. بل يلغيه . هنا يحيلنا الشاعر إلى معضلة شائكة تتعلق بطبيعة " الحقيقة الشعرية " التي هي ليست تلك الحقيقة العلمية المادية المؤصلة المدعمة بالأدلة والقرائن الصلبة التي تتكرر صحتها كلما كررنا التجربة أو البحث فيها. الحقيقة الشعرية حقيقة نفسية .. والأدق هي حقيقة نفسية لاشعورية يحكمها منطق اللاشعور الذي تتآلف فيه المتناقضات وتعايش أو تتصارع في وحدة متكاملة ، لا يقر حدود المكان ولا قيود الزمان ويقفز فوقها ، والعلاقات فيه متراخية غاية التراخي ، كما أنه يعمل بآلية ناكصة يحوّل فيها الأفكار إلى صور ، ويخضع لأواليات العمليات الأولية التي تبغي الإشباع وتحكمها الرغبة . وعليه فإن كون حدق الشاعر بحرا أو دربا موصلا للبحر أمر حقيقي تماما في الواقع النفسي اللاشعوري .. لكن الشاعر لا علاقة له بالكيفية التي تتأسسس فيها الحقيقة الشعرية رغم أنه يشتغل عليها وبها .. إن حاله أشبه بحال الفرد الذي يتعلم الصلاة من أبويه وهو طفل ويستمر عليها فيندهش ويفتح عينيه مذهولا عندما يسأله شخص: لماذا تصلّي ؟ (فالشاعر – كما يقول معلم فيينا – يركز انتباهه على لاوعي نفسه هو ويصيخ السمع إلى كل كموناته ، ثم يمنحها التعبير الفني بدلا من أن يكبتها بالنقد الواعي . إنه يتعرف بواسطة داخله هو نفسه إلى ما نتعرف إليه نحن بواسطة الآخرين: ما القوانين التي تنظم حياة اللاوعي . بيد أنه لم يك بحاجة البتة للتعبير عنها ولا حتى إدراكها بوضوح ، فقد اندمجت هذه القوانين في إبداعاته ، وبفضل من تقبّل عقله). وحتى عندما يحاول الشاعر إقناع المرأة بأن درب البحر يبدأ من حدقتيه فإنه يسحب الحقيقة الموضوعية (صفات البحر المادية) إلى مخبر الحقيقة الشعرية / النفسية / اللاشعورية ، بمضموناتها التجريدية الفاعلة . فهو يجعل للبحر حدقة وأهداب وأجفان لكن يربح توسيعا هائلا لمحتويات جفنيه من خلال إحالة مستترة:

بي من طباع البحر فاتنتي     طبعٌ .. ومن أمواجه أثرُ

كـــــلٌّ عــــلى أهدابه أرق    وتنام تحت جفونه دررُ

والشاعر يسخّر كل شيء من أجل "مصالحه" الذاتية حتى لو اضطر إلى لي عنق الحقائق والتلاعب بما هو مقرر من فعاليات ومظاهر الطبيعة منذ فجرها الأزلي . فقد "أنسن" البحر لكي يقنع أنثاه بمصداقية درب الأحداق الاستدراجي . وهو بفعل التشارك اللاشعوري في "المصالح" بينه وبين المتلقين يغيّب انتباهتهم عن الكثير من الأمور حيث يصبحون قابلين للتأثر بالإيحاءات والصور التي يطلقها الشاعر الذي يضعف حساسيتهم النقدية ضربه على أوتار الرغبات اللائبة في أعماقهم .. على أوتار "حقائق" عالمهم النفسي / الشعري / اللاشعوري ، وهذا من أهم عطايا الفعل الإبداعي وبهائه وسرّ إقبالنا عليه ، ولكن الخطورة تكمن في تأثر الناقد – حاله حال المتلقي – بالإيحاء الشعري الذي سيضعف قدرته الفاحصة المحللة و "تعبر" على بصره القرائي وبصيرته الراصدة الحقائق الشعرية المتناقضة – والتناقض من طبيعة نظامها كما قلنا وهو يعزز وحدتها -  التي يتضمنها طلب الشاعر الآمر "كوني" وبين التخيير المهادن " إن شئتِ " .. ففي الحالة الأولى هناك نوع من "التوريط" يجعل فيه الشاعر أنثاه الهشة المعشوقة شراعا يصارع الأمواج ، وفي الثانية يتعايش معها في ظل الحالة الرخية التي تنبني على موقفها المقاوم لأمواج البحر العاتية:

كــــــوني شـــراعي في مزاحمتي     موجا ... سيعذبُ قربكِ السفرُ

نمضي معا - إن شئتِ - نورستي      فالبحر – رغم هدوئه – خطرُ

وسيكون من البلادة أن نعتقد أن الشاعر يدعو أنثاه إلى رحلة بحرية فعلية تكون هي فيه الشراع الذي يواجه العواصف .. لكنها دعوة لرحلة من نوع آخر .. لرحلة تبدأ من دروب الأحداق نحو بحر الداخل حيث الرحلة الملتهبة المشبعة المرجوة بين الرجل والمرأة . وهذا الموقف يحيلنا إلى النوايا الشعرية "المبيّة" التي تنطوي عليها ظلمات أعماق الشاعر والتي كثيرا ما تناقض ما يقوله جهرا ، ولعل في هذا المقترب نظرة جديدة إلى دوافع التحذير القرآني من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون ، وفي كل وادٍ يهيمون . تلك النوايا الشعرية / النفسية "المبيّتة" هي التي تجعل لسان المحبوبة ينعقد خجلا وفم الشاعر العاشق ينعقد خفرا دون أن يكون في كل ما قاله شيء يخدش الخفر .. كانت دعوة لرحلة يرتبط بها المصيران يمكن أن تناقش منطقيا فترفض أو تُقبل .. لكن ما يلوب في الاعماق من رغبات قد حدد معان دفينة لدعوة الرحلة .. ويبدو أن تناقض الشاعر – وهو المبادر بالإغواء - وتصارع نوازعه بين الظاهر والباطن أشد قوة من أنثاه فاختار الفعل (خفر) الذي هو اشد الحياء ليعبر عن قوة الرغبة الجامحة في حين خص المحبوبة بالفعل (حييَ) وهو الخجل والحشمة .. والجذر (خفر) يعني نقض العهد والغدر بالآخر مثلما يعني الوفاء به فيا لعبقرية اللغة العربية المظلومة . والأمر الذي يؤكد قوة نوايا الرجل المتيم المبيتة قياسا للمرأة المحبوبة هو "تأثيث" المشهد الذي قام به وذلك حين جعل حاه (حطبا يحيط بعصفه شررُ) وهو شررُ الغريزة التي تبحث مستميتة عن منفذ للإشباع ، الغريزة جمرة في الروح يشعلها زيت الجمال:

عقد الحياءُ لسانها ... وأنا       عقد الجمالُ فمي .. وبي خفرُ

فوجدتني والعــذرُ يسبقني        حطباً يحيط بعصفه الشررُ

ويشي تركيب جملة الحياء أن ردة فعل الأنثى هي استجابة تلقائية لم يحدد لها الشاعر سببا ، في حين أن تركيب جملة (الخفر) يفصح بالدافع الحسّي ممثلا بجمال المحبوبة ، كما أن الحياء الذاتي قد جعل (لسان) المرأة ، وهو عضو الكلام ، يحتبس فلا تبين ، في حين أن الخفر قد سدّ (فم) الرجل بوظائفه الحسّية المعروفة . ومن الأهمية بمكان أن نستوعب ، وفق مقترب جديد ، معاني التحذير القرآني من أن الشعراء يقولون ما لا يفعلون وأنهم في كل واد يهيمون كما أشرت آنفا ، فالشعراء يتعاملون مع اللاشعور الذي تُناقض قواعد فعله قواعد فعل الشعور المنطقي .. ولن يخل ببناء القصيدة أبدا أن الحياء والخفر قد عقدا لسان وفم الرجل والمرأة من أنهما سيمطلقان وفورا في حديث منساب لا عقدة فيه ولا احتباس:

ضحكت وفاض عبير دورقها         فالعطر فوق الدرب ينهمرُ

قالت: أأنت ..؟ فقلتُ: معذرة        ما عدتُ أدري .. ضاعت الفكرُ

ويحيى البارع يقول ما يفعل ويفعل ما يقول ، لقد جعل تساؤل المرأة مفتوحا: (أأنت ..؟) ، استفهام غير محدد .. وهذا يتيح له أن يتحكم بطبيعة الأجوبة وليس الجواب المقنن التي تقيدها أطر السؤال المسبقة . لا أحد (يعلم ما في قلب الشاعر غير الشاعر) ، وهو الوحيد الذي ادرك بغية المرأة من تساؤلها المفتوح: أأنت ..؟ فبدأ "يسرد" – والسمة الحكائية من السمات المركزية في بنية نصوص السماوي كما أشارت القرني في كتابها – حكاية حال أناه مبتدئا بقلبه .. القلب الذي استهل بضجره الخانق قصيدته:

قلبي ربابة عاشق ثكلت        لمّـأ توسّد صمته الوترُ

تلك المراسي غير نابضة      ما الحقل .. لا عشبٌ ولا شجرُ ؟

ولأن السماوي "محترف" شعر .. "أسطة" .. فهو استاذ في الحفاظ على وحدة قصيدته بشتى السبل .. موضوعا وصورا .. وتسلسلا .. وحتى مفردات .. فقد استهل قصيدته بمقابلة حضور المرأة مع قلبه الضجر .. وسيبقى إلى النهاية ممسكا بثيمة قلبه هذا عضو عشق – يصر علماء النفس على خلع القلب من عرشه الغرامي بالقول أن الحب يبدأ في العقل وما القلب إلا عضلة لحمية تتقلص وتضخ الدم وأنا لا أقر ذلك ولكن المداخلة عويصة وطويلة ومعقدة - وتمظهرات لغوية . ففي القصيدة تتكرر مفردات القلب والنبض والخافق:

للحبّ يا حسناءُ في مقلي          وعلى نوافذ خافقي صورُ

ولأن نبض العشق في نسغي:     فالماءُ دون رحيقه حجرُ

وأكثر من هذا يُقال عن مفردة (العين) ومرادفاتها ومكوناتها ومشتقاتها الأفعالية.. فهي المفردة الحاكمة ليس في هذه القصيدة حسب بل في أغلب قصائد السماوي.. لن تجد قصيدة واحدة لا يذكر فيها العين أو المقلة أو الجفن والضوء والقنديل .. إلخ. ومنذ البيت الاستهلالي الثاني في القصيدة (شفتي ، وراقص مقلتي قمرُ) والفعل البصري هو المتسيّد . هناك: الحدق ، الأهداب ، الجفون ، الأرق ، النظر ، الصور ، الضوء .. إلخ ، مفردة (المقلة) وحدها كرّرها أربع مرات . ويحيى الآن يشكو من مرض خطير في عينيه .. ومن أطروحات التحليل النفسي أن العضو الذي يُصاب بمرض مزمن من جسد الإنسان يكون له في الغالب معنى رمزيا ، معنى عاطفيا مشحونا بالنسبة للفرد .. هذا المعنى العاطفي يجعله "ضعيفا" وهدفا للتغيرات المرضية .. هل استهلك يحيى عينيه بصورة مبكرة ؟ هل هي "أداته" و "عضو" اتصاله الذي يتأجج دوره بفعل المكبوتات القائمة ؟ هذا ما سنراه لاحقا ، ولكن أول شواهده هو انسحاره الافتتاحي بالقمر المنقب .. إنئساره بالحسن الذي أدهش المرأة بحدته وشدته وسرعته:

أعجبت أن الحسن يؤسرني ؟          العُجب أن لا يُؤسر البشرُ

قد جئت والأيـــــــــامُ مجدبة           وعلى دروب قوافلي العثرُ

وقد جعل الشاعر إقبال المرأة عليه وارتباطها به .. قبولها لمشروع رحلته .. أمرا في حكم تحصيل الحاصل .. لقد  اقتتحت حديثها معه بسؤال: أأنت ؟ فرد بجواب يرى أنه هو المطلوب أتبعه بسؤال جعل مجيئها إنقاذا مقصودا رسمته الأقدار التي بعثتها موجة خصب وانتعاش تروي أرض آماله المجدبة القاحلة . صارت "طباقه" المنتظر:

جُمعت نقائضنا مصادفة          فإذا الغروب يضمّه السحرُ

وبهذا التجانس الطباقي النفسي والمعنوي يتحقق - أو يحقق الشاعر - اطمئنان المرأة .. وهدأة مشاعرها .. بل انجذابها الذي ترتب على حوار مجرّد وسؤال وجواب سريعين .. تمد يدها الآن لترفع نقابها:

مدّت يدا منها ... وأحسبني     حقلا يداعب عشبه المطرُ

رفعت شفـيف قـناعها فإذا        خلف القناع النجم والقمرُ

وهي فرصة استثنائية تنتعش فيها فعالية العين .. والمقلة والحدق .. والمقلة أوسع مفهوما من الحدقة (العين ذاتها .. سواد العين وبياضها) .. ألهذا يكرر يحيى استخدام المقلة بدلا من الحدقة التي تعني سواد العين الأعظم ، ليعبر عن الشدة " الإلتهامية " ؟؟ .. والشاعر لا يضع "لسان العرب " الضخم بأجزائه الكثيرة ليراجع معنى كل مفردة ، إن اللباس اللغوي ينبثق مع جسد المعنى كما قلت في القسم السابق . لاشعور الشاعر هو شعوره . وعين يحيى هي أداته الرئيسية .. والعين نفسيا تنظر وتبصر .. لكنها يمكن أن تستوعب وتحتوي وتلتهم موضوع الحب (أكلته بالنظرات) .. وقد تأثم (وأوديب فقأ عينيه عقابا لذاته على مضاجعة محارمه) .. والعين (تُقبّل – تبوس) أيضا .. وهذا ما يتكرر عند السماوي الذي يلتحم الآن بوجه محبوبته .. بـ (ضوئه).. وبإشعاع فتنته:

 رشفت قناديلي على ظمأ      ضوءً ، وخالط مقلتي البطرُ

فرميتُ أحداقي على شــفة     لــمياء يـزلق فـوقها النـظرُ       

وإذ جمع الشاعر المتناقضات ، وجمع المتناقضات أو "المقابلة" هي من السمات الأسلوبية للسماوي كما قلت في دراساتي السابقة عنه ، في لحظة اللقاء حيث كامل بين الغروب ممثلا لحياته المهدورة ، والسحر معبرا عن إشراقة الحضور الأنثوي المحيي (<ثمعت نقائضنا مصادفة - فإذا الغروب يضمّه السحرُ) ، فإنه يعاود الطرق ، في خاتمة القصيدة ، على عملية التكامل بالتناقض طبعا – كيف نتكامل بالتناقض ؟!- ليس كطريق للاتحاد ، ولكن كتمهيد للإنفصال .. للفراق الموجع .. ولرحيل المحبوبة النهائي:

وإذ استحال غروبنا غسقا       والفجر داعب جفنه السحرُ

قالت: غدا يمضي بهودجنا      عنكم وساحل "جدّة" السفرُ

فاذكر بشعرك أن نورسة        مضت الرياحُ بها فلا خبرُ

وهنا (يغلق) يحيى دائرة القصيدة .. يعود في الخاتمة إلى استهلال القصيدة .. إلى بداية الحكاية .. لم نفعل شيئا سوى أن الشاعر قد أخذنا في مغامرة عاطفية انتهت فلم تترك حتى الرماد .. عاد وحيدا مستوحشا .. مع قلبه الضجر المختنق بعزلته .. هكذا يهيم الشاعر في كل واد .. وإذا كانت نهاية الحكاية أن تغادر المحبوبة مثلما جاءت وان يعود الشاعر إلى وحدته مثلما بدأنا .. فلم هذه المدتورة الطويلة التي استغرقت سبة وعشرين بيتا وشوطا طويلا من القراءة والتحليل ؟ .. لكن هنا تكمن قيمة الشعر وأهميته للنفس البشرية .. تكمن في هذا التدريب على العذاب .. في ترقيق الحس تجاه الخسارات .. في المازوخية (خيبة التجربة) ممزوجة بالسادية (غلق القصيدة وإعادة المتلقي إلى نقطة البدء). هذا المركب السادومازوخي يكمن فيه واحد من أروع أسرار ألق الإبداع وبهائه .. سيعود يحيى وحيدا رغم أنه وسط عائلته والناقد الحيوي هو من يفهم آليات هذه الوحدة وكيف تتحول إلى وحدة خلاقة .. يعود إلى الاختلاء بقلبه الآسي الضجر ليبدأ من جديد عملية الإنتظار .. فإشراقة الحضور الأنثوي .. فالسؤال الحيي .. فالجواب الممهور بالإحباط .. فالأنس بالرفيقة والهدأة والطمأنة وانتعاشة ضوء الغريزة الذي كان كابيا .. فتأسس العلاقة الحبية ..  فتبخّر الآمال .. فالوحشة وضجر الروح .. وهكذا .. ولد الشاعر ليخسر .. ولد الشاعر ليموت بدلا منا نحن الذين لم تهبنا الحياة نعم اللعب بالأرواح والمصائر من خلال اللعب بمدلولات الكلمات شعريا ..

 

خاتمة هامة جدا:

الآن قد يكون القاريء لم يلتفت إلى حقيقة أنني قد قفزت بيتين من القصيدة هما:

والبــحر يلهو فوق ســــاحله        وبمقلـتـينا يـأرقُ الســـمرُ

والريح مشطُ البحر تضفرهُ         موجا عليه الضوء ينكسرُ

وهنا ستتكشف مخادعة شعرية كبرى ضحيتها القاريء الذي سيستقبلها بلذة (ولكن لا يجوز أن يكون الناقد ضحيتها أبدا كما أشرت في الدراسة السابقة وبداية هذه الدراسة) .. فقد تأكد أن   الشاعر كان جالسا على ساحل البحر أصلا (والبحر يلهو فوق ساحله) .. وأن سؤال الأنثى عن البحر .. وهذه المداورة الطويلة نسبيا كلها .. هي مخادعة قد تكون مؤلمة عندما نكون خارج أجواء الشعر .. ولكنها لذيذة وباهرة ومخدّرة عندما تكون في دائرة الشعر الآسرة .. لكن قد يكون القاريء لم يلتفت إليها لأنه غاص بعيدا مع أمواج البحر الذي دلّه على دروبه الشاعر .. بحر توقع المتلقي أولا مع الأنثى أن يكون الدرب إليه مسطحا أرضيا مستويا .. ثم إذا به يصبح دربا شعريا ملتويا معقدا .. وشديد التلغيز .. إلى أين منتهاه.. إلى الخيبة المفتوحة ؟! .. إلى الجرح الذي لا يحتمل لمس التهابه ؟! .. جرح تفوح منه بقايا عبير الغريزة المباركة

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1515 الاثنين 13/09/2010)

 

في المثقف اليوم