قضايا وآراء

البراغماتية المتعددة الأوجه للخطاب الأوبامي أوسياسة الفرجة / الطيب بيتي

 مقدمة: خلفيات التغييرالأمريكي في الخطاب الاوبامي :

إن المتتبع لخطابات أوباما منذبداية حملته الإنتخابية إلى خطاب التملق السافر لليهودية العالمية، المدوي في الحفل السنوي للتجمع الصهيوني الإيباك بواشنطن - قبيل تسلمه مفاتيح البيت الأبيض - ... ذلك الخطاب المستفزلحفيظة العرب والمسلمين والمطمئن للإسرائليين، عندماأكد فيه أوباما إلتزامه بأمن اسرائيل، وضمان مدينة القدس كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني الغيرالقابلة للتجزئة، وصمته المطبق الملغوز في فترة محرقة غزة، إلى الخطاب البيوراتيني الأمريكي التقليدي الذي لم يخرج عن التقاليد الماسيحانية - البروتستنانية التي أصل لها مؤسس الأمة الأمريكية جورج واشنطون في حفل الإفتتاح بالكابيتول، مرورا بخطاباته المراوغة الموجهة للرؤساء الثوريين المتمردين على البيت الأبيض في أمريكا اللاتينية: (كوبا وفينزويلا)، وزيارته–التحسسية -، لجس نبض رجب طيب أردوغان لتنسم اتجاهات الرياح الجديدة التي تهب من تركيا العائدة إلى ثقافة شرقيتها وخلفيتها الإسلامية، وصولاإلى القاهرة، منارة الفكروالثقافة العربية، وانطلاقة الناصرصلاح الدين ضد الفرنجة، وقاهر الصليبيين وعاصمة الفاطميين، ومشيخة الأزهروالإفتاءالإسلامي، ورمزفكره وشعائره وثقافته ومدارسه الفقهية المتنوعة، ومعقل انطلاقة كبرىأم الحركات الإسلامية السياسية في العالم العربي - الإسلامي في عشرينات القرن الماضي(حركة الشيخ حسن البنا)، ثم أخيرا وليس آخرا، توقفه في أهم محطة من محطات أوروبا في عاصمة بلدالتنوير( الكانتي–الهيغلي)، ومبعث النازية، وبؤرة كل التنظيرات العنصرية المؤسسة للفاشيات الأوروبية (النازية والصهيونية) وبلد االعقلانية والأنوار الذي وأد النور مرتين في أقل من ثلاثين عاما وهاهم رؤسائها الحاليون: (1)يدحرجون بلدان اوروبا حثيثا بإعادتها إلى ظلمات القرون الأوسطية ليطفؤوا وهج للمرة للمرة الثالثة(وهذا مبحث مطول)

 

 ظاهرة أوباما:

ولأول مرة في التاريخ السياسي المعاصر - بعد الحرب الباردة - يجمع معظم كتاب السياسة غربا وشرقا، على وصف رئيس دولة غربية كبرى بـ: رجل الساعة، و المخلص، و رجل التغيير، حتى أن مجلة فرنسية يسارية ذائعة الإنتشارفي الأوساط الثقافية اليسارية Mariane، وصفت أوباما بأنه رجل القطيعة التاريخي مع الماضي البشع الأمريكي، ورجل الفصل القطعي في( حوارات إسلام/غرب، و شمال /جنوب، وشرق /غرب)، والفاصل في قضية الخطرالإيراني والإرهاب الإسلامي، وفي مسألة الصراع (الروسي - الأمريكي) الجديد، والصراع (لأمريكي –الصيني) الخفي، و(الأمريكي - الكوري)السافر، ورجل السلم والأمن والتغيير في العالم، إلى غيرذلك من الهذاءات السياسوية - العاطفانية Pseudo-sentimentalisme - politique، الرامية إلى تعشق هذا الرجل عشقا عذريا صوفيا وتأليهه تأليها أولامبيا، على هدي قول الصوفي الأمير:إبراهيم بن أدهم:

وعين المحب عن العيوب كليلة… وعين السخط تبدي لك المساوئا

الخطاب البراغماتي الجديد في الخطاب الأوبامي :

 بادئ ذي بدء، ..علينا أن نحدد أولا: بأن أوباما، لم يكن في يوم ما، لامفكرا ولامنظرا ولا ملهَماأو صاحب رؤية...أو مشروع محدد للتغيير كما روجت له أمبراطورية الإعلام الأمريكي الموجه لمهبات الرياح في الأركان الأرض الأربعة وهيمنة أرباب وول ستريت التي مولت انتخابات أوباما كفرس الرهان الأحوط في حلبة السباق إلى الولوج الى البيت الأبيض...، وحالته ليست شبيهة بأحوال أولئك المفكرين والمنظرين الذين وُظفت أفكارُهم في إطارمختلف تماما، وبل لأهداف لم ترد بتفكيرهم، وبالتالي فعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها، ولا نخلط الأمور، فنسمي القط قط، والخل خل –كما يقول المثل الفرنسي الشائع -

 وسوف أعيد هنا - ابتداء - تكرارما سقته في مقال سابق عن التغيير بأنه: مصطلح سيؤول إلى ما آل إليه سوابق المصطلحات الحداثية الوردية التي لم ترمنها العوالم الثالثية - طيلة ثلاثة قرون - سوى الويل والثبور، بتضخيم المفاهيم المخملية البراقة الدوارة المحسوبة على الفكرالجاهز مثل الموضة الجاهزة، التي تخضع في جميع الأحوال إلى قوانين السوق، وحينية العرض والطلب، ومتطلبات البضاعة الرائجةالرخيصة، حيث تكون دائما الموضة الفكرية، أوالثقافية، أوالسياسية الدوارة و السيارة، مظهرا معبرا بشدة عن إديولوجية ما، ...لكنها مظهرقاهرمتحكم ليس من السهل تجاوزه، لأنه ينتمي أولا وقبل كل شيء إلى السلطة السياسية و الفكرية والتنظيرية التي ينتمي إليها خدم الإيديولوجيا المسيطرة، ..وبالتالي، تصبح الموضة الفكرية والسياسية والثقافية، حينها، لاحدود لها، لأنها نفعية ولا أخلاقية في معانيها وأبعادها، ولازمة من مستلزمات الماكيافيللية و(الذرائعية) المتخابثة، والعبرة دائما بمضمون الأمر، لا بالإسم، وإنما الأموردائما بخواتيمها كما وردفي الأثرالشريف.

 ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن تفاقم الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في الولايات المتحدة في الفترة البوشية، المفرزة لتجذرالمزيدمن التناقضات في العالم، والغليان البركاني الهائج، أوالراكد ضدالبيت الأبيض، من داخل الولايات المتحدة أو خارجها، دفعت بجماعات الضغط القاهرة المتمثلة في نادي العولمة المغلق المهيمن على مقادير البشرية - (باختلاق الحروب الكبرى، وتأجيج بؤرالحروب الصغرى، واستنباث الأزمات المالية والإقتصادية، والمجاعات والأوبئة، ترويعاللشعوب، لتمرير كل القوانين ضد مشيئة البشرية، وللتخلص من أكثرمن ثلث سكان المعمورة - إما بالحروب، أو بالمجاعات أو بالأوبئة) - مما دعا إلى إيجاد ظاهرة أوباما وطرح نظرية التغييرالناعم الأوبامي، - بعدأن أدى التغييرالصادم البوشي مهمته، بزعزعة الأمن العالمي، وتفقيرسكان اليابسة وترويعها، وإعادة إستعمار بلدان، فكان لا بد لشيوخ أوباما من استحداث منهج مناسب للحظة الراهنة، من أجل امتصاص النقم العالمية ضد العم سام وتجفيف مظاهر مختلف أنواع العصيان الصامتة المهددة لمصالح هؤلاء الشيوخ

 ومن هذا المنطلق، فإن الخطاب الأمريكي الجديد، أريد له التقنع بتغليب مسحة العاطفانية الرومانسية - sentimentaliste Romantisme على العقل، للتخفيف من التوترات الكونية، استكمالا للمشروع الأمريكي القديم ...، ولكن–هذه المرة - عن طريق الحروب الذكية - وآخرالدواء الكي أي التدمير - كما صرح أوبما نفسه في حملته الإنتخابية عندما قال: بأنه يؤمن بالحروب .. ولكن بالحروب الذكية -

 

ما هي العاطفيانية السياسية؟: sentimentalisme - politique

 إن ظاهرة العاطفانية السياسية أو إديولوجية المحبة في الخطابات السياسية التاريخية / كما اصطلح عليها/ ليست ظاهرة جديدة في مجال ما يسمى ب حقل الأوضاع الايديووجية Le Champ des positions idéologiques بمنظورالأنثروبولوجيا السياسية

 ففي فرنسا، و في الفترة من 1660إلى، 1680في السنوات الأولى من حكم الشاب لويس الرابع عشر، ظهرت النداءات إلى المحبة وإيديولوجية حب الملك– اللامشروط - حين تكلف الداهية الكاردينال ريشيليو - مستشارالملك ورئيس وزرائه، ومهندس سياسته، إلى طمأنة لويس الرابع عشر، قائلا له بعبارته المشهورة التي اتُخذت كقاعدة أصولية في ما سمي لاحقا بـ: صناعة الرأي العام في الغرب افعل ما بدا لك ياجلالة الملك، فسأتكفل بأمرالرعاع ودهماء الشعب في شأن محبتك حيث نمت هذه الإيديولوجية في مجتمع فرنسي تميز بتناقضات اجتماعية صارخة وبؤس عارم، وانتفاضات فلاحية كبيرة لا عهد للملكيات الفرنسية بها سابقا...، حيث ثمة هناك دائما علاقة بين ظهور إيديولجية المحبة و التسامح في الخطابات السياسية–تاريخيا - مع استفحال خطرالتناقضات الإجتماعية والإقتصادية، ولنا في التجربة الساداتية الداعية إلى / المحبة و/ السلام و/نهاية الحروب/المناقضة للخطاب الناصري/ المؤدية إلى ما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة من تردي على جميع المستويات وخاصة بالتحديد فيما يخص ترشيد الصراع/ الإسرائيلي العربي

 

عندما يتحول الخطاب السياسي إلى فرجة Spéctacle أو Politic - show

 إن المفاهيم والأطروحات، والاقتراحات و أشباه الحلول والرؤى التسطيحية، واستخدام مفردات الوعظ البيوريتانية وتعمد سذاجة التبسيط المتكررة في الخطاب الأوبامي - التي يطلق عليها في السوسيولوجيا السياسية الأمريكية الحالية - تنذرا - بسياسة YES I CAN أوسياسة يوتوب yutube أو سياسة المستحيل الممكن و/ المعجزة/–التي يقحمها الخطاب الأوبامي في كل الملفات الجادة، للصراعات الداخلية الأمريكية والعالمية، المتجلية في كيفية تناول الأزمة المالية الحالية، وتطوير / الحروب على الإرهاب / التي لايوجد إطلاقا في مخزون التينك تانك وعلب التفكير السياسيى العسكري الاسراتيجي أي مخرج لها سوى المزيد من تطوير أسلحة التدمير والمزيد من الحروب على الشرق / معقل اسنباث محاور الشر /الأخضر الإسلامي/ او الأصفر البوتدل عن عدم امتلاك هذا الرجل لأي مشروع واضح، أو أية حلول ناجعة، بل ترمي خطاباته، فقط، إلى تهدئة الأوضاع وهدهة الضمائر وتخذير العقول، باستخدام عناصر التطمين، والتلويح بورقة الحوار، وتناسي الماضي، والإستشهاد بالحكم، والتراث والنصوص الدينية (مثل الاستشهادالفج–بكل وقاحة وصلافة - بالآيات القرآنية المبتورة عن سياقاتها، في خطاب القاهرة)، التي تهدف إلى محاولة إيجاد وحدة إنسانوية Humaniste عالميةمزيفة، وزرع إديولوجية المحبة الوهمية دفعا بقطيع البشر، لإعادة التحلق حول المشروع الوهمي السوريالي الأمريكي الجديد، تغطية للخطط الأمريكية البشعة المفاجئة المنتظرة التي تشتم روائحهاالنثنة من بعيد، وهي ليست بخافية على كل بصيرمطلع على دقائق حياة ومساروثقافة ومرجعيات هذا الرجل، ومنظريه الأقربين ودور المؤسسات والأفراد الذين أجاؤوبه إلى السلطة، في أسرع وأغرب فترة حرجة - أمريكية وعالمية -، وبتمويلات خرافية من المؤسسات المالية لوول ستريت وتمويل الحملات الإعلامية الهيستيرية التي لم يعرف لها نظيرفي تاريخ الولايات المتحدة

 

 البراغماتية المتعددة الأوجه للخطاب الأوبامي:

 اذا كان الأصل في الفلسفة البراغماتية، أنها فلفسة إنتقائية و تخفيضية تشويشية، فهي بالتالي مقيتة ونفعية ولاأخلاقية في قواعد تنظيرها ومعانيها وأبعادها ومغزاها(كما قعد لها مؤسسوها الأوائل وأرادوا لها أن تكون كذلك:( بيرس و ديوي و وليم جيمس )، التي ظهرت ملامح بشاعتها جلية في الخطاب الأوبامي، منذأن ظهرعلى السطح السياسي إلى اليوم، وتتجلي في مستويين:

 

أولا:مستوى النتائج :

 تتحدد قيمة أي عمل في الخطاب الأوبامي بالنتائج العملية، التي يرتبها:، فالعبرة في هذا الخطاب بالنتائج المباشرة، وليست بسلامة المسلك العقلي، أوالتنظيري للتعامل مع القضايا الشائكة، والمشكلات المعلقة والمثارة، ويتجلى ذلك في ممارسة فن بث عنصر التشويق والإثارة الهوليودية، وربح الوقت، وعدم الوضوح، أوالبث في أي ملف من الملفات(سواء في ملف العراق او في ما يسمى الحملة على الارهاب او مساجين غوانتانامو اوحرب أفغانستان أو القضية الفلسطينية أو الأزمة المالية الدولية التي هي خلق أمريكي، او العلاقات الأمريكية الصينية، أو الروسية، وغيرها...) اللهم سوى إتقان لعبة الإبتزاز والمراوغة و اللسننة والوعود الكاذبة

 

ثانيا: العداء للنظر والعقل والعلم:

وذلك بالإستكثارمن شحنات الصدمة العاطفية الكهربية من أجل اخضاع الأمورإلى الواقع، والدفع إلى قبولها، لا إلى البحث عن الحلول الجذرية، .. بمعنى: إعطاء الأولوية - في كل خطاباته ومداخلاته - للفعل، ورفض التفكيرالنظري والعلمي، والتركيزعلى الفاعلية و الحركية، بالرغم من أن هذا الموقف ذاته، يعني موقفا نظريا تبناه اولئك الذين أتوا بأوباما إلى السلطة، حيث يستند هذا الموقف إلى إخفاء المعضلات بتمويهها فيطرح الخطاب الأوبامي نفسه - في مواجهة الخصوم، أوالمعارضين من المهتمين ب التنظير - على أنه خطاب العمل والفعل الملموسين، وكأنه يقول لمعارضيه دعكم تفكرون كما يحلو لكم، بينما أنا أعمل (وهنا تنطلي على الجميع تلك الطبخات المتكررة المحبوكة، ما بين إدارة أوباما وإدارة ناتنياهو في فبركة التمظهر بالخلافات الشكلية، والعمل على التنسيق - خفية - في الأهداف والمضامين)

 

 الخطاب الأوبامي والفاشية الخفية:

ولا بد من الإشارة إلى أن الخطاب الأوبامي، يلتقي كثيرا مع الخطاب الفاشي، حيث يركز أوباما في كل خطاباته، بدون استثناء، على العمل واحتقارالعقل والتفكيرالنظري، وقبول الأمر الواقع، والإبتعاد عن التحليل والتأمل، ودعوة الأمريكيين إلى التفاني في محبة الرب والوطن، والتحلي بروح الإيثار(في بلد اقتناص الفرص المباحة والمحرمة، والمغامرة، وحيث المواطنة هي البيزنيس ونزوعات المتعة والغرابة والمقامرة) وذلك للحيلولة دون أن يحيط الشعب الأمريكي (المتعطش لكسب المزيد من المال والمتع الحسية) الإحاطة الشاملة بالظواهر والحقائق، والتعرف على محتواها الكلي، والتغاضي عن بشاعةأساليب أنظمته السياسية والإقتصادية المتتالية، وغض الطرف عن تاريخ ثقافة ممارسة المجازالداخلية البشعة في حق سكان القارة الأصليين، وملحمة الإستغلال المقيت للزنوج، وحرمانهم من حقوقهم المدنية إلى سنوات السبعينات، والزج بالأمريكيين في حروب لانهاية لهاعبر القارات لإبادات الشعوب وتدمير الحضارات - حفاظا على القيم الأمريكية الكونية وإشاعة الأمركة بالحروب بعد فشل إغراءات هوليودلأكثرمن ستين عاما

 

 الخطاب الأوبامي ومنهج التخفيصية Réductionisme

 كما يركز الخطاب الأوبامي المبتور : حيث الجزء معزول عن الكل، واللحظة الراهنة معزولة عن السياق الزمني والتاريخي، والتي هي جزء منه، والتركيزعلى النظرة الجزئية دون النظرة الشاملة وصرف النظرعن الإنتباه عن التطورالمنطقي الشامل لمجمل الجزئيات، والحيلولة دون نظمها في إطار كلي واحد، والتحايل على عدم التفكيرفي التنبؤ بمسارها ونتائجها السلبية في المستقبل (كما هو الشأن في حرب أفغانستان، وسوء ترشيد الصراع (الأمريكي - الإيراني) أوالصراع (العربي - الإسرائيلي)، أو عدم القدرة على البث في غرابة العلاقة (الأمريكية - الإسرائلية) الشاذة واللاعقلانية..، إنه التطبيق الدقيق والحرفي للبراغماتية المخادعة، التي تفصل النظرية عن التطبيق، وبترالجزئي عن الكلي، بمعنى:أنه ما على البشرية سوى الإستسلام لمشيئة لصوصية نادي العولمة من(جماعات الضغط الخفية)، انتظارا للتغييرات الفجائية والعشوائية التي لاتخضع لأي منطق عقلاني أوقانون أخلاقي، أوعرف إنساني، سوى الإيمان بـ: قدرية ما ستقتضيه المصالح الثابثة للولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل، وأمهما الرؤوم أوربا العجوز وماعلى بقية برابرةالشعوب الدنيا - حسب تعبير كيسينغر - سوى دفع فواتيرالحساب، تلبية للهذيان (الأمريكي - الإسرائيلي) المستمرإلى قيام الساعة، والخضوع القسري للجشع اللانهائي للوبيات المال والسلاح والصناعة المفرزة للمزيد من القذارات التي يبدو نها ستكون أكثر نثانة في توالي الزمن (الأوبامي - الناتانياهوي)

 

هل الخطاب الأوبامي معزول عن تراث الخطابات التاريخية الأمريكية؟:

 وإنه لمن السذاجة الفكرية والسياسية، اعتبارالخطاب الأوبامي خطابا جديدا، إذ لاتكمن الجدة فيه إلا في الشكل وليس في الجوهر..، إذلايمكن دراسة أي خطاب سياسي بمعزل عن العلاقات الواقعيةالتي ينسجها الخطاب مع خطابات أخرى في لحظة محددة، - باعتبارأن الأصل في الخطاب السياسي - أيا كان مصدره، أومتبنيه - ينبغي أن تتم معالجته وتحليليه في إطارالحقل الخاص به، بمصاغ النطق والبيان المرتبطة بخطابات أخرى، ... بمعنى:أن الخطاب الأوبامي - مثل أي خطاب سياسي - عرضة لتأثير جملة من القواعد التاريخية المجهولة والغامضة، محددة في الزمان والمكان، وحددت هذه القواعد في فترة معطاة وفي ذغطار(إجتماعي - ساسيي - إقتصادي - جغرافي - لغوي - ثقافي)، شروط ممارسة الوظيفة البيانية للخطاب

وفي هذا الإطار، فإنه يمكن افتراض أن الخطاب الأوبامي قد تأثر بخطابات أخرى سابقة في الزمن، حيث يبدو جليا تأثيركل خطابات المؤسسين الأوائل للأمة الأمريكية التي لم تخرج قط عن الخطاب الديني المسيحي بمفهومه (التوراتي - البروتستانتي - البيوريتاني) - كما تجلىذلك واضحا وبشكل سافر، في خطاب أوباما الافتتاحي في حفل مراسيم تسلمه لمنصب الرئيس بالكاببتول أي استعمال ذلك الخطاب (الديني الليبرالي - التاريخي) –بتكرار مشيئة الرب في كل فقرة من فقرات الخطاب - بمنظور الإستثناءات الأمريكية - الدينية - مع الحفاظ على طاقة امتداداته المنطقية المتواترة والمتوارثة لدى كل الرؤساءالمتعاقبين على السلطة، التي تميز بها، كل من: جورج واشنطن، وجيفرسون، وابراهام لينكولن، ونيلسون، و( ثيودورروزفلت، وفرانكلين روزفلت، وترومان الذين كانوامن أقطاب المحفل الماسوني الشرقي) حيث كان خطابا أوباما الإفتتاحي في ال الكابيتول وفي القاهرة وهرطقاته الدينية حول روحانية الإسلام - الذي لا يؤمنبه جملة وتفصيلا - يعزفان على النغمة الماسونية المعروفة لدارسي الماسونية وخطاباتها عن قرب)

 

هوليودية الخطاب الأوبامي:

 وتكملة للتلفيق والتنميق، فقد حدا أوباما حدو جون كينيدي في الشكل والتمظهر والسمت والهندمة، حيث نجح في تذكير قطيع الأمريكيين بـ: رومانسيات الستينات الوردية في كل خطابات كينيدي، بتهييج الضمير الجمعي اللاشعوري بتشابهمها(مما جعل بعضا من سذاجنا العرب المغرمين بأوباما، التكهن باغتياله مثل كندي) حيث كان يهتم بالتركيزعلى اشتراكهما في جذورهما الدينية الغيربروتستانتية - خلافا لكل الروساء السابقين - وسحرهما البلاغي، وصغرسنهما و شياكتهما، ورشاقتهما، وحركاتهما الهوليودية المعبرة–والمميزة لأوباما - المعهودة لدية بالفطرة منذ أن كان طالبا في جامعة كولومبيا حيث أثارانتباه المنظراليهودي والصهيوني العتيد ومستشارالأمن القومي السابق في حكومة كارتر والمنظرالشهيرلإعادة ترسيم خرائط العالم زبجنيف بريزنسكيZbigniew Brezeinski(2)مكتشف أوباما و صانعه ومربيه لحوالي أكثر من عشرين سنة، الذي ربى اوباما - ذي الإستعدادات الفطرية للتحايل - فن التخصص في الدفاع عن القضايا المشبوهة الشائكة للشركات المتعددة الجنسيات - التي يمتلك منها بريزنسكي الكثير(كما كُلف أوباما اليوم بالدفاع عن أعقد قضية كونية مشبوهة فاشلة، الا وهي إخراج الولايات المتحدة من ورطاتها الشائكة، ومن مستنقعاتها المعتمة )

 ومن أكبر قدرات أوباما، هي ملكة استغلال واستغفال واستنزاف الجميع، إذ يملك ملكات فائقة في ضرب الكل بالكل، (السود ضد فئات بعض الإثنيات الأخرى من السود، والسود ضد الإسبانيك، والإسبانيك ضد السود، والسود ضد اليهود والعرب ضد السود، والسود ضد العرب والمسلمين السود، وهؤلاء ضد اليهود، واليهود ضد الجميع، والمحصلة يظل الجميع ضد الجميع، ليسود الخطاب الأوبامي المخلص للجميع من الجميع، بالإستنزاف والنصب والتحاليل والتدليس والمساومات،

 

وبهذا فان الخطاب الأوبامي لا يطرح نفسه فقط في مواجهة المحافظين الجدد، أوالخطاب الجمهوري الخصم، انما كذلك في مواجهة اللوبيات بما فيها اللوبي الصهيوني، (ليظهر حتى للوبي اليهودي مدى الخطر المحذق به من باقي اللوبيات الصاعدة ضدهم، ودوره في مساندتهم ) وهنا تكمن ماكفيلية هذا الرجل، حين يقدم نفسه بتمايزه وتميزه، في مواجهة كل هؤلاء مجتمعين، مؤكدا أنه الأفضل، لأنه يمتلك الحقيقية والمصداقية والطهرانية والكفاءة، وأنه سيتفادى عثرات الجمهوريين والمحافظين الجدد، وانه سيحمي اليهود من العرب والمسلمين، وسيحمي الفلسطيننين من كيد دهائيات الإسرائليين، وسيخلص العراقيين - نهائيا - من ربقة الإحتلال بالانسحاب الصوري من خشبة المسرح وتسيير اللعبة من وراء الكواليس، وسيتلاءم بعمق مع الحاجيات الجديدة للمجتمع الأمريكي والدولي، ولن تملك البشرية، بعدها، سوىالإستسلام لمشيئته واتباع هديه، لأن ما يدعو اليه، هو طرح منسجم خالي من الإعوجاج والخلل الذي تميز الرؤساء البيض بعد ريغان

ومن هنا يكمن خطرالخطاب الأوبامي: حيث سيعتبر كل من عارض أوباما في الداخل أو الخارج مارقا وخارجا عن الإجماع الوطني ومصلحة المجتمع الدولي، و مشيئة الرب –كما كررها في خطاب حفل تنصيبه - ولا بد بالتالي من استصدار قوانين أمريكية ودولية جديدة لحماية مكاسب الخطاب الأوبامي وإلا ... فإن آخر الدواء هو:...الكي !!!، فعندما يغيض الماء يحل التيمم ولو بالتراب !!!وهو الورقة الأخيرة الذي يحتفظ بها أوباما، وإلا فعليه أن يحزم حقائبه لإخلاء الكرسي لجمهوري قادم، وبهذاتنتهي اللعبة الأمريكية القذرة ما بين الديموقراطيين والجمهوريين ما بين (القبض والبسط - كما يقول المتصوفة - إلىأن يأتي الله أمرا كان مفعولا، بنهاية حلم مشروع روزفلت بأمركة العالم الذي هو مصيرها المبين كما قال الآباء الرواد الاولون منذ واشنطن، وبذهاب أوباما، يسدل الستارعن تاريخ أسطورة الرجل الأسود في البيت الأبيض، إلى أن يتم تغيير الديكور بتنصيب امرأة شقراء حديدية على غرا كلنتون او سوداء مثل رايس أو يهودي علماني أو مثلي ديموقراطي وبذلك تكتمل صورةأمريكا : بلد الديموقراطية، و عدالة تكافؤ الفرص، والتسامح المطلق والغرابة اللامحدودة

فمن هو هذا الرجل ؟ مصلح قديس و ثوري صادق؟ أم نصاب لعوب وأفاق مارق؟

 

 للبحث صلة

د. الطيب بيتي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1529 الثلاثاء 28/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم