قضايا وآراء

هل آن الأوان لإصدار شهادة الوفاة لعزيزتنا اللغة العربية؟ / سلام كاظم فرج..

.. ولا تحسب له... حتى إنني لاحظت أن الرجل قد بدأ يحاول في السنتين الأخيرتين

 أن يتخلى عن تلك الجزالة ويقترب من اللغة المحكية فالرجل سياسي قبل أن يكون لغويا أو أديبا كبيرا.. ولست ادري هل لاحظ محبو اللغة العربية والحريصون على ديمومتها تلك الظاهرة أم لا؟

قبل أيام كنت ضمن وفد لخطبة كريمة أحد الأصدقاء (وهو مشرف تربوي مختص بعلوم اللغة العربية وآدابها) ..لأحد أنجال قريب لي... وقد استقبلنا الرجل بكلمات رقيقة جمعت بين بساطة اللغة المحكية والحرص على ثوابت اللغة العربية الفصحى..من رفع ونصب وجر وسكون.. ومن بين ماقاله... (لنا الشرف أن تعيش كريمتنا في كنفكم.. وأن تغمروها برعايتكم فهي ابنتكم وأنتم أهل لكل معروف..) ..

 في طريق عودتنا ...قال بعض الإخوة.. لم أفهم شيئا مما قاله. وتساءل آخر..

 ما معنى كلمة كنفكم؟؟.. وتضاحك ثالث قائلا.. ظننت انه قد رفض طلبنا!ولم أطمئن إلا بعد قراءة سورة الفاتحة!!

 في تلك الليلة لم استطع النوم..فقد هالني البون الشاسع بين ما وصلت  أليه استعمالات اللغة جماهيريا وبين ثوابتها البسيطة التي يحرص بعض

 أبنائها من أدباء واختصاصيين على عدم التفريط بها.. وتساءلت .. عن مبررات اللغة .. وهل هي غاية أم وسيلة؟؟.. وهل الحرص على الحفاظ عليها من الضياع يحمل جدوى ما؟.. سيما إن الإخوة الذين شاركوني طقوس الخطبة لم يكونوا أميين فجلهم قد أنهى الدراسة الجامعية الأولية........ وهل الوسائل المقترحة للحفاظ على سلامة اللغة ستكون مجدية أمام هذا السيل الجارف من الملايين الذين يفضلون عاميات مناطقهم؟؟ والذين يعتبرون تكلف الحديث باللغة الفصحى نوعا من أنواع التعالي. أو نوعا من أنواع الحذلقة؟؟.. وثمة من يقول ... انك تستفز كرامتي حين تحدثني بفصاحتك هذه لكي تظهر عجزي..

 وحزنت إذ رأيت أن الذي يحرص على التحدث باللغة العربية الفصحى يتعرض للسخرية والتفكه..بل للحقد..والبغض..أحيانا..

 لاتقل لي.

. أن حديث جماعتك لايقاس عليه...فمن خلال معايشتي للناس طيلة خمسة عقود من الزمن.. وجدت أن حديث الفصحى هو الاستثناء وحديث العامة هو القاعدة..حتى في مقاعد الدرس يفضل بعض الدكاترة أن يقربوا فكرة الدرس لطلبتهم باللغة المحكية..بل ربما هم .. الدكاترة.. لايجيدون التحدث بلغة القران بشكل مقبول....

 ومما يبعث على الابتسام إن بعض الكتاب وقد أكون منهم!. يدبج المقالات حول هوان اللغة العربية ويرفع عقيرته نادبا لغة القران.. في حين إن مقالته تحفل بالأغلاط النحوية واللغوية بل الإملائية أيضا.. وقد قرأت تعليقا لأحدهم

  يعاتب زميلا له على بعض ركة في أسلوبه . ( رحم الله الأدب العربي..)..!!حين رجعت إلى مقالة للسيد المعاتب (بكسر التاء) نفسه وجدت إن مقالته قد ضمت مالا يقل عن أربعة أغلاط فادحة..

 وللشاعر الكبير يحيى السماوي قول لطيف لكنه مؤلم.. يقول في إحدى مداخلاته القيمة لو نقبنا عن أغلاط بعض الشعراء والكتاب الذين ينشرون في الصحف والمواقع لاكتشفنا ما يرقى إلى مستوى الفضائح لكننا نعف..

 

 من هنا.. تيقنت إن السيدة اللغة العربية قد ماتت موتا سريريا منذ زمن بعيد لكننا نكابر.. وموت اللغة سيعني موت قصيدة العمود.. وكل الأعمال الفنية الكبرى المكتوبة بها عاجلا أم آجلا.. فاللهجة اللبنانية هي المفضلة عند بناتنا وأبنائنا..ومن ملاحظاتي المحزنة انه كلما تقدمت الأعوام صوب المستقبل تسوء حالة المريضة. ولا أرى أية بارقة للشفاء. ولا أرى في عدد المهتمين باللغة وشؤونها إلا اقليه ارستقراطية توشك على الانقراض..وان الأجيال الصاعدة تتعامل معهم تعامل الأحفاد العاقين المرحين مع الآباء والأجداد..

 هذه هواجس ليست نهائية.. ولا أتبناها كحقيقة مسلم بها.. بل هي معروضة للنقاش العلمي الموضوعي الهادئ.. وأنا منحاز للغة الأم متعاطف معها ويعز علي موتها وهوانها.. لكني لاأستطيع أن أخفي مخاوفي وهواجسي.. ولا التغاضي عن الواقع الملموس..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1531 الخميس 30/09/2010)

 

في المثقف اليوم