قضايا وآراء

لوحات مكتوبلي أو ما تقولهُ الأشارات .. قراءات في المنجز السردي اللافت للروائي مرتضى كزار: (5) / جابر خليفة جابر

 

شدتني اليها، ومنذ شاهدتها كما لو كنتُ أمام لوحة، وبانبهار متجدد، الصورة السردية الرائعة التي رسمها مرتضى كزار في روايته -- مكنسة الجنة -- وهو يصور لنا حال المقبرة الجماعية التي تضم رفات الرسامين...

لنصف اللوحة هادئين..

1- تعرضُ هذه اللوحة السردية الألم والمأساة الأنسانيين بفرادة تفوق بجماليتها وإيحاءاتها جمال وإيحاء الصورة التي رسمها ريمارك في روايته (للحب وقت للموت وقت) حين صور- ريمارك - طبقات جثث قتلى سنوات الحرب التي يفصل بينها الجليد كل عام،جثث عام 1939 ثم طبقة جليد ثم جثث قتلى عام 1940 ثم جليد ثم قتلى 1941 وهكذا الى نهاية الحرب، رسم ريمارك لوحة سرد صورت المأساة بفرشاة ماهرة..

لكن لوحة مرتضى الروائي العراقي الجديد جاءت أروع منها واشد ترويعا وإثارة، اذ رسم وبمهارة وابداع مقبرة جماعية قرب بئر النفط 334wq ) ) تضم جثث عدد من الرسامين المعدومين...

في عالم الصناعة النفطية يطلق على مجموعة الادوات والانابيب والصمامات والمصابيح الموجودة في الاعلى عند فوهة البئر،يطلق عليها او تسمى إصطلاحا بشجرة عيد الميلاد، سُمّيت بهذا الاسم ربما لتعامدها مع بعضها مُشكّلة العديد من الصلبان الحديدية،او لكثرة المصابيح مختلفة الالوان فيها..

اذن ثمة موت، إعدامات، وثمة ولادة وصلبان ..هذا أولا

ثانيا:ان جثامين رسامي جداريات الرئيس والذين اعدموا لان الاصباغ الغذائية التي استخدموها تسببت في تجمع الذباب على وجه او وجوه الرئيس الطاغية، هذه الجثث دفنت بالاسلوب الاعتيادي للدفن، أي طُرحت بِشكل أُفقي وغطّيت بالتراب..لكن قُرب هذه الجثث، وفي نفس المقبرة، دُفنت جثة زكية بنت سعيد مكتوبلي،المعلمة في مدرسة بهلوي في البصرة،هذهِ المعلمة زكية دُفنت في قبرها واقفة،عَمودية، ماتت وهي واقفة ووريت الثرى او التراب او اي شىء اخر..

جُثث أفقية تعترضها جثة واقفة، صورة صليب هنا، صليب لاأغرب منهُ، لايشبههُ أي صليب آخر في العالم، منذ عهد السيد المسيح وحتى لحظة القراءة الأخاذة هذه!

لدينا شجرة عيد الميلاد بأضاءاتها وصلبانها الحديدية في الأعلى وتحتها ظلام القبر الجماعي و صليبنا المصنّع من هياكل العظام البشرية، صليبٌ من جثث البصريين..بل مجموعة من الصلبان (اذا لاحظنا التخطيطات في المقطع الخامس من الرواية اشكال الرسامين كانت على هيأة صلبان)، لدينا اذن شجرة صلبان حديدية في الاعلى وشجرة صلبان بشرية تحتها، تحت الارض.او لنقل بقراءة مقاربة ان اغصان الشجرة كانت صلبانا وجذورها ايضا كانت صلبانا، اي جمال أخاذ هذا، أخفاه مرتضى او قدمه لنا نحن قراؤه تحت وشاح باهت من السرد، باهت جدا لايراه ولا يستشفه الا القارىء الخاص،المرتجى، القارىء الذي كتبت الرواية لاجله .

يقول ابرهارد ارنولد:( كان المسيحيون الاوائل يمدون ذراعيهم الى الجانبين مثل الصليب كرمز للانتصار).هل مثلت جثث الرسامين في هذه اللوحة ذراعي زكية او أذرعها التي ترمز لانتصارها او انتصارهم ...هكذا تقول الاشارات.

هنا سلط مرتضى الضوء على قباحة الجريمة ووحشيتها،سلطهُ بمهارةِ رسامٍ مبدعٍ- لكأنما - شيّد جدارية لا أروع منها لهؤلاء الشهداء،زكية والرسامين..يمكن للقارىء أن يرى هذه الجدارية المؤلمة والمدهشة ويسميها جدارية القديسة زكية او جدارية سانتا كورنه كما سمّت الميجر الدانماركية مالينوسكي كتابها عن المقبرة الجماعية للرسامين.

كأن زكية هنا تجر صليبها الكبير المؤلف من جثامين الرسامين، يتخيل القارىء منظرها هذا ويترنم مع مارسيل خليفة..

(منتصب القامة امشي

مرفوع الهامة امشي

في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي

وانا امشي وانا امشي)

القارىء يرى مشهد كتف يمشي وعليه نعش، كأنما صليب يمشي،ثمّ يرى منظر زكية المدفونة وقوفا ويتذكر قصيدة معين بسيسو (الاشجار تموت واقفة).. ويتذكر فلسطين مهد المسيح عليه السلام وطريق آلامه..

2- تفصح الرواية على سطحها عن اسباب ادت الى قتل زكية، قد تتعلق بالشرف،او ما هو قريب من ذلك، اذ كانت حبلى وكانت مجنونة وكانت تتواجد تحت جدارية للرئيس مع الحراس، لكن من مستوى سردي آخر- بالغ الذكاء- متخف،رشتِ الاشاراتُ إيماءاتها بطهارة زكية ابتداءا من المعاني العالية لاسمها (زكية) ومما قامت به من افعال كغسلها لادران القنصلية البرتغالية ولادران الاحتلالات كلها بانشاء الحمام، وبقتلها للمتعاون مع الاحتلال غويلي العبد المختبىء في الممر السري للحمام، بل ان مقتلها على يد شخصية قذرة وشاذة في كل ما صدر عنها- وداد – الشاذ جنسيا، الرسام لجدارية الطاغية،المتسبب باعدام الرسامين،والصانع للاصباغ من المواد الغذائية في وقت كان الناس في جغرافية الرواية- البصرة- يجوعون، والمتقنع بزي رجل الدين بعد سقوط الجداريات- والقاتل لزكية... هذي الاشارات تقول لملتقطها من القراء ان زكية كانت زكية الروح كاسمها، لاكما حاول الراوي ان يقول ويموّه ..

3- صورة التضحية الرائعة هذه تمثل القلب السردي للرواية، الذي تمتد أنساغه – شرايين وأوردة - الى مشهد حادثة حصان الانكشاري الذي يؤطر كل الرواية أذ يذكر في بدايتها في / المقطع الاول / الصفحة الاولى / الجملة الاولى ... وفي نهايتها عند / المقطع الاخير / الصفحة الاخيرة / الجملة الاخيرة منه!،حادثة مسرح تشابيه عاشوراء هذي تشير وبوضوح الى ان مشهد المقبرة ولونها الدموي ليس الا مشهد جانبي تظلله بألوانها الساخنة خلفية لوحة كبرى اسمها مأساة وملحمة عاشوراء الحاضرة دائما وبقوة وعاطفة جياشة حرارتها لاتبرد أبداً عبر التاريخ.

4- اكتشفت المقبرة قرب بئر النفط 334 غرب القرنة ورُمزَ لغرب القرنة بالحرف الانكليزي wq.

وفقا لاحداث الرواية ومتاهاتها فان عدد الرسامين في هذه المقبرة 12 أو 13 رساما،فاذا جمعنا الاعداد 3+3+4 وهي الاعداد التي يتكون منها رقم البئر 334 يكون حاصل الجمع =10 واذا اضفنا اليها الحرفين wq

يكون المجموع = 12 وهو الاحتمال الاول لعدد الرسامين المدفونين في المقبرة.

اما اذا نظرنا تأويلا الى الحرف الانكلزي qعلى انه يشاكل أو يساوي العدد=9،والى الحرف W على إنه يساوي او يشابه العدد =4 يكون المجموع =13 وهو الأحتمال الآخر لعدد الجثامين....

هل قصد المؤلف كل هذا بتخطيط ودراية؟ القارىء يشك ويرى ان متحسّسات الأبداع عالية الألتقاط والبث والتي يتمتع بها المبدع، مؤلفا وقارئا،هي التي خلقت هذه العلاقات الجمالية والدوال الموحية والمشبعة بالألوان التي تقطر منها من دون توقف.(يمكنك مراجعة القراءة الثالثة- مفكرة مادس)

 

? في مشهد آخر مفعم بجمال السرد ترتسم شخصية حياوي والد وداد ومدين، اذ تبدأ ملامح حياوي بالأتضاح بدءا من المقطع الثامن من الرواية، ولهذا دلالته عند القارىء الصانع للنص، اذ ان اختيار المقطع (8) للبدء برسم شخصية حياوي يشيرالى حادثة مقتله المروية في المقطع (17)والتي تبدأ هكذا..

(في 8/8/1988 إنقذف نحو الشاطىء زند اسود موشوم عليه تاء مربوطة "ة" لم يلحظها احد بالتاكيد،لكني افترض ذلك...)هذه التاء المربوطة ستعرفها ملاية زوجة حياوي لانها هي التي كتبتها او وشمتها على جسده عندما كانت تتعلم الكتابة على يد معلمتها السوداء بتول، وسيكون هذا الزند القطيع لحياوي..يتذكر القارىء كفا قطيعا في عاشوراء ويواصل القراءة..

شارك حياوي في معركة الفاو وامره العريف شاتما ان يرمي ما عنده من فاكهة خالية( الرمانة اليدوية) على الايرانيين،وحين شاهد الشارات الحمرتتحرك ببطء(المقصود فرق الاعدام المتحركة خلف القطع العسكرية لاعدام الفارين والمتخاذلين عن القتال)..

اختار حياوي دون ان يراه احد بركة صغيرة قريبة وقذف فيها رماناته كي لا يقتل انسانا، فرح حياوي بنجاته من فرق الاعدام وفرح ايضا لانه لم يؤذ احدا، لكن المفاجأة انه قتل برميته خمسة ضفادع ايرانيين كانوا يحبسون انفاسهم تحت الماء! .

اذن البدء برسم حياوي في المقطع الثامن له ارتباط باكتشاف مقتله في نفس يوم الاتفاق على وقف اطول حرب شهدها القرن العشرين بين العراق وايران،وله دالة صارخة لأحد اهم حدثين في حياة حياوي،، حدث قتله للضفادع الايرانيين خطأ, والحدث الأهم الاخر هو تمثيله خلال تشابيه يوم عاشوراء لدور حرملة بن كاهل الذي شارك مع الجيش الاموي في معركة كربلاء، مثل حياوي دوره وهو يصيب طفل الحسين عليه السلام،عبدالله الرضيع بسهم في نحره ويذبحه ببشاعة حركت حمية احد السكارى المتفرجين فقذف حياوي بقنينة الخمر وشج جبينه.. وبعد هذه الحادثة توقفت العائلة عن ممارسة دورها الموروث في تشابيه عاشوراء.(ربما بدأت العائلة بأداء هذا الدور في التشابيه منذ عام 1636 حين سرقت عصابة من العبيد << احدهم قد يكون جدا لحياوي >>حصان الجندي الانكشاري لتشارك به في تشابيه عاشوراء! )

هذا المشهد السردي الساحر لحياوي مؤطّر أيضا بحادثة حصان الأنكشاري خلال التشابيه العاشورائية، لبدء الرواية وانتهائها به كما بينا، ولتماثل الحادثين، حادث الحصان وحادث شج رأس حياوي، كلاهما كانا اثناء التشابيه وكلاهما ارتبط بمأساة الحسين وآله وتعاطف الجماهير معه،بل تجرجرنا الأشارات الى الربط بين عاشوراء وبين قتل حياوي للايرانيين الخمسة -- لماذا خمسة ؟ -- ومقتله فيما بعد( كلا المقتلين في الماء، نفس الماء، شط العرب )..

حياوي مشهد آخر لتضحية أو قُربان من نوع لايختلف كثيرا عن مشهد المقبرة بصليبها وإيحاءاتها..بل كان لأبنهِ وداد الدور الرئيس في مشهد المقبرة فهو الذي تَسبب في إعدام الرسامين عبر تزويدهم بأصباغ مصنوعة من مواد غذائية أدت الى تكاثر الذباب على وجوه الرئيس وجدارياته فأعدموا، وهو أيضا من قتل زكية وربما هو من دفنها وهي واقفة قربهم...

=        =       =      =

 

في قراءتنا الثالثة المعنونة مفكرة مادس سرحنا مع العدد13 وانزياحاته المعرفية والايحائية، والاعداد عموما هي لغة الطبيعة كما قال فيثاغورس،لكن رواية مرتضى كزار (مكنسة الجنة) لم تشتغل على الرقم (13) فقط والذي وصفه القارىء بالاساسي فيها،هناك ايضا الرقم 5(خمسة)لكن ليس بالايحاء المستمد من معناه وقيمته العددية فقط وانما من شكله الدائري المغلق ايضا، الاشارة ليست لاي رقم خمسة كما هو مع الرقم 13، القارىء يركزعلى شكل محدد بعينه للرقم خمسة وهو الشكل العربي او الهندي للعدد اي الدائرة (لاننسى ان العدد الانكليزي صفر دائرة كذلك وان اسم رواية مرتضى الاولى صفر واحد).،ويعني الشكل الدائري التقاء البدايات بنهايتها حد التماهي، لتكون كل نهاية هي بداية وبالعكس

بدء الرواية بحادثة الانك شي(عشت بسرعة يفصلني عن عام الانك شي الذي ولدت فيه - اول جملة في الرواية - ص7)

وختامها بالاشارة الى نفس الحادثة ( كان صوت طفلة بريئة تغريني بكنس عالمها الصغير! وفقا لتقويم حصان الجندي الانكشاري- اخر جملة في الرواية - ص 146) يمثل هذا الابتداء والانتهاء اشارة دالة فهي ..

اولا- تلظم بداية الرواية بنهايتها كما التحمت بداية الرقم خمسة بنهايته بحيث لم تعد تعرف بدايته ولا نهايته طبعا، كل النقاط الموجودة على الدائرة يمكن ان تكون بداية وكلها ايضا نهايات مفترضة ويرى القارىء ان بناء الرواية اعتمد الدائرية اذ بدات جغرافية الاحداث من شمال الجزيرة البريطانية، اسكوتلندا او سواحل بحر الشمال وانتهت فيها ايضا، وان المكان المجهول قبل ان يكون (قنصلية-حمام- ضريح)عاد ثانية مكانا مجهولا على الرغم من شهرته، كأننا عدنا لنقطة البدء، والاشارات التي تشي بها الرواية عن علاقة مريبة بين مكنزي الاسكوتلندي مع الصبية الصغيرة زكية،تشي الاشارات الواضحة بتكررها مقلوبة في اخر كلمات الرواية بين رمزي العراقي سليل الصبية الصغيرة زكية وبين صبية اسكتلندية بريئة قد تكون سليلة لمكنزي الاول ذاك وان كانت طفلة محجبة!  فيما تظهر التاء المربوطة على شكل دائرة على زند حياوي خارطة مصيره الدائري المقرر، فيُقتل في الحرب التي رفضها ويَقتل عندما يريد تحاشي القتل.

ثانيا- كانت رسالة يراد من القارىء التقاطها تقول ان كل ما حدث يحدث الان وسيتكررحدوثه لاحقا، احتلالات تتكرر،بهلوية، برتغالية، هولندية،انكليزية، دانماركية، وعثمانية طبعا.

.

تقول الرواية (عاش حصان الانك شي خمسة اعوام بعدها، لذا ظلت بعض العجائز تتذكر تلك الحادثة كل خمسة اعوام، ويطلقن بالخفاء ودون ان يسمع بهن احد "عام الانك شي "... على كل عام خامس، ويوم ميلادي يقع ضمن تضاعيف ذلك الرقم الكبير، الذي يقبل القسمة على خمس!.)ص8

من هذا الاقتباس يبدو واضحا لماذا قسم المؤلف روايته الى خمسة واربعين مقطعا (اي احد مضاعفات العدد خمسة) واذا بدا واضحا ان تقسيم الرواية الى 45 مقطعا كان مقصودا.،فأن تقسيم الرواية الاولى للمؤلف ( رواية صفر واحد) الى خمسة عشر مقطا وهو من تضاعيف الرقم خمسة ايضا ليس قصديا بالتاكيد لان كتابتها سابقة على كتابة رواية مكنسة الجنة وذكر حادثة الانك شي وتضاعيف العدد خمسة وهذ يؤيد ما نؤكد عليه دائما بان المؤلف هو مجرد اداة التقاط بالغة الحساسية لما يريد الحاضن الاجتماعي او الكوني بثه من اشارات. والجمع بين اشارات ودلالات الروايتين كما بينته قراءتنا المعنونة - الاول دائما من اور- يفصح عن دورانية الاحداث، فما الاحتلالات المتعددة للبصرة واثارها الماساوية الا نسخة اخرى من تاثيرات فايروس امية متعدد الاشكال والهيئات والايذاءات!

ان تكون المقطع الخامس من الرواية من شكل مرسوم فقط ومن دون كتابة ( صفحة من مفكرة الدانماركي مادس ) يمثل اشارة واضحة اخرى على اهمية العدد خمسة في هذه الرواية كشقيقه الرقم 13، بل انهما يلتقيان هنا معا في خطاطة المقطع الخامس!

 

في قصة كورثازاو (السماء الاخرى) تدخل الشخصية قاعة جويميس في بوينس ايرس وتخرج من قاعة فيفين في باريس لكنها تخرج قبلها بقرن عام 1870.،وفي روايتنا هذه تعيش الصبية زكية بنت سعيد مكتوبلي اوائل القرن العشرين للميلاد لكن القارىء لايجد ما يفصلها عن نورست التي عاشت احداث الاحتلال البريطاني الثاني للبصرة اوائل القرن الحادي والعشرين وقتلت..الزمان الفاصل بين زكية ونورست قرن كامل،لكنهما ليستا شخصيتين منفصلتين وانما شخصية واحدة كشخصية كورثازاو، واقرب للتاويل انهما واحدة وانهما اثنتان في ان واحد، هكذا قالت الاشارات بوضوح، قالته لي انا القارىء المؤلف للرواية او المشارك بتاليفها.،قالت ذالك ابتداءا من لوحة الغلاف التي يجزم القارىء انها من اشتغالات مرتضى المؤلف وان ثبت عليه ان دار ازمنة هي التي صممت الغلاف!

نرى على الغلاف الاول وجهين او نصفي وجهين يمكن لمن يراهما ان يعتبرهما وجهين لامراتين ويمكن ايضا ان يظهرا كنصفي وجهين لامراة واحدة في حالين او ظرفين مختلفين من حياتها.،اي انهما وجهان لزكية او لزكية ونورست معا . بتوضيح اخر ان زكية هي نورست وكلاهما زكية.

في ص61 نورس تحك صلعتها وفي الصفحة التالية نقرأ ان زكية كانت صلعاء ايضا، ان نورست في واقع الامر تكتب روايتها هي اي رواية زكية الشخصية الاساس في الرواية وان رمزي حفيدها هو الذي اخترع شخصية شبيهة لها(نورست) لتكتب رواية جدته زكية بدلاعنه.

ولتماه اكثر نقرأ في ص125(وهل قتلت زكية المخبولة!، انها نورست الرسامة والروائية الثانوية،حفيدة عمي رفعت..)هكذا كلاهما تبدا من الاخرى وتنتهي بها كما الدائرة ففي نفس الصفحة يقول الراوي ( من عيني ومن على الاوراق،كنت ارسم حدود الدموع المدورة واليابسة،فتجتمع في الورقة دوائر صغيرة منثورة على الصفحة..)يلاحظ القارىء ما يعيده الى الشكل الدائري للعدد خمسة وهو يقرأ هذا المقطع. اشارات اخرى توحد بين زكية ونورست، منها اسم نورست وما يعنيه وفقا للراوي انها قسمان، دفء وبرودة، ربيع وشتاء، موت وولادة. ومنها ان كلا المرأتين تتحكم بهما عادة الامساك بمنديل في اليد، ذكر الراوي هذا في ص 29 وفي صفحة اخرى لا اتذكرها الان .

ساطلق على متاهة زكية ونورست اسم متاهة ( ز/ ن )ولاننسى ان كلمة زن بالفارسية تعني المرأة وان زكية كانت معلمة في مدرسة بهلوي الايرانية.الزاي لزكية والنون لنورست. من طيف اخف للقراءة نسمع الحلاج وهو يقول متى ننورز؟ ونستحضر النار نار نوروز ونستحضر تطهيرها للروح لتكون مزكاة او زكية..اطياف القراءة قد تاخذنا بعيدا وربما تذكرنا قراءة رولان بارت المطولة ( s/z) حول رواية بلزاك القصيرة ساراسين!

ثمة متاهات عدة غير هذي كمتاهة المؤلف او المؤلفين للرواية من هم ؟ يصعب تحديدهم . ومتاهتا الزمان والمكان وقد اشير اليهما . والاهم متاهة الكتاب نفسه. هل هو رواية، ام لوحات، ام موضوع نشر على موقع زوجات الجنود الدانماركيين القتلى في العراق، ام قصة لغويلي العبد الذي تعام من الروسي فاسيلي كتابة القصص؟! وغيرها من المتاهات الممتعة.

الا انني كقارىء تعبت، تعبت فعلا، فقد اتعبتني روائع مرتضى في هذا النص السردي المبدع والمولد للاشارات، اشاراته لاينتهي توالدها، لاارى انتهاؤها قريبا مني، لذا ساستريح وانا اعترف بفكرة التفكيكي الامريكي (بول د ي مان) ان كل قراءة للنص الادبي هي اساءة قراءة- ولكن هذه الاساءة جميلة -لانها ليست قراءة خاطئة بل عملية خروج عن المألوف لكل قراءة.

بقي على القارىء ان يقول وبثقة واطمئنان ان روايتي مرتضى (صفر واحد) و (مكنسة الجنة) قد اهديتا اليه واحدة تلو اخرى وباهداء معبر/(لك) ثم (لك – مرة ثانية).. يدعي القارىء هذا باطمنئان،

لذا فهو يهدي قراءاته الخمس هذي للمؤلف مرددا (لك) ثم (لك- مرة ثانية).. وان كان لا يجزم بما اطمئن له فقد تكون الرواية مهداة لقارىء اخر اكثر ارتقاءا وتحسسا لاستلام الاشارات، قد تكون انت هو هذا القارىء وقد يكون هو وربما كنا جميعا ذاك القارىء المفترض.

خاتما قراءاتي بماذا ؟بصانع الساعات الفرنسي بيير كارون الذي كتب مسرحية زواج فيغارو فحاز اعجاب الملكة ماري انطوانيت والتي منحته لقب الكونت بومارشية وحاز اعجاب نابليون ايضا، اما موزارت فقد عبرعن اعجابه بتأليفه لاوبرا زواج فيغارو الشهيرة..

ولاعبرعن اعجابي بها ايضا ساقتبس هذه الجملة التي قالها فيغارو احد شخصيات المسرحية

:(ايها الكونت الصغير، يمكنك ان ترقص ولكنني ساعزف موسيقى الرقص)..

واحورها قليلا لاقول للمؤلف) يمكنك ايها المؤلف ان تكتب ما تشاء لكنني انا القارىء من سيعزف موسيقى القراءة).

 

جابر خليفة جابر

البصرة 2010 [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1537 الاربعاء 06/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم