قضايا وآراء

تعقيب على دراسة د. عدنان الظاهر "شعراء في أمريكا" / إنعام الهاشمي

 

الأستاذ الناقد والباحث د. عدنان الظاهر

تحية طيبة

 

دراساتك المتتالية تجعل كفتها ترجح لدي على معظم القراءات لما فيها من ثراء المعرفة والتحليل.  ورغم أن هذه الدراسة أخف وزناً من دراساتك الأخريات إلا أنها لاتقل عنها تفرداً في الموضوع.

 

حينما يكتب الشعراء عن عاصمة أو دولة زاروها لفترة وجيزة ويتحدثون عنها من موقع العارف الخبير، وهم لم يخبروا منها سوى سطح القشرة، تأتي قصائدهم لا أكثر من اجترار لما كان لديهم من الفكر عن هذه الدولة وما حملوه في جعبتهم من المعتقدات الشائعة عنها من قبل..ففي الحالات الثلاث التي أوردتها أجد ما يورده الشعراء  في قصائدهم  عن أميركا ــ التي هي الموضوع هنا ــ لا يأتي من مشاهداتهم واكتشافاتهم الشخصية في الزيارة ــ مع بعض الإستثناء لسعدي يوسف ــ وإنما هو ترديد لمفاهيم تشبه الى حد ما رؤوس اقلام من الخطابات السياسية التي مرت على أسماعهم على مر السنين قبل الزيارة، التي يفترض فيها أن تكون مصدر الإلهام ؛ فما الذي يضيفونه أو ما الذي أضافته زيارتهم لمعلوماتهم؟

 

لا أظن أن واحداً منهم قد مر بـ "هارلم"  أكثر من مرور عابر أوأنه قد اكتشف شيئاً جديداً غير ما سمعه عنه،  ولكنهم يذكرونه وكأنه "راس الطرف!". ولا أظن أن واحداً منهم قد رأي من الحياة الأمريكية أكثر مما يراه السائح في مدينة مكتضة بالسواح من الأجانب.. لذا جاءت قصائدهم خاوية  ولا أكثر من ترديد لشعارات عدائية.، وأكاد أجزم أن كلاً منهم قد زار تمثال الحرية  ومبنى الأمم المتحدة  و  Empire state building “ وتصور بالقرب منها! ولم يزر أي قرية أو منطقة للهنود الحمر، ولو فعل أي منهم ذلك لما كرر تشبيههم بالفلسطينيين .

 

وما أستغربة منهم هذا العداء لتمثال الحرية الذي هو رمز للحرية.. والحرية مفهوم مطلق مقدس أينما كان ومهما كان رمزه، وتمثال الحرية لايحمل الجنسية الأمريكية ولا يحضر جلسات الكونجرس ولا يصادق على القرارات،  بل هو هدية فرنسا لأميركا كما ذكرت بمناسبة استقلالها من انجلترا،  والإنسان الحر يقدر معنى الحرية ولا يستكثرها على غيره فالحرية لا تفقد قيمتها بالانتمائية أو تكسب قيمة إضافية بانتمائها الى قومية أو شعب دون آخر.   أليس من ضيق أفق الشاعر أن يعادي تمثالاً يرمز لمفهوم مقدس؟ ثم يسطر القصائد لصب جام غضبه عليه؟ فماذا قال أدونيس من جديد فيما استجد نتيجة زيارته؟

 

والمخزون المعرفي لدى الشعراء هؤلاء عن أميركا، ترى هل كانوا بحاجة إلى زيارة أميركا لكي يفيض؟ أما كان بإمكانهم أن يكتبو ما كتبوه دون زيارتها؟ وما فرقهم عمن كتب عما سببته أميركا من كوارث لبلدانهم ممن لم يزورونها؟ أتمنى لو أنك بحثت في هذه النقطة.

 

ومن الناحية الأخرى أشرت الى عدم اهتمام أدونيس بما يجري في فلسطين كالإنتفاضة وضحايا الحصار من الأطفال وعدم انفعاله مقارنة بمحمود درويش ..

 

(لأن الرجل لم تهتز له شعرة بعد على ما يحدث أمامه خلال شهور الأنتفاضة الفلسطينية الأخيرة . لم يكتب شعرا أو مقالة حول استشهاد الطفل محمد الدرة أو الطفلة ايمان مثلا، وقد فعل ذلك فورا الشاعر محمود درويش.)

 

 هل لنا أن نستنتج أن اهتمامات أدونيس تضع الشكل كمحور للاهتمام  في قصائده أكثر من المضمون؟ وأنه تخطيطياً فيما يكتب لا انفعالياً؟

أتمنى، لما لديك من التركيز وعمق التحليل وموضوعيته، لو أنك  قمت بدراسة في فحوى هذا السؤال ووافيتنا بها إن كان بالإمكان إعطاءها حيزاًً في جدول دراساتك العديدة.

 

أما عن البياتي، فلا تكن قاسياً عليه في استعماله تعبيرين انجليزيين حتى وإن كان لايتكلم لغة أخرى بجانب العربية، فكثير من الكتاب الأمريكان يستعملون تعابير فرنسية رغم أنهم لايجيدون اللغة الفرنسية وربما لا يحسنون غير هذه التعابير الدارجة مثل  C’est la vie!. ولا تنسَ أن كل عراقي أكمل المرحلة الثانوية قد درس الإنجليزية بشكل أكاديمي قراءة وكتابة وبإمكانه أن يكتب بضعة أسطر على الأقل فيها.

 

أما عن سفر الرؤيا الذي ورد في قصيدة البياتي فهو ليس من أسفار العهد القديم وإنما من أسفار العهد الجديد.  ووفقا لما جاء في الكتاب، أن المؤلف، الذي يقدم نفسه باسم "جون"، عاش في المنفى في إحدى الجزر اليونانية المسماة (باتموس).   وقد كتب الى سبع كنائس في آسيا  يتحدث عن  الرؤيا التي كشفت له ثم دونت في سفر الرؤيا. والإعتقاد السائد هو انه نفسه يوحنا المعمدان. 

 

أجد سعدي يوسف أصدقهم في تجربته فهو  حاول التعرف على المعالم والفولكلور الأمريكي كما يظهر في قصيدته، وهو يظهر فرحة الطفل في مدينة الملاهي وبذا فقد عبر بصدق عن شعور السائح الذي يزور بلداً أخر ويرى فيه جديداً يسعده ويدهشه أو معالم تعيد الى ذهنه ماهو مألوف لديه مما سمعه عنها، وهذا هو هدف أي زيارة سياحية لبلد آخر، أما الدارس لنظامها السياسي وسياساتها وممارساتها السياسية فالزيارة العابرة لا تؤدي غرضها.

 

والجزء الذي قلت عنه جميلأ والذي فيه يسطر بالأنجليزية أغنية من أغاني الـ "Blues" ويظهر أنه التقطها في    "Bourbon Street" في نيو أورلينز، التي ذكرها في قصيدته، حيث تعزف موسيقى الجاز وأغاني الحزن.

 

وملاحظة حول تعبير الـ   "Blues"، إن هذه التسمية لا تطلق على السود كما هو تعبير الخضر في ليبيا (اذا كان عبيد أمريكا زرقا Blues فان أشقاءنا في ليبيا قد درجوا على تسمية الرجل الأسود البشرة (أخضر) )،  أو الحمر عن البيض في السودان، وإنما على الأغاني الحزينة التي منشأها السود في الولايات الجنوبية. واللون الأزرق يرمز للحزن كما الوردي للبهجة.

 

وتسميتة القصيدة "America America"  مصدره الأغنية الشهيرة America The Beautiful ، والمقطع الذي كرره هو من أغنية شهيرة أخرى God Bless America   أي يارب بارك أميركا، التى كرر مقطعاً منها ولكنه أخطأ فيه في كلتا اللغتين فهو ليس God save America  وإنما  God bless America

 

ولعله استعارها لمنزلتها كرمز امريكي بمنزلة النشيد الوطني إشارة منه لكونها من معالم أميركا التي التقطها في زيارته؛  فلا أظنه يقدم دعاء أو التماساً في صالح أميركا أو يدعيها وطنا . والأغنية تقول:

 

God Bless America,

Land that I love.

Stand beside her, and guide her

Thru the night with a light from above.

From the mountains, to the prairies,

To the oceans, white with foam

God bless America, My home sweet home.

 

ولابد أنه استمع اليها في إحدى المناسبات كمباراة رياضية أو ماشابه.  وبالإمكان الإستماع اليها في يوتيوب.

 

كما أرى خطأ لغوياً في Back to stone Age

والصحيح هو Back to the Stone Age

  فهل سقطت the  سهواً عند النقل؟

 

أما استعماله لها بالإنجليزية فهو  لكونها تعبيراً أمريكياً شائعاً وتعبيراً عن تهديد  بوش لصدام حسين مالم ينسحب من الكويت بالقول:

We will bomb him back to the Stone Age!

وكما هدد ارميتاج باكستان مالم تتعاون مع اميركا في صراعها مع بن لادن.

 فسعدي يوسف كان دقيقاً في استعماله التعبير لأنه جاء في التهديد بالحرف الواحد .

 

ولكنه يقع في خطأ الترجمة الحرفية  في ترجمته لأغنية الـ Blues  هنا:

(يا عسلي، كيف أركب ؟)

فكلمة ياعسلي هي My honey  وهذا تعبير لمخاطبة الحبيب أو الحبيبة فالمتحدث يخاطب حبيبته التي يحاول الوصول اليها في ساكرمانتو بقوله : (ياحبيبتي، كيف أركب؟)

 

برأيي أن سعدي يوسف عبّر بصدق عن مشاعره كزائر لأميركا وعن بهجته لمشاهدة معالمها، ولم يسطر فقط أفكارأً ومعتقدات ومشاعر يحملها عن أميركا من قبل.  ولكنه في الوقت ذاته حين يتذكر ماحل بوطنه يغلب حزنه ليغلف فرحته فيرفض كل جميل رآه وأحبه  فيها كما ورد في القصيدة.

سعدي يوسف عبر عن مشاعر حقيقية ولم يردد مفاهيم مقولبة ومفتعلة كما فعل أدونيس والبياتي.

 

هذه ملاحظات عابرة عن الدراسة نابعة عن الاهتمام بما جاء فيها.

شكراً لك  جهودك ودراساتك القيمة المتسمة بالجدية والموضوعية.

 

حرير و ذهب (إنعام)

الولايات المتحدة

 

...............

لقراءة دراسة د. عدنان الظاهر "شعراء في أمريكا" في المثقف

شعراء في أمريكا / عدنان الظاهر

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1528 الاثنين 27/09/2010)

 

في المثقف اليوم