قضايا وآراء

شجاعة اكتساب العلم من الجميع...هل تمتلك الامة العراقية ارادة لذلك؟ / سلام جمعه المالكي

على العالم من اوسع ابوابه رغم سلسلة المثبطات (و انه من اكولن آآآه) ابتداءا من تقارير جارنا الرفيق ابو (.....) الذي لم اغب ويغيب اي من افراد عائلتي عن ذهنه، فترانا دوما بين حدقات عينيه الجاحظتين لطول السهر مراقبة للاخرين بطلب من الرفاق او بدون طلب، وانتهاءا برئيس القسم الذي لم يأل جهدا لكسر اجنحة الطموح والانطلاق لدي كيما يغطي خيبته في مجال حاول اقتحامه دون جدوى وغضبا لعدم انصياعي لرغبته في طبع اسمه على اعمالي، والذي (هو ايضا) لم ينقطع عن اللهج باسمي (بكل خير) حتى حينما شغل في غفلة من الزمن الاعوج (من قلة الخ......) منصبا كبيرا في جامعته، فكان ان حول جام عداءه للمؤسسة التي انتمي اليها، ولكن شاء الله ان يختزى المجرمون بداية من ابو (...) الذي ابدل اهله الزيتوني والمسدس بدشاديش ومسبحات وانتهاءا بالمسعول الذي طرد بفضائح فساد مدوية، فماذ وجدت؟

 حالما وطأت قدمي ارض العم سام، ومن ثم بعد معايشة بشر عاديين (ولست ممن تبهرهم الاضواء والتقنيات المعقدة) صورتهم لنا وسائل الاعلام الاعرابية غيلانا وفسقة واكلة للحوم البشر، ارتسمت امام ناظري وضاعة ما كنا وما صرنا عليه واليه من قصر نظر وانعدام بصيرة وانعزال وحبس للعقول ضمن كم هائل من الاكاذيب والقصص الزائفة عن النعم التي نحن عليها ضمن حدودنا من تأريخ مجيد وحضارة عريقة وروابط اجتماعية ونخوة عربية لا يمتلكها الغرب وانضباط ديني وعرفي وغيرها من تصويرات كتب الوطنية والجغرافية والمنهاج الثقافي وحكايات الشيوخ...و ان لدينا كل ما يطمع فيه الاخرون المحرومون من نعم الحضارة والتاريخ والجمال الثروات الطبيعية وووو بقية (الخرط)، وكأن الله عز وجل قد خلقنا شعبا مختارا وحرم الاخرين من نعم الدنيا فتكالبوا على نهبنا وتدميرنا نحن الحملان البريئة الذين ما نزلت بنا نازلة الا من جراء الاستعمار والامبريالية والشيوعية والانكلوسكسونية والهندواحمرية!!!

انا شاهد على احدى الممارسات التي تحرص عليها الجامعات الاميركية، وبميزانيات محترمة، في كل فصل دراسي (عشرة اسابيع)، الا وهي دراسة مجتمعات الاقليات على اراضيها ضمن مشروع (التعددية) والذي لا يهدف الى معرفة تفاصيل حياة وفكر فقط، وانما الى زرع مفهوم القبول بالاخر مهما كانت عقيدته على اساس وجوده الانساني وضمن مبدأ حفظ الحقوق الشخصية، عندها يمكن بناء علاقات متوازنة معه على طريق الاندماج التكافلي والمصلحي (ضمن اطار البلد الواحد). هذه المرة كانت جامعة اوهايو وبالتحديد مركز GLC  ضمن برنامج تقوده جامعة اوكسفورد، وكان (الاخر) هو اتباع الديانة الهندوسية في اميركا والذين اسسوا مجتمعا خاصا بهم ضمن ولاية فرجينيا الغربية West Virginiaفي منطقة تدعى "فريندابان الجديدة New Vrindaban" ، تأسيا باحدى المدن المقدسة لديهم في الهند "فريندابان". في زيارة اطلاعية لهذا التجمع البسيط وجدته مجتمعا مسالما يتعايش افراده فيما بينهم باسلوب التكافل والاكتفاء الذاتي، حيث يتولى بعضهم زراعة هكتارات الاراضي الممنوحة لهم بينما يتولى اخرون رعاية مواشيهم، بضمنها بقراتهم المقدسة التي  تزودهم بالحليب لعمل المشتقات المعروفة لانتفاع سكان المدينة اضافة لتوزيع الفائض على القرى والتجمعات المجاورة. حضرت بعض طقوسهم الدينية التي وجدتها بدائية ومليئة بالرموز والقصص الاسطورية التي كنت اقرؤها في صغري وبالتالي فهي  بعيدة تماما عن ما أؤمن به من تعاليم ديني الحنيف، ولكن من ناحية اخرى لم المس لديهم اي عداوة للاديان الاخرى ولم يتطرقوا للاساءة لاحد، فهم اذن سعداء بما لديهم ويعلنون انهم في سلام مع انفسهم وبأن تجردهم عن الماديات ونبذهم لزخرف التقدم التكنولوجي يجعلهم اكثر قربا الى الله عز وجل وحبا به. رغم ايماني وتسليمي بتعاليم ديني التي تشير الى عدم طهارة غير الكتابيين، فشهادة الحق تجبرني على القول بأني وجدت اولئك البشر احرص ما يكون على نظافة الملبس والمأكل والجسد والمكان، ويحز في نفسي الشهادة بأن ما سجلته عيناي من نظافة اماكن عبادتهم وعيشهم قد فاق كثيرا ما شهدته شخصيا في كثير من اماكن عبادتنا (و انا الذي اتشرف بكوني قد زرت عددا كبيرا منها ومن كل المذاهب في عدد من الدول) فقارنت بين جهود القائمين على الامور هنا وهناك، وبخاصة في الامور التنظيمية والاجرائية والاعتبارية لاماكن العبادة التي رأيت القائمين عليها في فريندابان الجديدة احرص ما يكون على خفض الاصوات فيها والالتزام باظهار الاحترام والتأدب. لقد شهدت الحقب التي تلت ستينيات القرن المنصرم حينما وطأت قدما شيخ عجوز يدعى بروهباباد الاراضي الاميركية قادما على دكة سفينة تجارية من الهند اضطر للعمل فيها طباخا للبحارة بسبب ضيق ذات اليد عن دفع اجور سفر كبّده مرضا صدريا نتيجة البرد القارس، تحول عدد كبير من الشباب نحو هذه الديانة الغريبة البسيطة ضمن موجات الهيبيز والعبثية السائدة تلك الايام، والتي وجدت بتعاليم ذلك الشيخ البسيط البدائية حلا آنيا للانعتاق من ربقة التقييدات والتعقيدات التي ولدتها سياسات حكوماتهم والتغيرات الكبيرة بعد الحرب الكونية الثانية، اضافة لعجز المؤسسات الدينية حينها عن اثبات صلاحيتها ومقدرتها على استيعاب تلك المتغيرات نتيجة الفساد الذي ساد مفاصلها حتى اصبحت تلك المؤسسات رموزا له. وفي لقاء متلفز مع بروهباباد، طرح المحاور ذلك السؤال البسيط الصعب في آن على الشيخ : ماالمميز في كتابكم المدعو "باكافاكيتا" بحيث ترك الاخرون الانجيل والقرآن والتوراة ورائهم ظهريا من اجله؟ فكانت اجابة الشيخ البسيط هو ان السبب يكمن في رجال ومؤسسات الدين التي عجزت عن استيعاب ابناءها فلجأ هؤلاء للملاذ المتوفر الذي لا يدعو سوى لحب الله والقرب منه في الروح  والجسد. رغم بساطة وعمومية تلك الاجابة، فأني اجد فيها اشارات خطيرة، لاني ممن يؤمنون بأن فساد الابناء يتحمله الاباء، وان انحراف الطالب لهو مؤشر اساس على انعدام كفاءة الاستاذ وبالتالي فان انحراف الرعية وتشرذمهم لهو دلالة على فساد الراعي.

ان المعلم الاهم في هذه الممارسة التي تنهض فيها جامعة اوكسفورد وتنهض بمثيلاتها عدد اخر من الجامعات العالمية، هو العمل على اشاعة مبدأ التعايش السلمي مع المخالفين في الدين والعقيدة والمذهب والقومية، والتفهم لوجودهم، بدون ضرورة لقبول طروحاتهم او الانسياق مع ممارساتهم...اليس ذلك خير تفعيل للمبدأ الالهي "لكم دينكم ولي ديني"؟ وقد كانت النتيجة الابرز لمثل هذه الممارسات هي اعتزاز جميع مواطني تلك الدول (ومنهم اميركا) بانتمائهم لبلدهم واسهامهم كل حسب موقعه في الحفاظ على جميع المكتسبات الوطنية رغم رفضهم للكثير من الاجراءات والسياسات التي انتهجتها حكوماتهم وقيامهم بالكثير من محاولات الضغط عليها لتعديل تلك المسارات بالاساليب الحضارية ومن خلال المؤسسات الدستورية دون الانجرار الى الفتن التي تهدد الوحدة الوطنية وبالتالي الى ضياع المصالح الفردية او الفئوية، اذ لا فرد بلا امة والعكس صحيح.  

 

أ.م.د. سلام جمعه المالكي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1522 الاثنين 20/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم