قضايا وآراء

معذرة صديقي منذرعبد الحر .. هذا سيناريو أغنية (لاخبر) !!

... لقد أعادتني سطوره إلى 42عاما مضت على (الحلوة والمرة)

حديث الحر، عبد الحر،كان استذكاراً عن أغنية (لا خبر) لملحنها المبدع حسين السعدي هذه الأغنية أثارت وقتها،حدثاً في شارع الغناء العراقي امتدت أثاره إلى لبنان، حيث ظهر فلم سينمائي باسم الأغنية  مثلته (جاكلين مونرو)..  وما ادراك ما " جاكلين "وأسألو أبناء جيلي عنها فسيأتيكم الجواب ممزوجاً بآهات يصعب وصفها !!!

ومعذرةً من العزيز منذر إن سألته  عن عمره،فقد عرفت من هذه الاستذكارات  انه بعمر (التفكه)

أطال الله بأعمار الأوفياء الطيبين.

ومعذرة للفنان فاضل عواد، منشد هذه الأغنية، إن دخلت على الخط،لأقول أنه عرف هذه الأغنية، بعد الولادة بأكثر من عام، وسطوري التالية تتحدث عن هذه الأغنية الشهيرة وهي بالرحم إي قبل أن تتداخل حييوات التلقيح !!

أما كيف ... فأحدثكم:

بعد الخامس من حزيران عام 1967 حيث الهزيمة أو النكسة أو سمها ما شئت، كنا مجموعة من الصحفيين  نعمل ضمن كادر إذاعة ( القوات المسلحة ) ولم تمر سوى أشهر قليلة جداً على ذلك الحدث الجلل، تقدم المطرب الشاب (حسين السعدي) وكان يومها من المشهورين جداً ، بكلمات أغنية جديدة، مؤلفها شاعر واعد هو الموهوب طارق ياسين، إلى مدير إذاعة القوات المسلحة وهو عسكري برتبة نقيب اسمه إبراهيم جاسم، وهو رجل قومي التوجه، محب لجمال عبد الناصر لحد الوله .. ويومياً يبدأ صباحاته بكلمة عن الخامس من حزيران وضرورة رد (الصاع صاعين) للعدو الصهيوني !!!.

 

في مثل هذا الجو، شرع حسين السعدي  بتلحين بعض من أبيات أختارها من قصيدة شعبية باسم (لاخبر)  وطلب  الى الفنان راسم الجميلي، الذي كان يحمل رتبه ملازم أول ومسؤول المنوعات في الإذاعة الشهيرة وقت ذاك  التوسط لدى مدير الاذاعة للسماح بتسجيلها  بصوته .. وفعلا لبى الجميلي رجاء الفنان السعدي ، فحمل  نص الاغنية  ودخل على مدير اذاعة القوات المسلحة ، لكن الجميلي، خرج  بعد لحظات من غرفة المدير، مكفهر الوجه، رامياً  نص الاغنية بوجه المطرب (الجندي) حسين السعدي....طالبا منه الدخول فوراً. الى غرفة  المدير ... وبعد لحظات كان أمامنا السعدي  مصفر الوجه وسدارته في غير محلها وصوت مجلجل من خلفه يلعن الزمن الذي جاء به للإذاعة حتى يقرأ كلاماً (...) ويقصد أغنية{ لاخبر..لاجفية ....لا حامض حلو ... لا شربت} آمراً رئيس عرفاء الإذاعة ( توفيق) إيداعه السجن،والسجن كان غرفة بسيطة لايمكث عادة السجين فيها  لأكثر من ساعة أو اثنتين ليبدأ بعدها التوسط من الصحفيين لطفي الخياط ومظهر عارف وقيس لفته مراد وكاتب السطور ومعهم المذيع رشدي عبد الصاحب والمذيعة "نجمه الطائي" والفنانون قائد النعماني وجاسم الخياط وداود القيسي .. فهذه الشلة، تزيد أو تنقص لها تأثير نفسي على مدير الإذاعة الرجل الطيب،الكاره للفن  والفنانين، والمحب لعروبته وماضيها المجيد.

 المهم في ذلك، إن السعدي قفل الباب على هذه الأغنية، ولكن كان ييملكه أحساس، بان كلماتها واللحن الذي أنجزه لها، سوف يعجب الناس .

 

                                             كافتريا الإذاعة!!

و أخذ يردد الأغنية بصوت خافت،في حانوت (كافتريا)  الإذاعة الذي يديره الإنسان الرائع "أبو شوقي "  والد الإعلامي الرياضي حاليا (حيدر عبد الحق) .في قناة الجزيرة  ...وحتى تلك اللحظات . لم  يعرف المطرب فاضل عواد لحنا لأغينه اسمها (لا خبر).!!

ويستمر السعدي، بعناديته المحببة في تريده الأغنية وخصوصا عندما كانت تتواجد بعض الفنانات في الحانوت الفقير إلا يغنى نفس (أبو شوقي) رحمه الله ومنهم أمل خضير  الفتاة الدلوعة،الضاحكة دوماً قبل أن تلج عالم الغناء، كانت ممثله واعده ترافق شقيقتها الفنانة القديره سليمة خضير والثنائي : المطربة ذات الجمال الطفولي (نسرين) والتي تحولت إلى الصحافة والأدب فبما بعد بأسهما الصريح (بلقيس الدوسري)  لتصبح  واحدة من تدريسيي  الجامعة وجمال محمد الذي ترك الغناء الى حيث لا ادري !

وفي مقابل ذلك، كان المطرب جاسم الخياط  ذو الحنجرة الدافئة، وصاحب الأغنية الستينية الشهيره (أربع حروف بعمر حبي اكتبت) يحفظ لحن (لاخبر) ويؤديه في الحفلات الخاصة، وقد حضرت إحداها  مع الصديقين الرائعين سامي قفطان ورشيد الرماحي  .

 

و تمر الأسابيع أو الأشهر ... ويتولى الإشراف على أذاعة القوات المسلحة  الملازم أول محمد سعيد  الصحاف عام 1968 قبل أن يتولى رئاسة المؤسسة العامة للاذاعه والتلفزيون .ويعيد السعدي المحاولة، فيقتنع السيد الصحاف  بحسه الاعلامي  وثقافته  بالكلمات ويوعز بعرض اللحن على اللجنة المعنية فتحصل الموافقة .

للأمانه أقول، إني مستغرب لحد ألان، مغزى عدم أداء حسين السعدي للاغينه، ولماذا لم يبادر جاسم الخياط بطلب تسجيل  اللحن، كان بإمكان الاثنين  القيام بذلك،انه الحظ أو النصيب !

وهاهو طير(السعد)  يرفرف في احد أروقة الإذاعة، حيث يلتقي الصحاف بالمطرب البديع خلقاً، والجميل صوتاً، عضو الكورس وأحد أبناء برنامج (ركن الهواة) لكمال عاكف، فيسأله عن حاله، ويبدو الأمر، مثل حالة مجامله من مسؤول جديد لفنان مبتدأ، وكان شاهداً على هذه الواقعة الزميل ( حسام الساموك) أحد المذيعين المبرزين  في أذاعه القوات المسلحة  والمنتقل لاحقا إلى عالم الصحافة الاقتصادية، ليصبح احد نجومها، وبنبري فاضل عواد  وبشجاعة، ليقول انه يرغب بتسجيل لحن مجاز، فيوافق الصحاف، ليجري التسجيل،  وتذاع أغنيه (لا خبر) محدثه زلزالاً قوياً في الذائقة الغنائية العراقية، فتحولت إلى ظاهرة .ففي احد الأيام أعيد بث الأغنية من إذاعتي (بغداد، القوات المسلحة) أكثر من عشرين مره كما حدثني لاحقا صديقنا سعاد الهرمزي.

لقد استتبع ظاهرة نجاح الأغنية  (لا خبر) استياء ومن ثم امتناع مطربون كبار مثل محمد عبد المحسن  ومحمود عبد الحميد وجميل قشطه وعدنان محمد صالح عن دخول مبنى الإذاعة  قبل أن يذعنوا بعد أشهر ليعاودوا المجيء للإذاعة امتثالا للأمر الواقع .

وبالنسبة  لجيلي ومحبي جيل الشاب  فاضل عواد، فقد كان الخوف عليه كبيراً، فلربما (كما كان التصور) أن يحدث هذا النجاح المفاجئ  والذي  لم يحصل عليه  أحد غيره في تلك الفترة، شرخا أو حاله نفسيه  مرضيه، لكنه تجاوز الأمر، بحنكه وذكائه .

أخيرا..

و باختصار شديد  أقول إن إصرار حسين السعدي على متابعته لأغنية (لا خبر) وبطريقته الجديدة للحن، لم يوازيه ماينبغي من شهرة أو مال  فهو لم يحصل  سوى على خمسه دنانير ثمن اللحن  لأغنية مفرداتها موغلة بالشعبية البغدادية، حققت نجاحا عظيما .

رحم الله الذين وردت أسماءهم في هذا الاستذكار، وعلى رأسهم والد  أغنيه (لا خبر) الفنان المرحوم حسين السعدي الذي مات كمداً، حين ولّت الشهرة عنه في محافظه البصره مستخدماً بإحدى دوائرها  وأيضا كاتبها المرحوم طارق ياسين.

و عتبي شديد على الذين جنوا مبالغ طائلة من الأغنية الأشهر في العراق  ولم تزل أثارها باقية لحد ألان ... لقد استولدوا منها الشهرة والمال، فتناسوا عائله مبدعيها الحقيقيين المرحومان : حسين السعدي وطارق ياسين

شكرا لك يا منذر الحبيب على تذكرك .. لكني مصّر على إعلامي بعمرك الذي أتمنى أن يكون مديداً.

                                                                                [email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1526 الجمعة 24/09/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم