قضايا وآراء

خطاب الرواية النسوية العربية .. جهد متميز وأطروحات متفردة / حسين سرمك حسن

والغريب من الأناث أيضا – تغييبه وإنكاره، ألا وهو موضوع وجود رواية نسوية، لأن مناقشة وبحث خطاب هذه الرواية يعني إقرار وجودها كجنس قائم بذاته، واعتبار هذا الأمر حقيقة إبداعية مفروغ منها . ومع ذلك فإن الناقدة ناقشت في الفصل الأول : الرواية النسوية العربية، مسائل مهمة لتوضيح مفهوم الرواية النسوية من خلال التمهيد الذي طرحت فيه مدخلا للنقد الأدبي النسوي، وهو في الواقع أكثر من مدخل، قدمت فيه متابعة تاريخية وشرح مفاهيمي لمصطلحات أساسية مثل : القضية النسائية والأنثوية والنسوية، والفرق بين الكتابة النسائية والكتابة النسوية وغيرها، وهي مفاهيم متشابكة ومتضاربة قدمتها الكاتبة بصورة متسقة ومحكمة . ثم تقدم مراجعة تاريخية مهمة حول الريادة في الرواية النسوية العربية، فتصحح الخطأ الشائع في التاريخ الأدبي العربي من أن رواية زينب لمحمد حسين هيكل هي أول رواية عربية، في حين أن هناك أكثر من عشر روايات كتبتها النساء تسبق رواية هيكل، وتعتبر رواية " حسن العواقب أو غادة الزهراء " للكاتبة اللبنانية (زينب فواز) التي نشرت عام 1899هي الرواية العربية الأولى . وقد تلتها رواية اللبنانية أيضا (لبيبة هاشم) " قلب رجل " في عام 1904، وبذلك تكون الروائيات العربيات هن اللواتي أسسن هذا النوع الأدبي (الرواية) في الأدب العربي، ومثل أي منجز أنثوي باهر يصادره الذكور، تم الإستيلاء على هذا الإنجاز بفعل السلطة البطريركية . وفي ختام مراجعة المنجز السردي للجيل الأول من الروائيات العربيات، تطرح التوصلات الآتية عن الروايات النسوية : أنها روايات مشاركة في الريادة للرواية العربية وتؤسس لأدب نسوي سردي ينقض المتن السائد، أنها روايات أبرزت المشترك الأنثوي في تفاصيله الكثيرة والصغيرة، أنه كتابة من منطلقات دفاعية لمركزة قضية الأنوثة بموازاة الذكورة، وأخيرا أنها على الصعيد الفني أعلت من شأن الخيال والعاطفة والحزن والتهويمات على حساب الواقع . في الفصل الثاني : إشكاليات الرواية النسوية العربية، تتناول الكاتبة الثيمات الأساسية لهذه الإشكاليات وتتمثل في إشكالية الصراع بين المقدس والمدنس (علاقة الجسد بالمقدس والمدنس، مناقشة الوعي في جدله بين الخاص والعام، مناقشة مفهوم الجنس والعلاقات الجنسية والعذرية والإغتصاب، وإشكالية جسد المرأة بوصفه هوية ثقافية متجددة)، والفكر الإجتماعي وصلته بجدل قضايا المرأة (الرواية النسوية كمدونة للفكر الاجتماعي في صورته المعتقدية الشعبية وتأشير الإختلاف في الأدوار بين الجنسين وصلة الفكر السياسي بجدل التحرر في علاقة الأنا بالآخر (إدماج الثقافة الغربية في المتخيل الروائي وفق قانون المثاقفة ليصبح مقوما من مقومات وعي الذات، تمثلات علاقة الأنا بالآخر التي جاءت ضمن أطار مماثل لما جرت عليه الرواية العربية عموما، تعددية الغرب وغلبة الوجه الصدامي في العلاقة معه) . أما الفصل الثالث فقد تناولت فيه الكاتبة موضوعة (البناء السردي في الرواية النسوية) أي التقنيات، فتطرح المحاور الآتية :

- توظيف المكان من المجال الخاص والعام، وتقسمه إلى أماكن مغلقة هي البيت والمقهى والسجن، وأماكن مفتوحة تتمثل في البحر والمدينة .

- البناء الزمني الذي تمظهر في السرد الروائي النسوي من خلال تقنيات الإسترجاع (ذكر لاحق لحدث سابق للحظة السردية) والإستباق (حدث لاحق يذكر مقدما) والمشهد (المقطع الحواري) والوصف .

- خصوصية الكتابة النسوية . وأعتقد أن هذا القسم من أهم أقسام الكتاب . وابتداء فأنا لا أقر رأي فرجينيا وولف الذي استعانت به الكاتبة والذي يرى أن على المرأة الكاتبة أن لا تصر على الأنوثة لأن مهمة الكتابة النسوية الإنتقال من مركزية الهموم الشخصية إلى هموم عامة، أي مصائرنا ومعاني الحياة . ولا أعلم كيف يناقش المرء مصائر الآخرين قبل أن يتفكر في مصيره هو، خصوصا حين يكون أنثى مصيرها هو خلاص مصائرنا ومصائر الحياة . ويبدو أن الظل الذكوري في لاوعي فرجينيا وولف والضغوط المحارمية هي التي تقف وراء جانب من دوافع طرح هذا الرأي . وهذا يحيلنا إلى قضية مركزية ومتفردة كنت أتمنى على رفقة التوسع في مناقشتها وتتعلق بالظل المغاير في لاوعي الفرد . فالظل الأنثوي وتأصيل مفهومه تتيح لنا توسيع النظرة إلى مصطلح الأدب النسوي حيث يصبح الرجل الذي يتمتع بظل أنثوي قوي – حسب تعبير عالم النفس كارل غوستاف يونغ – قادرا على كتابة أدب نسوي، والعكس يحصل لدى الأنثى ذات الظل الذكوري القوي . تطرح الكاتبة أولا خصوصية التجربة الأنثوية (الإباضة والدورة الشهرية والحمل والمخاض والولادة وغيرها . وفي رأيي إن محنة المرأة الأساسية تتمثل في (الإختراق) حيث تخترق المرأة في الدورة الشهرية والمواقعة والحمل والولادة، ولهذه المحنة انعكاساتها على التجربة الإبداعية . ثم تناقش الكاتبة خصوصية الإحساس الأنثوي (وهو إحساس باطني) كمعادل للتحديق الذكوري (الأنثى سمعية والرجل بصري)، والبوح الذاتي والمناجاة وتداعي الأفكار (التفكير الباطني)، وتيار الوعي وتقنية الحلم والمونولوج والمناجاة الذاتية (وأعتقد أنها يجب أن تدمج مع موضوع البوح الذاتي) . ثم تتعرض الكاتبة لمسألة اللغة وصلتها بالسياق الثقافي وتختم جهدها الخلاق هذا بمناقشة قضية (الشعرية) في الرواية النسوية العربية . إن مما يزيد من أهمية هذا الكتاب هو الجانب التطبيقي الذي حللت فيه الكاتبة العديد من الروايات النسوية، مستعرضة ثيماتها المركزية وصراعات شخوصها النفسية والاجتماعية والسياسية، ومستكشفة الكيفية التي عالجت فيها الروائية الثيمات والتقنيات المختلفة التي حددتها . إن كتاب رفقة دودين هذا بتناوله النظري والتطبيقي الشامل لموضوعة الرواية النسوية يشكل إضافة مهمة للمكتبة العربية في هذا المجال .      

      

# - خطاب الرواية النسوية العربية المعاصرة (ثيمات وتقنيات) – د . رفقة محمد دودين – منشورات أمانة عمان – عمان – 2007 . 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1530 الاربعاء 29/09/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم