قضايا وآراء

العراقيون .. وسيكولوجيا اللوم / قاسم حسين صالح

غير منتبهين الى أنه غالبا ما يكون وسيلة سيئة للتحدث عن المشاعر المجروحة، وغير مدركين لما يحدثه فينا من انفعالات قوية تفضي أحيانا الى نتائج كارثية، ولا عارفين بآليته السيكولوجية التي تعمل، من حيث لا نقصد، على تحفيز الانتقام القائم على معادلة (أنت تلومني..فسألومك).فأنت حين تلوم شخصا فهذا يعني نفسيا أنك تضعه في دور (المتهم) الذي يتحتم عليه أن يدافع عن نفسه، فيتطور الموقف الى تصعيد لتبادل الاتهامات ونبش قضايا تحت التراب..ونشر غسيل تفضي احيانا الى عواقب وخيمة.

 واللوم لا يصّفي القلوب ولا ينهي الخلافات ولا يحلّ الصراعات كما يعتقد كثيرون، انما مجرّد طريقة لالقاء المسؤولية على عاتق شخص آخر.. بل هو فخ كبير نقوم، حين نقع فيه، بانتقاء أخطاء الناس لندّعي أننا على صواب وننشغل بالدفاع عن انفسنا والاستعداد للهجوم على الآخر.

 ومن مراقبتي لسلوكنا، نحن العراقيين، لاحظت أننا أكثر الناس، أو من أكثرهم، ممارسة للوم وأسرعهم الى القائه على الآخرين.. سواء على صعيد العلاقة بين الزوجين أو الصديقين أو الجماعتين (الطائفتين!) أو بين الناس والحكومة. وان كنت في شك فتأمل "تأمّلي" نفسك كم مرّة لمت شريك حياتك، وكم منها أدت الى زعل و" ديرة ظهر"على قضية تافهة كأن تكون هي وضعت كوب اللبن على طرف المائدة وسكبته أنت، دون أن تنتبه، على السجادة الجديدة المفروشة لاستقبال ضيوف على وشك الوصول، فتقول لك:

- هاي اشبيك..أعمى

فتردّ:حسنّي ألفاظك..

وقد يتصاعد الى نبش الماضي، وقولها أو قولك:ألعن أبو ذاك اليوم الشفتك بيه..ولك أن تتصور المشهد..أو تتذكّره!.

 ولك أن تتذكر ايضا كم صديقا خسرته أو خسرك، لا بسبب محتوى اللوم بل لأسلوبه..لأننا نميل الى أن نصيغه بطريقة لاذعة تحقّر من شأن الآخر ..فيردّ بطريقة أقوى.وأظن أن معظم العلاقات بين العراقيين، والعرب ايضا، كان اللوم-أو طريقتنا في اللوم- سببا فيها. حتى النقد، الذي يعني تحديد مزايا الشيء وعيوبه والحكم عليه بموضوعية، صرنا نمارسه بالتركيز على العيوب والنواقص وتضخيمها..وأننا حين نحلل شخصيات الآخرين فان في داخلنا (أعور) يلتقط الأخطاء والعيوب ويشرحّهم كما لو كن جّراحا يبحث عن ورم خبيث ..وتلك "عاهة" نفسية ترّبى عليها كثيرون في طفولتهم وتلقّوا كفايتهم من التأنيب والسخرية حين صاروا كبارا، فصارت وكأنها "سجية" جبل عليها العراقيون ..مضافة الى "عاهات" أخرى أقبحها أصرار العراقي على الدوام باثبات أنه محق! وصعوبة اعترافه للآخرين بأنه كان على خطأ!..وتباهيه بأنه محايد وموضوعي بالقدر الكافي لفهم الخبرات المعقدة للآخرين!، وتعامله مع التعليقات السخيفة للآخرين كما لو كانت اهانات شخصية موجّهة له! ورمي اللوم على الآخرين حتى لو كان شريكا بالمناصفة في ديمومة الصراع!..

 ويبدو لي أن سيارة العملية السياسية في العراق قد توقفت، ليس فقط بسبب الخلل في ماكنتها يوم صنّعت، بل ولأن أسلوب اللوم المتبادل بين السياسيين ثقب أحد أطاراتها..ف (بنجّرت!).

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1531 الخميس 30/09/2010)

 

في المثقف اليوم