قضايا وآراء

عوامل تراجع جماهيرية الاسلام السياسي في اقليم كوردستان / عماد علي

ومدى التصاعد والتنازل في المنحنى العام لجماهيرية وثقل واهمية ودور الاحزاب جميعا بشكل عام والاسلام السياسي بشكل خاص من جانب اخر، يوضح لنا هذه العملية المستمرة لحد اليوم شكل وكيفية العلاقة الجدلية المرتبطة الواضحة بين الواقع وما فيه والتطورات التي تحصل على الارض بكل ما فيها.

ما يخصنا هنا، مستوى ومساحة الاسلام السياسي والتغييرات التي حصلت في كينونته والاواصر الموجودة بينه وبين تلك المعادلات . الظروف الاقتصادية العامة هي في مقدمة العوامل وما كان اقليم كوردستان فيها من الظروف ليست بخافية على احد وخاصة بعد انتفاضة اذار 1991، وعاش الشعب في ظل الفقر والعوز والحصار والتضخم والكساد مما وفر ارضية واسعة وممهدة لانبثاق مثل هذه التوجهات والتيارات والاحزاب والاستناد على الافكار والنظريات المثالية والعودة الى الدين كغذاء للروح المنكسر في تلك الظروف والمبتلاة بصعوبات الحياة العامة، واستغلت هذه الاحزاب ذلك الوضع واستفادت من الاموال السياسي التي دخلت بطرق شتى وخاصة التي جاءت من دول الخليج والمنظمات الاسلامية  الخيرية والميسورين من اصحاب البترول دولار واموال الزكاة، واستخدموها لاغراضهم الحزبية الخاصة ومصالحهم الضيقة ومن اجل تقوية تنظيماتهم الحزبية وخاصة في المناطق المتخلفة والمنكوبة وبين فئات ومجموعات مظلومة ومن ذوي اليتامى وما فتك بهم الفقر المدقع ومن لم يتوفر لديه متطلبات الحياة الاعتيادية اليومية. الى جانب ذلك كثفت الاحزاب والتيارات التابعة للاسلامي السياسي من تركيزهم على تقوية الذات وضمان المستقبل وبناء البنية التحتية الخاصة بهم من اجل الصمود في صراعهم مع العلمانية وبكافة الطرق والملتوية منها، وحتى وصلت الحال الى الاحتراب والتشدد والارهاب يجميع اشكاله المقززة وحاولوا استقطاع اراضي ومناطق من اقليم كوردستان محاولين بناء اماراتهم البدائية المظلمة، وتمكنوا هنا وهناك مستغلين الظروف التي كانت مهيئة لتحقيق اهدافهم، لحين سقوط الدكتاتورية البغيضة في بغدا دو تغيرت المعادلات راسا على العقب من كافة النواحي وازيلت جحورهم من بكرة ابيها . اضافة الى الانتقالة السياسية التي حدثت في تلك الفترة القصيرة مقارنة مع ما تتطلبه التغيرات من المراحل والظروف والدوافع . فان التحرر من مخالب الحصار وشبح الموت وتحسن الوضع الاقتصادي، غير معه الظروف العامة وتنفس الشعب الصعداء واعتلى شان العلم والمعرفة والتكنولوجيا وارتفعت درجات الاهتمام بالثقافة العامة بشكل ملحوظ، وخرجت الناس من القمقم وتفتحت العقول وتغيرت نسبة الفقر وازداد الدخل الخاص للفرد، مما لمسنا ازدياد في الوعي  العام خلال فترة قصيرة وتقدم الجانب التربوي والتعليمي، وكل هذا ضيق المساحة من الارضية التي لعب فيها الاسلام السياسي بكل راحته وتوقف تمدده وتراوح في مكانه لا بل تقلص تنظيماته وحوصرت جماهيريته في حلقة معينة بفعل تغيير الظروف العامة، وبنيت السدود الطبيعية امام تنمية تنظيماته لا يمكنها التطور بشكل ملموس كما كان من قبل وتحددت نسبة منتميه ومواليه كما تبينه وتوضحه لنا الانتخابات المتكررة التي اجريت في اقليم كوردستان.

 لو تمحصنا فيما نحن بصددها من العوامل التي ادت الى تراجع جماهيرية الاسلام السياسي بشكل ادق واوسع نرى بانه اضافة الى الظروف الموضوعية والتغييرات على الارض وخصوصية الشعب الكوردستاني وتاريخه وسماته المعتدلة منذ القدم، فان الظروف الذاتية للاسلام السياسي بذاتها ايضا كانت عاملا كبيرا في تآكله من الداخل وتقوقعه على نفسه، فخرجت تنظيماته من فترة ومرحلة البناء الذاتي والبداية التي تحرك منها بالسرعة المشهودة له  فتوضحت الامور بشكل جلي وتبينت جواهر الاسلام السياسي للمنتمين والجماهير التي دخلت تلك الاحزاب للظروف الخاصة التي مرت بها وخاصة استغلالهم للدين والحريات الشخصية وخصوصيات الانسان من اجل المصالح الحزبية والصراعات السياسية، والتي تبينت لهم كل ما كان وراء الستار وكشف ما كان مستورا وما كان خافيا من الاهداف التي ليس لها اي اختلاف يذكر مع ما يتبناه العلمانية من من الادوات والخصائص المطلوبة في العملية السياسية وصراعاتها المطلوبة، هم خدعوا الناس باقوال ومفاهيم غير ما امنوا بها في ذواتهم، ولذلك تاكد الكثيرون من حقيقة هذه الاحزاب، واكتشفت بشكل ملموس بانها تيارات وتنظيمات حزبية دنيوية بحتة على غير ما كانوا يؤمنون به وما دخلوا من اجلها من امور الدين والاخرة وهو غير ما ادعوها في البدايات، وتساقطت منهم مجموعات وشخصيات من جميع المستويات سوى كانت من عامة الناس او النخبة المثقفة، وحدثت انشقاقات ولم يبق الا من تجمعهم المصالح السياسية الخاصة مستغلة الدين في توفير ارزاقهم وقوت يومهم لهم وللعائلتهم.

من هنا نكشف للجميع بكل صراحة بانه طالما تغيرت الظروف الموضوعية وتحولت الحال جلب معه هذا التغيير تحولات مغايرة ومعادلات اخرى وعلاقات متعددة الاشكال، وتفرعت انواع من الروابط الرصينة بين الوضع الاقتصادي والظروف السياسية مما غيرت بدورها من الظروف الذاتية، وهذا بعد التطورات الايجابية من كافة المجالات في الوضع العام وهذا مما حدا الى تراجع جماهيرية الاسلام السياسي بشكل عام ومن كافة النواحي.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1525 الخميس 23/09/2010)

 

في المثقف اليوم