قضايا وآراء

أدونيس في قراءة جاويدية ومطرية

 فهو علم في المحافل الأدبية والشعرية سواء على المستوى العربي أو العالمي وقد ترجمت مؤلفاته الى عدة لغات وحصد عدة جوائز أدبية . وعلى هذا لا يهمنا هنا أدونيس الشاعر، بل ما يهمنا أراءه الفلسفية، أو الفكرية، والثقافية العامة، بعيدا عن أجواء وأروقة الشعر والقصيدة. ولعله من نافلة القول التحدث عن ما أحدثته أفكاره الغريبة في عموم الثقافة من ضجة وفوران، سواء فيمن يختلفون، معه أو يتفقون. بدءا من أطروحته (الثابت والمتحول) ومرورا الى سجالا ته مع (صادق جلال العظم) وردود الأخير عليه، وانتهاء بآرائه الدينية الأخيرة التي زادت من سعة مناوئيه وخصومه. وهذه الآراء هي التي ستكون مسرحا لهذا المقال. إذ لا يسعنا هنا - وربما أيضا في غير هنا- استعراضها كلها أو مجملها. وسننطلق هنا من عينتين مختلفتين تماما تتمثل إحداهما بقراءة غريبة هائجة، ومتهسترة، لا يمكننا تصنيفها في أي قسم من أقسام النقد والتحليل. ألا في تلك الأقسام التي تنتمي الى قسم التوجيه السياسي العسكري والتي تبث خطاباتها في ذروة الهجوم، وعندما تكون الثكنات والوحدات العسكرية في حالة (الإنذار جيم). فتنصب على التحدث بلغة مشدودة مفرطة بالدفع نحو القتال بضراوة وقوة بعد أن تملى الأذهان تعبويا بحماسيات لاهبة.  وسنطلع على هذه القراءة قريبا مع خلدون جاويد وهو شاعر وكاتب عراقي. أما العينة الثانية، فهي قراءة معاكسة تماما من حيث أنها جاءت بشكل نقدي عنيف وصلب، لكنها لم تجانب الحقيقة بل قرأت بعض التصريحات الإدونيسية بشكل دقيق، وتتبعت الدوافع والأسباب التي ولدت مثل هذه التصريحات. قدم هذه القراءة الكاتب والناقد العراقي سليم مطر.  ونحن سوف نستعرض بعض الفقرات المهمة من القراءتين ونحاول أن نسجل ملاحظاتنا النهائية في ختامهما ولنشرع الآن:

مع جاويد أولا: يطيب لي في البداية أن أوجز هذه المقالة وامسرحها بلكنة عسكرية ميدانية فان أرضها صالحة ولا أريد أن يفوتني ذلك البعد العسكري فيها.  فقرات من نص البيان:1- الشاعر العظيم. 2- نجوميتك البارقة :أ- بالنيافة الفكرية، ب- والعلمية،3- انك تقول الحق بكل قوة واصالة. 4- هكذا هي شيمة الفيلسوف. 5- أنت الشجاعة ، وليست هذه الشجاعة عادية بل أن الشجاعة هنا ذات خاصية جاويدية لن يعرف لها مثيل إذ هي ،6- منها تصدر ج-الانواط ،د- والبراعة ،ق- التي من معدنها الفذ تصاغ الأوسمة. 7- تقول ما يخشى أن يقوله الآخرين.  8- دمك هو نهر الحضارة . ولا ادري ما الداعي الى أيراد الدم هنا الا إذا كان صاحب البيان يتخيل صاحبه أو قائدة قد قتل أو هذا تشبيه ليس الا الغاية منه استحضار السائل المحفز على بدء القتال وتصعيد الغضب، فنحن أمام خطاب عسكري كما قلت سابقا. ولنتابع باقي فقرات البيان المهيب،9-شعرك هو موسيقى الزمان. هذه الفقرة لها علاقة بسابقتها أيضا فعلى الرغم من أن الخطاب الجاويدي بصدد بيان قوة القائد الذي لا يجارى ألا أن استحضار شعرية القائد مهمة كي يستقتل الجنود والاتباع حبا في زعيمهم ذو المواهب الخطيرة ولنواصل:10ان أحاديثك هذه منطلق شجاع لمن يريد أن يبني متاريس لمحاربة التخلف. وللإيضاح نرجو أن لا يكون هناك غمزا من قراء البيان في أن هذه الفقرة الأخيرة لا يصح إيرادها لأنها تحصيل حاصل إذ جاء في بداية الخطاب أن أدونيس هو الشجاعة ومن هو كذلك فمن البديهي أن تكون أحاديثه وصمته بل حتى هذيانه شجاعة في شجاعة.  لأننا نقول أن هذه الإعادة الغاية القصوى منها تصعيد الخطاب والهام المستمع الى الذروة والدليل هاكم خاتمة الخطاب الاهبة حامية الوطيس كي تكونوا على بينة وسنوجزها بفقرات كالتالي :الفقرة أ- أيها الأدباء النبيلون ارفعوا أصواتكم في جبهة نضال ضد جرابيع العصر من التحريمين والتكفيريين والأنبياء الجدد. الفقرة ب- إن أدونيس الشجاع -لاحظوا أن استعادة الشجاعة لغرض التصعيد- قد أطلقها على رؤوس الأشهاد وفي المكتبة الوطنية الجزائرية إذ قال يقتبس منه جاويد:إن المسلمين تأخروا عندما اصبحوا يهتمون فقط بفتاوى ميكي ماوس وكيف تلبس المرأة ..،  الفقرة ج- أيها الكتاب التقدميون الديمقراطيون الليبراليون أينما كنتم لابد من حملة للدفاع عن أدونيس ضد سافحي العبقريات التاريخية.  الفقرة ع- إن لم تحتجوا اليوم فسوف يكفرون ألف أدونيس وأدونيس. وقبل نهاية الخطاب لابد من احتوائه على دعوة كونية شاملة فتخصص لهذا الغرض الفقرة التالية: الفقرةغ- أناشد الإنسانية والفكر العربي المتنور بتشكيل جبهة نضال ضد التطرف الديني وضد شعوذات الإفتاء الدكتاتوري وعقليات القرون الوسطى والتحجر والغباء والنكوص إزاء الركب الحضاري العالمي.  وأخيرا يتوجه الخطاب إلى القائد الباسل الذي أذيع الخطاب الجاويدي من اجله مشفوعا هنا بفن الإثارة الاستفهامية : هل ستعلنها يا أدونيس الكبير جبهة للنضال ضد هؤلاء؟. وبعد أن يتذكر الخطيب انه لم يلقي الخطبة الا بعد أن وقعت الحرب فعلا وحمى الوطيس استدرك على الفور: يا قنديل تحررنا الباسل يا أدونيس الكبير ، أطلقها جبهة عريضة لترى كم من مريدي الحرية وعشاقها سيلتفون حولك . (ويا محلة النصر بعون الله)، إضافة منا لتزيين البيان اكثر.هذه بعض الفقرات التي اقتطعتها من مقالة خلدون جاويد*، بدون ترتيب و التي جاءت عقب الضجة التي أحدثتها كلمات أدونيس عن الحجاب والقرآن. ولانتقل الآن إلى القراءة التي أدلى بها سليم مطر**ناقلا أولا كلمات أدونيس عن الإسلام والحجاب كما ذكرها مطر في مقاله عن صحيفة الحياة:(لابد من أن يعرف المسلمون الذين يتمسكون بالحجاب أن تمسكهم هذا يعني انهم لا يحترمون مشاعر الناس الذين يعيشون معهم في وطن واحد، ولا يؤمنون بقيمهم، وانهم ينتهكون أصول حياتهم ،ويسخرون من قوانينهم التي ناضلوا طويلا من اجل إرسائها...(أن أنصار الحجاب هم )أقلية سياسية وعلى المسلمين والغربيين أن يتعاملوا معهم،لا بوصفهم ممثلين للدين ،و إنما بوصفهم مجرد حزب سياسي (إن الحجاب) خرقا للانتماء الواحد والهوية الواحدة المشتركة ...انه(الحجاب) تجاوز إلى شكل اعتدائي على الآخر يتمثل في عدم احترام آرائه وأفكاره ومشاعره ،إضافة إلى الاستهتار بالمبادئ والقوانين العامة أن الحجاب ليس خرقا لقانون الآخر وثقافته إنما قبل ذلك ،امتهان للذات ،وشكل آخر من الحياة لكن في أحضان الموت ...انه تأويل يمنح الحق لكثيرين في الغرب أن يروا فيه  عملا لتفويض الأسس التي أرساها نضال الغرب في سبيل الحرية والعلمانية والمساواة ...،اكتفي بهذه الفقرات المنتقاة من المقال المطري ،وسأؤجل النقد عليها لاحقا ، إذ أريد هنا أن اذكر كلمات أخرى لأدونيس, فالغريب انه عاد بعد خمس سنوات تقريبا حيث أن الفقرات السابقة نقلت من صحيفة الحياة بتاريخ26/6/2003 ،أما كلماته التي تطورت وتوسعت وجاءت بشكل مختلف وكأن أدونيس يعلن تطور أفكاره وتماسكها وأنها لا تتراجع ولا تقبل النقاش أو النصح إذ نشر على موقع أفاق الإلكتروني بتاريخ 3/6/2008 ما يلي :(إن القرآن كتاب ثقافي وانه يجب تخطي النظر أليه ككتاب أوامر ونواهي وكتاب شرع . وانتقد أدونيس الحجاب واشار إلى تركيزه نقاط الأغراء في العين والشفتين وبالتالي فهو اشد فتنة من الانكشاف ..إن ارتداء الفتيات والنساء المسلمات للحجاب يأتي محصلة لضغوط مختلفة عليها،ولا تتجسد فيه الحرية بشكل تام.  وأضاف: اذا كان الاختيار حر فافضل أن لا تحتجب المرأة وذلك يخدم التساوق الحالي ،فالبشرية تسير نحو الكشف والعري مع النفس والآخر ،وبالتالي فتحرر المرأة سيكون ضمن هذا التوجه ..هذا غيض من فيض اقتطفته من الحوارية التي أجريت مع أدونيس وقد ذكرت مصدرها. و ذيلت هذه الحوارية بردود القراء التي انقسمت هي الأخرى بين رافضة متشنجة، وبين ميدانية توجيهية تقترب من البيان الجاويدي السابق، وكان هناك ردود قليلة أدلت برأيها بموضوعية.  ونحن هنا نود أن نتساءل منذ البداية عن الدوافع التي دفعت أدونيس إلى وصف الحجاب بشكل مجحف وعنيف وبأسلوب ليس له ما يبرره ولم يقل به حتى اكثر أعداء الدين ألا ما شذ.  ولكوننا لا نستطيع أن نصف أدونيس بالجاهل بالموضوع فهو عربي أولا ومسلم ثانيا. ومن الغريب انه حفظ القرآن منذ صغره. وبالتالي هو يعي جيدا ما يقول، وفي ماذا يخوض. فلابد أذن أن نتساءل عن الأسباب الخافية وراء تصريحاته الخطيرة هذه. خصوصا وانه من اشد ادعياء الحرية والانفتاح على الآخر والاعتراف به واحترام آراءه. وهذه الصفات من  أولويات العلمانية السليمة والواضحة ، وإلا فما الفرق بين من يدعوا إلى ارتداء الحجاب ويصر على فرضه بآرائه وفكره وبين من يدعوا ألا خلعه. وليس هذا فقط بل أن أدونيس يسجل في الفقرات السابقة من مقاله براءة اختراع عجيبة غريبة في ثقافة التعصب والإلغاء إذ يقرر بما معناه انه حتى أن كانت المرأة ترتدي الحجاب بملء أرادتها  وبحريتها، الا أن هذه الحرية ليست صحيحة وغير ثقافية، وبالتالي ينصب أدونيس نفسه حتى على اختيار الناس وقراراتهم وليس فقط يوجه ويستحث. ولنعود إلى مقال مطر الذي يعد درسا قيما في مجال النقد الذي تدنى كثيرا مع الأسف الشديد فمن النادر جدا أن نجد موضوع نقدي يبتعد عن الشخصي، والعاطفي، والمصلحي، ويدرس الموضوع بحيادية وموضوعية، دون صراخ أو ضجيج مفتعل.  يبدأ مطر بتذكير أدونيس الذي يعرف كل شيء جيدا كم قلت سابقا . بأن الحجاب لباس سابق على الإسلام وقد عرفته كل الشعوب، والثقافات، والديانات، ومطر معروف بالدعوة إلى العودة أليه باعتباره الزي الحضاري والثقافي الشائع والمعروف منذ القدم. وان أمهاتنا وجداتنا كلهن كن يرتدينه وبالتالي هو يشكل حلقة من الذاكرة الثقافية النسوية قبل الدينة. و بالتالي  لا داعي لأي أحد ما أن يصم النساء اللواتي يرتدين هذا الزي بأنهن متخلفات وجاهلات ويحاربن الآخر ويتجاوزن عليه وهذا من اغرب الآراء . بحيث سيصار بالتالي وكما يقول مطر إلى اعتبار هذا الزي الثقافي والشعبي وكأنه اخطر سلاح على الحضارة وخصوصا الأوربية، حتى انه اخطر من المخدرات والبغاء والقنبلة الذرية. على الرغم من أن هذا الزي وكما هو معروف عند كل مثقف منصف ومحترم من افضل الأزياء لأنه  وكما يقول مطر : يضمن حرية المرأة وجماليتها وحشمتها مع مراعاة المشاعر الإنسانية.  وتذكرني هذه الكلمات بالمفكر العراقي الماركسي الراحل هادي العلوي، الذي أدرك خطورة التعري الغربي الفاضح الذي يسلب المرأة كرامتها وحريتها وجمالها ووقارها بحجة الثقافة والتمدن. وقد دعا هذا المفكر الأصيل  للعودة الى الثقافات والأزياء الشرقية الأصيلة التي تضمن للمرأة حريتها من جهة، ولا تدعوها ألا أن تحجب نفسها بالكامل.  وبعد سنين طويلة يطل علينا رجل مثقف بثقل أدونيس يصر بشدة على اعتبار الحجاب والحشمة عموما من مفردات التخلف، والجهل، وحتى الإرهاب، واغرب ما في الأمر قوله أن الحجاب يركز الشهوة على الشفتين والعينين. وتناسى متعمدا (الكالسون الخيطي) الذي غزا أوربا وكما يقول مطر انه يحول خلفية المرأة إلى قنبلة شهوة شيطانية تفجر الشبق عند اكثر الرجال وقارا. وبودي أنا سؤال أدونيس إذا كان الحجاب يركز النظر في الشفتين والعينين فأين يركز( الكالسون الخيطي )الشهوة يا ترى؟ وأيهما تجاوز على الذوق العام أن تظهر محتشما في كامل إلباس أم أن تستعرض بشكل غير مستساغ حتى عند اشد الناس انفتاحا؟. النتيجة يبدوا أن ما جر الشاعر المتفلسف إلى هذه المبررات الخطيرة التي لا تمت بأي صلة إلى تحرير المرأة كما يفترض بها. إذ أنها بالعكس تجرح مشاعر النساء المجبات من جهة، وتأكد فكرة أن اكثر دعاة تحرر المرأة يسعون إلى التحرر الإباحي. وهذه نقطة مهمة باعتقادي كان يتحتم على الشاعر أن لا يغفلها، خصوصا وان دعاة التحجر والتخلف صاروا ا يتندرون بها إذ كلما تواجههم بوجوب تحرر المرأة اقتصاديا وفكريا وثقافيا يتهموك فورا بأنك تريد أن تجعل من المرأة وجسدها مطية للشهوة والتعري. وقد وجدوا في مقالات أدونيس وامثاله ما يناسب جهلهم . لكن وكما يبدوا أن أدونيس لاتهمه المرأة ولا حريتها وانما قال ما قال لحاجة في نفسه قضاها. لعل منها ما صرح به مطر في مقالته السابقة وهو الحلم بجائزة نوبل لقاء النضال ضد الحجاب واللحية. ولنوجز اختلافنا مع العلمانيين على شاكلة أدونيس، والإسلاميين المتشددين. لنعطي تصورنا النهائي في قضية الحجاب وننطلق مع المعطيات القيمة التي سجلها مطر: إن مشكلتنا مع أدونيس ليست حول الحجاب، بل حول أفكاره الخطيرة عن الديمقراطية والعلمانية المطروحة في بياناته. ولإدراك مدى خطورة ولا عدالة هذه الطروحات عمد مطر إلى تجربة طريفة إذ ترجم بعض الفقرات من البيان الادونيسي إلى الفرنسية وبعد أن قرأه الفرنسيين أدلوا جميعا برأيهم كالتالي: (إن كاتبها لابد أن يكون فرنسيا، أو سويسريا من ذوي الميول اليمينية المتعصبة، المعادية للأجانب والمسلمين بالذات). نعم آيها القارئ هذه هي آراء العلمانية الواعية والعارفة، لا التي تتخبط بالجهل وهذه هي الحرية في بلد الحرية الذي يعترف بأي نمط من أنماط الثقافة وأشكالها. لان أول تعريف للعلمانية هو القبول بكل ممارسة وثقافة دون فرض ثقافة على أخرى. أما علمانيتنا فأنها شاذة تود أن تكون (ملكية اكثر من الملك) فلينظر أدونيس وغيره كما ينبه مطر إلى الوعي الديني الكاثوليكي خصوصا في فرنسا وفي كل أوربا فثلاث أرباع الأعلام الأوربية تحتوي على رموز دينية. وهذه الكنائس عامرة ومنتشرة في كل مكان، وفي بعض الدول تفرض الدروس المسيحية. وهنالك في لندن مجلس لرجال الدين، تكاد سلطته أن تقارب سلطة البرلمان. وفي لندن حاضرة العلمانية، تجد رجال ملتحين، ونساء محجبات، حتى في اكثر المراكز الحساسة كما في مطارات لندن.  وقد رأينا عبر الفضائيات كيف منعت لندن المخرج الهولندي من دخول بلادها لأنه أساء إلى الإسلام. والآن من أي مصب علماني ينهل أدونيس؟. أكيد انه من الرافد الوحيد الذي يعده هو وبعض الأدعياء أمثاله من انه مقياس العلمانية. في حين أن الواقع يكذبه. فأن مسالة الحجاب لم تمثل أي عائق في كل أوربا بل وحتى أمريكا. بل أنها مشكلة فرنسية قح وأنا أضيف وتركية أيضا فهي تسعى إلى مغازلة الاتحاد الأوربي  بكل جهدها. وبالتالي أن مسألة الحجاب لم ولن تسبب أي عائق بوجه الحرية، والعلمانية، في كل دول العالم غير فرنسا وتركيا. هذه مشكلتنا مع أدونيس. أما مع الإسلاميين السلفيين فلأنهم على العكس ، قد اعتبروا الدين هو الإنسان نفسه وكله ولم يتركوا أي مجال آخر للتعامل مع الحداثة وثقافتها وأفكارها. نعم هذا هو عين التعصب أن تتطرف بتضخيم شيء، من اجل إلغاء شيء آخر . إذا كان سلفيو الإسلام يكفرون كل من لا ترتدي الحجاب. فان سلفيو الحداثة يكفرون ويحتقرون كل من ارتدت الحجاب. ،وفي كلتا الحالتين الإنسان وحريته وكرامته هو المغيب .  واعود إلى مقالة جاويد فاقول: تأسفني هذه القراءة الغير مسؤولة والمبالغة، وتبدوا في غاية الشخصية والعاطفية. ولا ادري ما هي الشجاعة في أن يكتب رجل جالس في دولة غربية تحسن وتحابي وتكرم كل من تطاول على الإسلام والمتدينين. وهو فوق ذلك محاط بالأمن والرعاية . أن الشجاعة ياجاويد قد سجلها أناس إسلاميون، وشيوعيون، ومثقفون بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم.  إذ صرخوا بوجه الإرهاب وكانوا ولا يزالون ينددون بالإرهاب أينما كان. وكيف ما كان شكله وقد ذاقوا في ذلك الأمرين. وقد فقد بعضهم حياته في سبيل ذلك.  وبشأن تقولات أدونيس التي  أتصور أنها تناسب ذهنية مراهق قرء كتب التفسير بشكل سطحي وسجل ملاحظاته السطحية. فلا ادري لماذا  يريد أن يترك الناس والمفسرون الأحكام؟ وهل يوجد أهم من الأحكام والقوانين حتى في النظم الوضعية؟ ثم يطالب بأن يترك الناس القرآن على الرف أو يقدسوه في قلوبهم. هل يرضى هو بأن نترك كتبه واشعاره على الرف؟.  ثم قوله بأن العالم يسعى إلى التعري  فأن هذه أكذوبة سخيفة أخرى، ورثها أدونيس من ضمن ما ورثه من سادته الغربيين. الذين اصبحوا يفتخرون بان يخوضوا في كل شيء بلا مراعاة لأي أدب، أو احترام، وهم يفتخروا بذلك بحجة انهم منفتحون وليس لديهم ما يخفوه. واكرم به من منطق وانعم  وشخصيا اعتقد كفرد عاقل أن أي إنسان لا يظن بان هناك أشياء يجب أن لا تقال ولا يطلع عليها أحد  هو إنسان اقل ما يقال بحقه انه مبتلى بأخطر الأمراض النفسية. وليتفضل السيد أدونيس بتعرية نفسه بالكامل، بحيث يظهر لنا كل بواطنه وخفاياه الشخصية ليكون بذلك متساوقا مع التعري الثقافي الذي يقول به. قبل أن يطلب من المرأة أن تتعرى. وختاما أود أن أكون وغيري على قدر المسؤولية النقدية، والثقافية الخطيرة. وان نوزن كلامنا ونتريث قبل أن نطلق إحكامنا جزافا، فأن واقعنا مرير وها نحن نشهد كل يوم حربا على مقدساتنا الدينية، والثقافية، والفكرية، على كل الأصعدة. واشد ما في الأمر حينما تعلن الحرب من أبناء جلدتنا، والمحسوبين علينا. حتى أصبحنا كعرب، وكمسلمين، وكشرقيين عامة، لا نجيد سوى ثقافة الاحتقار. وجلد الذات ومحاربة كل ناسنا وأهلنا، وتراثنا، وتاريخنا الذي نهل ولا زال منه الغرب. بحجة انه متخلف وغير صالح. لابد لنا بكل صدق أن نعي الا أين يراد بنا أن نكون. ولنخفف العبء قليلا على ناسنا، ونأخذ بيدهم ليتصالحوا مع تاريخهم، وارثهم، وثقافتهم. لا أن نزيد من هوة الاغتراب القاتل الذي يغلف وجودهم .   

 

لاهاي 2009

 

...................

*مقال خلدون جاويد منشور على موقع أدب فن.

**لمراجعة مقال سليم مطر الذي يحوي على أفكار ثقافية وعلمانية عامة يرجى تصفح موقع الكاتب الشخصي للاطلاع على نص المقال القيم كاملا.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1086  الاثنين 22/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم