قضايا وآراء

ضريح سليمان شاه : من لم يمت بالسيف ..!. / صالح الرزوق

بالتعبير الوجودي الشائك الذي استخدمه ألبرتو مورافيا مرارا ليصف آثار الحرب العالمية الثانية، لا يعفينا من التساؤل.

لماذا لا يزال جثمان جد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية ، في سوريا. ولماذا لا يزال العلم التركي يخفق بكل حرية في أرض صغيرة تبعد عن حلب 110 – 125 كم، وتمتد في منطقة حوض الفرات على مساحة تبلغ حوالي 9000 م2  فقط. أو كمال قال لي الحارس على الجانب السوري من المحمية " فوق أصغر مستعمرة في العالم الحديث ".

و الأهم من ذلك : هل حقا إن الرجل مات غرقا هو وإثنان من صغار أبنائه عام  1227، أو 1233 حسب مصدر آخر..

أعتقد أن الجواب الشافي ليس بمتناول اليد . فقد مرت على الحادثة ثمانية قرون، ولم يعد بين أيدينا قرائن غير الظن والتأويل.

على أية حال، لم تبخل الأنباء، بمعنى المدونات، على سليمان شاه بصفات الجسارة والإقدام والحكمة. وهي تذكر أيضا أنه تركماني قاد (50 ) ألفا من المقاتلين، وتحالف مع السلاجقة ضد المغول على أساس المذهب .. سنة ضد شيعة.

و كان أمضى معظم حياته في رئاسة عشيرته والانتقال بها حسب قانون البوادي للبحث عن الماء والقوت. ولم يستقر غير 6 سنوات في مملكة بأذربيجان سرعان ما انهارت بعد غزو السلاجقة لخراسان وخوارزم.

كانت لدى سليمان شاه أخلاق فروسية ودراية إلى حد التمرس بالمخاطر وبمفاجآت الطبيعة، بالإضافة إلى إحساسه بالهوية. لقد كان صورة مركبة ومبكرة لسلطان لديه مشروع بدولة، وفي نفس الوقت لقائد سياسي يتعامل مع عشيرته وكأنها حزب في طور النشوء.

و هذا هو سبب التحفظ رقم ( 1 ) على ظروف الوفاة.

السبب رقم ( 2 ) هو انقسام أبنائه الأحياء الأربعة إلى معسكرين . ثلاثة يمموا وجوههم شطر المشرق ودخلوا في المشروع الجاهز للعصر المغولي. وكان يحدوهم الأمل بدفع دولاب الحضارة في الاتجاه السابق، أو بالأحرى للعودة به إلى المربع الأول، ضمنا إحياء ثقافة الهوامش ومبدأ الحرب الباردة.

و رابعهم وهو أرطغرل، والد عثمان الأول، زحف مع فلوله نحو الغرب ليؤسس بالتفاهم مع السلاجقة إمارة قرة جه طاغ عام 1264، ثم ليدشن عهدا من الحروب والتوسع والفتوحات.

إن هذا الخلاف في المشروع والاتجاه، وفي الميثاق، يضع الرواية الرسمية لنهاية سليمان شاه بين قوسين وأمامها إشارة تعجب.

و كذلك الأمر بالنسبة لإصرار تركيا على حراسة الضريح، واعتباره أرضا سيادية، وإلى حد رفع العلم التركي فوقه، وتوفير كتيبة من الكوماندوس للحراسة.

** 

في اليوم الثاني لعيد الفطر السعيد من هذا العام قمت بزيارة لتلك المعالم الأثرية لأول مرة .  وكنت بحاجة قبل الدخول إلى جواز سفر وتصريح رسمي مختوم من الجهات المختصة.

لم أستغرب ذلك، فأنا من جيل مرت به أحداث جسيمة. منها اضطرابات الانفصال بين سوريا ومصر، ومنها نكسة حزيران 1967، ثم انسحاب آخر عسكري مسلح من بيروت بعد حصار عام 1982، يوم كانت معالم الخيبة المرتسمة فوق الأرض تعادل المرارة المطبوعة على الوجوه.

** 

و الآن أعود إلى السؤال الأصلي :

هل حقا إن هذا البطل لم يمت بالسيف، وكان ضحية للنهر الذي يوفر لأبناء البادية الماء " أصل كل شيء حي " كما ورد في الذكر الحكيم ؟..

 

أيلول 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1516 الثلاثاء 14/09/2010)

 

في المثقف اليوم